<!--
<!--<!--
شهد العالم و الوطن العربي خاصة تغييرات في الأنماط الثقافية و الاجتماعية عبر فترات متعاقبة أحدثت ردات فعل قوية على المجتمع العربي و على الأسرة بالدرجة الأولى ، مما أدى إلى انهيار العلاقات الاجتماعية و تفكك أواصر المودة بين أعضاء العائلة الواحدة ، و ذلك من خلال بروز ظاهرة الصراع بين جيل الآباء و بين جيل الشباب .
لم تكن هذه الظاهرة وليدة اليوم فقط ، بل هي ظاهرة عرفها الإنسان عبر فترات متتالية من الزمن ، لكن زادت حدتها في الآونة الأخيرة ، وخاصة لما أصبح الأمر يتعلق بتقلص حجم الأسرة من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية ، ومع التطور و الانفتاح الذي عرفه مجتمعنا العربي، وكذا انتشار وسائل الإعلام هذا الأخير الذي أصبح له الدور الكبير في جعل الأفراد وخاصة فئة الشباب يتبنون قيم و أفكار و معايير غير التي عهدها آبائنا و أجدادنا .
و قد تظهر هذه الظاهرة بشكل أساسي على مستوى العلاقات بين الآباء و الأبناء داخل الأسرة التي تعتبر الخلية الأساسية لبناء المجتمع ،إذ وجد إن لكل جيل منطقاته الفكرية و العقائدية التي يبني على أساسها نظرته إلى الحياة ، فجيل الآباء نشأ في جو فكري ثقافي تقليدي محافظ تربى و ترعرع عليه و يرى في سلوك أبنائهم أنها سلوكيات غير سوية و أنهم يسلكون أفعال مناقضة لما عهده آبائهم و يعيشون في حالة من عدم الثبات في المبادئ و الأفكار. و جيل الأبناء أو الشباب نشئوا في ظل انفتاح اجتماعي و ثقافي و حضاري واسع يرفض كل ما هو تقليدي و متحفظ و يرون أن جيل الآباء يتميز بالرجعية و التخلف ومازالوا يعيشون في حيز ضيق من العالم و يتعاملون مع واقع أكل عليه الدهر و شرب ولا يمكن تغييره . هذا ما يؤدي إلى نشوء علاقة صراع بين الجيلين جيل الآباء التقليدي و جيل الشباب المعاصر الذي يبحث عن الاستقلالية و عدم التبعية للكبار و التحرر و السعي نحو بناء شخصية المتفردة بقراراتها تنقاد وراء كل ما هو معاصر.
أن أزمة ثقافة الشباب مع الكبار إذن مسئولية يتقاسمها الطرفان ، وما يمكن أن يتصوره من هوة بين الجيلين هي خطوات تباعد بينهم يخطوها الكبار بنفس السرعة التي يخطو بها الشباب : تنشئة غير سوية يقوم بها الآباء تنتهي بإدانة من جانبهم للأبناء ، وتوجيه اجتماعي أو إعداد اكاديمى أو تأهيل للحياة العملية يباعد بين الشباب وبين الواقع الذي ينتظرهم لينتهي باتهامهم بالقصور أو التخبط أو التسيب أو العناد ، أو الرفض والتمرد . إن ما يتصوره البعض من أزمة أو هوة بين الأجيال ، ليست أزمة ثقة أو أزمة أخلاق ، بقدر ما هي إنكار واقعية ومشروعية حق الاختلاف في تقييم الواقع وسبل التفاعل معه . وما أفضله من حل للخروج من الأزمة ولتحقيق التواصل بين الأجيال من أن يقوم الطرفان بعملية تقمص متبادل للأدوار .
ساحة النقاش