أ.د/ هاني جرجس عياد

اْستاذ جامعي وكاتب صحفي

 

<!--

<!--<!--

لقد  أصبح  خروج  المرأة  إلى  ميدان  العمل  ضرورة  ملحة  من  ضروريات  الحياة  المعاصرة ومتطلباتها المتزايدة  وتماشيا مع التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم إلا أن هذه المرأة نفسها تُقابل بالعديد من أشكال التمييز خاصة مع هيمنة الثقافة الذكورية في معظم البلاد العربية . والتحرش الجنسي بالمرأة لم يعد أمرا نادر الحدوث بل أصبح متفشيا بدرجة كبيرة إلى أن أصبحت حوادث التحرش أمرا عاديا في الصفحات الأولى من الجرائد والمجلات العربية.

وإذا أردنا تعريف التحرش نستطيع أن نقول أنه سلوك تطفلي يحمل مضمونا جنسيا  تتعرض إليه الضحية من قبل شخص تعرفه أو لا تعرفه وتتفاوت درجاته من مجرد النظرة الفاحصة إلى الملامسة المقصودة مرورا بالألفاظ  ذات الدلالات الجنسية لذلك نستطيع أن نميز بين:

- تحرش شفوي : وهو الأكثر انتشارا ويتضمن ملاحظات و تعليقات جنسية أو طرح أسئلة  ذات مضمون جنسي مباشر أو غير مباشر.

- تحرش غير شفوي : ويتضمن النظرات المتفحصة والموحية أو التلميحات الجسدية بالإشارات.

- تحرش مادي : انطلاقا من اللمس أو التحسس ووصولا إلى الاعتداء .

وفي تقرير لمنظمة العمل الدولية صدر عام 2008 جاءت الأرقام التالية : أكثر من 30% من النساء العاملات في النمسا تعرضن لتحرشات جنسية  وفي الدنمارك 15%  وفي فرنسا 21% وفي النرويج 41% , و أفاد التقرير أن هذه الأرقام لا تعتبر الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة. أما على المستوى العربي فقد أثبتت بعض الدراسات المستقلة أن 68% من النساء العاملات من عينة تشمل 100 امرأة عاملة في المصالح الحكومية في مصر قد تعرضن للتحرش الجنسي سواء بالقول أو الفعل من جانب زملاء أو رؤساء العمل . كما أشارت دراسة أخرى أيضا أن 16% من النساء العاملات في السعودية تعرضن إلى تحرش جنسي من قبل مديريهم في العمل. وأشارت هذه الدراسات أن التحرش الجنسي في موقع العمل ينطلق عادة من الغزل المفرط  ووصف مفاتن المرأة  والإلحاح في طلب اللقاء بهدف جر المرأة إلى علاقة عاطفية وهو ما يعتبر شكلا من أشكال العنف النفسي ضد المرأة منطلقه تلك النظرة الدونية والنمطية التي تخول للرجل التفكير في المرأة كوسيلة إمتاع وبأي طريقة متاحة.

وفي خضم هذا الواقع المرير للمرأة العاملة  تبرز المشكلة الأعظم ألا وهي الصمت. فالضحية غالبا ما تعيش فترات اضطراب وارتباك ذهني على اعتبار أن التحرش لم يصل إلى مستوى الاعتداء الملموس مما يضعها في دوامة الشك وعدم التأكد والخوف من اللجوء إلى الشكوى خاصة أن القانون لا ينصف بمجرد الشكوك بل يتطلب إقامة الدليل فيحاط الأمر بالكتمان ولا يتعدى حدود الوشوشة و الغرف المغلقة وينجو الفاعل بفعلته بل يتمادى إلى أن يصل إلى حدود الفعل المادي ألا وهو الاغتصاب وقد أثبتت الدراسات فعلا أن 62% من الضحايا لم يبدين أية ردة فعل تذكر . ولعل الدافع الأول لصمت المرأة هو نظرة المجتمع إلى المرأة بصفة عامة على أنها المحرض على التحرش لهيأتها أو طريقة تعاملها أو حتى لمجرد كونها أنثى و كأن الرجل لا يد له في الأمر برمته لذلك فهي تفضل التزام الصمت  ولا تجد الجرأة  الكافية  خوف  الفضيحة وتشويه السمعة. وتعتبر الحاجة الماسة إلى العمل أيضا سببا رئيسيا من أسباب الصمت فالضحية تخاف أن تفقد عملها إذا أبلغت عن الإساءة من قبل رئيسها في العمل مما يؤدي بها إلى الشعور بالاهانة و الذل و العجز عن المقاومة أو رد الفعل . و ينبع الصمت أيضا من الشعور بأن الجاني لن يلقى عقابا لفعلته أو حتى مجرد ردع نظرا لكونها غير قادرة على تقديم الإثباتات اللازمة فتبقى رهينة الشعور بالعجز والاضطهاد  وما يترتب عليه  من  مخلفات  نفسية  جسيمة  كالأرق والتوتر والعصبية الزائدة حتى خارج نطاق العمل.

وأخيرا لا يسعنا إلا أن نقول أن الأمر بيد المرأة أولا و آخرا إذ أنها مطالبة باجتياز حاجز الصمت والشعور أن لها الحق في تتبع المعتدي بأي شكل من الأشكال وأن لا تبقى حبيسة الألم النفسي الذي سيظل ملازما لها ما لم تتحرر من صمتها و تطالب بأبسط حقوقها ألا وهو حق الكرامة الإنسانية و يجب التنبيه هنا إلى دور التشريع الذي من مشمولاته أن يسن قوانين خاصة بهذا الشأن ... و تلك قضية أخرى!

 

المصدر: منشور بمجلة الحوار المتمدن – العراق – بتاريخ 9-3- 2015 م
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 22 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2015 بواسطة hany2015

ساحة النقاش

أ.د/ هاني جرجس عياد

hany2015
اْستاذ جامعي وكاتب صحفي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,617