<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
تعد قضية أطفال الشوارع إحدى القضايا الرئيسية والهامة ، حيث تُعد انعكاسا للتغيرات الاقتصادية والسياسية التي طرأت على بنية المجتمع المصري ، وآثارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث بدأت ظاهرة أطفال الشوارع في الظهور بشكل واضح في ثمانينيات القرن الماضي، كانعكاس للتطورات الاقتصادية التي شهدتها البلاد آنذاك، والتي تفاقمت في ظلها الأمراض الاجتماعية المعروفة، مضافاً إليها زيادة نسب البطالة، واتساع مسبِّبات التفكك الأسرى نتيجة لذلك، ولم تُحقِّق خطط وإستراتيجيات المواجهة على المستوى الوطني أي نجاحات ملحوظة في هذا الميدان، نتيجة التركيز على معالجة الآثار دون الأسباب، وقد أدَّى ذلك إلى زيادة هذه الظاهرة بمُعدَّلات سريعة ومتلاحقة تفوق بكثير الخطط الوطنية لمواجهة الفقر والبطالة والأزمات والإسكان والتسرب من التعليم والرعاية الصحية وتحولت الظاهرة على مدى الأعوام السابقة إلى ظاهرة مخيفة باتت تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعيين في المجتمع المصري، حيث أصبحت تُشكِّل بؤر سرطانية، تأويها الجحور مع مرور الزمن، وزادت خطورتها في ظل الأوضاع والظروف المتردية، وفى إطار هذه التجمعات لأطفال الشوارع ظهرت عناصر احترفت في استقطاب الوافدين الجدد من الأطفال وإرهابهم لاستخدامهم في ارتكاب الأنشطة الإجرامية، فضلاً عن تعرُّضهم للانتهاكات الجنسية، بالإضافة إلى تعرضهم للقتل للتخلص من آثار تلك الجرائم .
أطفال الشوارع لم تعد بمثابة قنبلة موقوتة ولكنها قنبلة انفجرت بالفعل ، وبالرغم من الجهود الأهلية والتنفيذية لاحتواء أزمة أطفال الشوارع إلا أنها بمثابة نقطة في بحر كبير وراء عصابات منظمة لاغتيال براءة الأطفال والتربح بهم والادعاء بأن الفقر والعشوائيات والنظام السابق هم وراء استفحال مشكلة هؤلاء الأطفال ، وما هي إلا أسباب واهية إذا اعتمد عليها البعض لإيجاد حلول لهذه المشكلة فلن تحل وستظل بمثابة السكين الذي يطعن في قلب تحول مصر إلي نظام ديمقراطي سليم وخلو الشارع من عالم الجريمة .
وأطفال الشوارع أنواع وأشكال فهناك فئة منهم انضموا بالفعل إلي جمعيات أهلية تمكنت من تأهيل البعض منهم ودمجه بالمجتمع ، وهناك أطفال سقطوا ضحية جمعيات أهلية سادها الفساد فطغت علي حقوقهم وأموالهم وتم حل العديد من أجهزة إدارة مثل هذه الجمعيات لسرعة حصول الطفل علي حقوقه ولكن يبقي الشك قائماً ، وهناك فئة من أطفال الشوارع يطلق عليهم "الحرافيش" وهم يعملون في عدة مجالات إجرامية منها بيع المخدرات وتوزيعها والوقوف خلف البلطجي في أي مشاجرة ، بل في بعض الأوقات يدفع بهم في الواجهة قبل الهجوم المباشر عليه ليكونوا بمثابة حائط صد وأصبح "الحرافيش" يعملون أيضاً في مجال بيع الأسلحة حسب مرحلتهم السنية ، وهم إما أولاد "مسجلين" خرجوا للحياة ليسيروا علي نفس نهج أسرهم أو أنهم من مناطق عشوائية وأسر مطحونة مادياً وكثيرة الإنجاب . والبلطجية بوجه العموم لهم أعين في هذه المناطق لاستقطاب الأطفال في سن مبكرة برضاء أفراد أسرهم حيث يقوم "البلطجي" بدفع مرتب شهري لأسرة الطفل وكأنه موظف ويتولي صرف وجبة غذائية له يومياً بالإضافة إلي أقراص الفراولة أو الترامادول ليصبح "الطفل" تحت السيطرة منذ البداية ولا يمكنه التخلي عن "معلمه" ، ويتجمع الحرافيش في أماكن معروفة لهم في كل منطقة ليتم تدريبهم ولدي كل مجموعة قائد عليهم يمكنه جمعهم في أي لحظة وعل كل "قائد مجموعة" رئيس يفوقه سناً وخبرة ثم هناك نائب المعلم الذي يجتمع بهؤلاء وهو الوحيد الأقرب "للبلطجي" ويتواصل معه وهي مجموعات منظمة تنظيماً يفوق أي تنظيم سياسي في الأحزاب الجديدة أو القديمة .
