يعمل الخزي كوقود للسلوكيات القهرية التي تعتبر الطاعون الأسود في أيامنا هذه لأنها تجعلنا نتصرف في الحياة مُساقين بها. فنحن نريد المزيد من المال، المزيد من الجنس، المزيد من الطعام، المزيد من الخمر، المزيد من المخدرات، المزيد من الأدرينالين يضخ في أجسادنا، المزيد من التسلية، المزيد من الممتلكات، والمزيد من النشوة. ونصبح مثل حمل لانهاية له ولا يصل أبداً إلى لحظة الولادة.
إن أمراضنا تدور حول حياتنا اليومية. فتركز متاعبنا حول ما نأكله، وما نشربه، وأسلوب عملنا، وطريقة نومنا. ومقدار الحميمية في علاقتنا، وكيف نصل إلى ذروة الإشباع الجنسي، وكيف نلعب، وكيف نعبد الله.
ونظل في انشغال شديد دائم مبتعدين عن أنفسنا حتى لا نشعر أبدا بمدى وحدتنا، جرحنا، جنوننا، غضبنا، وحزننا الحقيقي. فالثقب الموجود في نفوسنا يميز الدمار الذي يطلق عليه أيدن "مزارعنا الخاصة بالعزلة وأحزاننا وأسانا المشغول".
فسلوكياتنا القهرية تخبرنا عن مدينتنا المفقودة- مكان عميق في داخلنا حيث يختبئ الطفل في الخراب.
السلوك الإدماني/ القهري
يعرّف السلوك الإدماني القهري على أنه "علاقة مرضية لأي اختبار يغير الحالة المزاجية للانسان وله عواقب مدمرة للحياة". ويساعدنا هذا التعريف على الانتقال من الصورة المبسطة عن الإدمان من تعاطي للمخدرات والكحوليات في الحانات والأزقة الخلفية، إلى شركة عمل جيدة السمعة وحياة دينية لأشخاص مدمنين للعمل أو الدين. كما أنه يساعدنا أيضاً على رؤية تأثير علاقاتنا المكسورة مع القائمين على رعايتنا والتي أدت إلى شعورنا بالخزي. فأصبح عندنا الآن الاستعداد للدخول في مشاكل مع الاعتمادية وفي مجال العلاقات بسبب كسر جسور الاعتماد الصحي على من كنا نحتاج إليهم في طفولتنا لكي نظل على قيد الحياة، وفي علاقات الهجر تلك التي تشعرنا بالخزي تأسست سلوكياتنا الإدمانية.
إن عائلتنا هي المكان الذي تنشأ فيه مصادر علاقاتنا. وهي أول مكان نتعلم فيه عن أنفسنا من خلال عيون والدينا التي هي بمثابة مرآة لنا؛ حيث نرى فيها أنفسنا للمرة الأولى.
فنحن نعرف المشاعر الحميمة من خلال عائلتنا، كما نفهم ماهية المشاعر وكيفية التعبير عنها. كما يقدم لنا والدينا نموذج وقدوة عن ما هي المشاعر المقبولة وتخولها العائلة وما هي المشاعر الممنوعة أيضًا.
نحن نتكيف في عائلتنا مع احتياجات نظام العائلة. فنمسك بالأدوارَ التي استوجبتها علينا ديناميكات هذا النظامِ. ومثل هذه الأدوار تتطلب منا أن نتعلم مشاعر معينة وأن نتخلى عن مشاعر أخرى.
لكن حين نتعرض إلى الإساءة في عائلتنا، نتعلم أن نحمي ذواتنا بدفاعيات من "الأنا". فنكبت مشاعرنا وننكر ما يحدث حولنا؛ ونفرغ سخطنا في ممتلكاتنا أو أصدقاءنا. ونخلق أوهاماً عن الحب والتواصل، فإما أن نجعل منها أموراً مثالية أو نقلل من شانها. وننفصل عن الواقع حتى لا نشعر بأي شيء على الإطلاق؛ ونخدر مشاعرنا.