وهناك نوعية ثالثة من أطفال الشوارع وهي من النوعيات الخطيرة أيضاً وإمكانية إصلاحها ضعيفة ، وهم الأطفال الذين هربوا من أسرهم إما بدافع القسوة أو الفقر أو التمرد أو حب الاستكشاف أو لفشل دراسي أو خوفاً من العقاب أو ضاعوا من أسرهم في الزحام ، ووراء هذه النوعية من الأطفال لاستدراجهم واستقطابهم تشكيلات مختلفة في الأصل كانوا أطفالاً وتمت معاملتهم بنفس المعاملة ليسيروا علي نفس النهج بعد أن اشتد عودهم وأصبحوا معلمين ، ويتم استقطاب هذه النوعية من أطفال الشوارع إما بواسطة أطفال في نفس مرحلتهم السنية ويعملون لصالح "معلم" وهم "السحيبة" القادرون علي "السحب" بإعطاء الطعام والشراب للطفل وتوفير مكان للنوم حتي يظل تابع لصديقه الجديد وإما عن طريق "رجل" في العشرينيات أو الثلاثينيات يشعره بحنان الأخ الأكبر أو الأب ويسمع لشكواه ويستدرجه للانضمام اليه ، وأحياناً تعمل مع هذه النوعية من الشبكات "امرأة" تقوم باستدراج الطفل ولكن في الغالب لا تعمل "المرأة" إلا لصالح نفسها ليعمل معها الطفل في مجال التسول أو النشل أو السرقة بمختلف أنواعها ، وطريقة استدراج أطفال الشوارع ليست بهذه السهولة فالأطفال السابق ذكرهم يكونون بمثابة "عود أخضر" ليس له علاقة بالجريمة فيتم استدراجه إلي شقة ويمنع عنه الطعام والشراب كنوع من التعذيب لكي ينصاع للأوامر ثم تبدأ عملية اغتصابه جنسياً وهتك عرضه بالإكراه بصورة يومية وتستمر هذه العملية لمدة شهر وقد تطول حسب مقاومة الطفل ومدة انهياره للانصياع للأوامر وتبدأ عملية تصنيفه إما العمل في شبكات لدعارة الأطفال ويتواجد سماسرة لهم "قوادون" ليقف ومعه الطفل ويتفاوض مع الزبون ويحصل علي الأموال مسبقاً ومكان استلام وتسلم الطفل ، وهناك مجموعة من الشبكات تستعين بالأطفال للعمل في شبكات لجمع القمامة وفرزها وبالطبع فذلك لصالح "معلمين" من جامعي القمامة ، وهناك يعملون في التسول أو بيع المناديل أو مسح الزجاج بالإشارات المرورية أو بجوار مناطق التسوق وجميعهم بالطبع يعملون لصالح شبكات منظمة ويجتمعون في الخرابات أو الأماكن المهجورة أو ينامون بجوار المقابر أو علي محطات الترام والأتوبيس وهكذا.. وما أكثر الجرائم المفجعة التي عان منها المجتمع من أطفال الشوارع خاصة بقيامهم بقتل بعضهم البعض بوحشية بالرغم من حداثة عمرهم إما للصراع علي "أنثي" لا يتعدي عمرها 15 عاماً أو للتنافس علي أماكن الاستغلال والبيع أو من يحقق أرباحاً أكثر من الآخر فيكون مصدر طمع.
وبوجه العموم فان أطفال الشوارع في مرحلة ما بعد الثورة أصبحوا أكثر خطورة علي الأمن العام ، فهم بمثابة أداة من بعض المحرضين وعلي استعداد تنفيذ ما يطلب نظير أموال أو الأقراص المخدرة ، فنجدهم يشاركون في الهجوم علي الممتلكات العامة والخاصة وقذفها بالمولوتوف الذين يقومون بإعداده بالإضافة إلي الحجارة ، ومن خلال اندساسهم في المظاهرات تبدأ عمليات السرقة والنشل ومهاجمة المنازل مستغلين الاعتصامات علي وجه التحديد بالانضمام للمعتصمين والنوم معهم وتناول الطعام والشراب بالمجان ثم الخروج ليلاً لممارسة نشاطهم الإجرامي . وكانت مديريات الأمن قد ضبطت العديد منهم في أحداث الاعتداء عليها ، بالإضافة إلي انتشار ظاهرة الاستعانة بالأطفال في أعمال النشل وخطف الحقائب وكسر السيارات وسرقتها بأعداد كبيرة استغلالاً لضعف التواجد الأمني ، كما أن أطفال الشوارع من الأحداث أصبحوا يحملون الأسلحة النارية بدلاً من الأمواس ليستخدموها في أعمالهم الإجرامية .
وأخيراً فإن هناك جهوداً بذلت وتبذل لحل مشاكل أطفال الشوارع منها جهود المجالس المحلية بإصدار توصيات عديدة لم تنفذ وجهود للجمعيات الأهلية بإقامة ماراثون لأطفال الشوارع أو إنشاء لجنة لنجدة الطفل وأخري لحماية الطفولة بالأحياء. إلا انه مهما كانت الجهود والأموال التي يتم إغراق الجمعيات الأهلية بها لحل مشاكل أطفال الشوارع ستظل المشكلة قائمة لوجود مستفيدين منها وميليشيات عصابية أعضاؤها أطفال الشوارع في ظل ضعف القانون أمام جرائم الأطفال أو زعماء الشبكات العصابية .
أطفال الشوارع قنبلة وانفجرت وعلي الدولة والمجتمع أن يعد العدة لمواجهة عشرات الآلاف منهم لأنهم ناقمون علي الدولة والمجتمع معاً . والواقع أن التصدي لهذه الكارثة يقتضى تبنِّى حزمه متكاملة من الإجراءات غير المسبوقة، والتي تهدف إلى تجفيف المنابع والقضاء على أسباب تفاقمها وليس الاستمرار فقط في مواجهة آثارها . وتظهر أهمية تدعيم وتأهيل أطفال الشوارع وإعادة اندماجهم في المجتمع مرة أخرى وتغيير النظرة إلى هذه الفئة من الأطفال والأنماط السائدة في التعامل معهم ، والوصول بطفل الشارع لطفل سوى يتم تأهيله ورعايته وتدريبه واكتسابه مهارة حرفية محددة وممارسة هذه المهارة بالاعتماد على الذات .
ويتم دعم وتأهيل أطفال الشوارع ، من خلال تكامل بين وزارة الداخلية متمثلة في قطاع مصلحة السجون والوزارات وأجهزة الدولة والمنظمات والجمعيات ذات الصلة، حيث يتم إعداد الطفل وتأهيله وتلمذته وإكسابه مهارات حرفية محددة، وممارسة هذه المهارة بالاعتماد على الذات .
علي الجانب الآخر طالب البعض بضرورة إنشاء المزيد من المدارس لتأهيل وتعليم أطفال الشوارع لأن العلم هو بداية توعية الطفل وحماية مستقبله ، وان المرحلة المقبلة تتطلب وضع استراتيجيات للحد من انتشار هذه الظاهرة بعد أن أصبح أطفال الشوارع ظاهرة تمثل خطراً علي الأمة في مصر مع ضرورة تفعيل البرامج الخاصة لحماية الطفولة مع ضرورة وقف الانتشار السريع لهذه الظاهرة لأن استفحالها أدي إلي ظهور فئة إجرامية جديدة للاتجار بالأعضاء البشرية مستغلين الأطفال في تحقيق مآربهم وتحقيق الكسب السريع .
ساحة النقاش