وتعتبر إدماناتنا وسلوكياتنا القهرية مُغيرات ومُبدلات لحالتنا المزاجية. وهي الأشياء التي ننميّها لنخدّر بها مشاعرنا. فهي وسيلتنا للبقاء على قيد الحياة وللسيطرة على مشاعرنا. ويظهر هذا بوضوح في الاختبارات التي يشعر فيها الشخص بالنشاط والخفة وأنه مرتفع.
مثل حالات استخدام الكحوليات والمخدرات، ممارسة الجنس بصورة قهرية، تناول السكريات، حيث يندفع الأدرينالين بشدة في الدم فيختبر الإنسان شعور جيد بالنشوة. لكنها لا تكون بنفس هذا الوضوح في الأنشطة المعتادة التي تفصل الإنسان عن مشاعره. مثل العمل، الشراء، المقامرة، مشاهدة التلفزيون، والتفكير القهري. بالرغم من أنها من الأنشطة المغيرة للحالة المزاجية أيضًا.
لقد أصبح الإدمان أسلوب الحياة القومي (أو بالأحرى أسلوب الموت). إنه اسلوب موت مبني على هجر الذات ككائن جدير بالاهتمام إلى ذات عليها أن تحقق هدفًا وتؤدي عملاً أو تستخدم شيئا خارجًا عنها من أجل أن تصبح محبوبة وسعيدة.
أن الإدمان ما هو إلا تسكين للألم بدلاً من قبول المعاناة الطبيعية. وحتى نعاني شرعياً أو بطريقة صحية يجب علينا أن نسمح لأنفسنا بأن نشعر بالمشاعر السيئة كما هي عليها.
تأثرت حياة أكثر من ستين مليون شخص بشكل خطير من جراء استخدام الكحول وحده كمسكن وقاتل للألم. وهذا لا يقول لنا شيء عن الوفيات الناتجة من حوادث السيارات والعنف المنزلي الذي له علاقة مباشرة بالكحول. فالكحول هو أبرز القتلة في هذه البلاد.
يأتي بعد هذا أمراض القلب والسرطان، وتعتبر السمنة، والتوتر والضغوط، والتدخين أعظم المساهمين بل المسببين في أمراض القلب. أن التدخين في حد ذاته إدمان، مثله مثل السمنة. أما السرطان، فقد تم اكتشاف أن له علاقة بالكبت الوجداني.
إن الناس يقتلون أنفسهم بالطعام من خلال الإفراط في تناوله، أو الحرمان الشديد منه، أو القيء، أو الغذاء الغير صحي أو غير متوازن. أن الاضطراب في تناول الطعام والتغذية إدمان قائم على إنكار المشاعر، خصوصاً الغضب. وتعتبر حقيقة أن ما يقرب من ستين في المائة من السيدات وخمسين في المائة من الرجال في هذه البلد يعانون من اضطرابات في التغذية تعقيب وتفسير لهذه الحالة.
وتعتبر مشكلة العائلات الأكثر تفاقمًا في بلادنا هي إدمان الجنس. فقد أقرت بعض الدراسات بأن عدد مدمني الجنس يساوي نفس عدد مدمني المواد الكيميائية. وبالتالي نشأت نتائج اجتماعية خطيرة من جراء هذه المشكلة. وبالرغم من انه ليس كل مدمني الجنس يتحرشون بالأطفال، إلا أن معظم من يتحرشون بالأطفال مدمنين للجنس. فقد قدرت إحدى مقالات مجلة "الحياة" أن أربعة وثلاثين مليون سيدة بالغة تمت الإساءة إليهن جنسيا".
وهناك عامل آخر هام في العائلات المضطربة المختلة الأداء وهو ادمان السلطة والعنف. فالأطفال والزوجات الذين يتعرضون للضرب يكشفون لنا عن مقدار الرعب الذي يحدث داخل العائلات المسيئة بدنياً.
كما أن العنف نفسه نوعاً من الإدمان. والعنصر الجوهري في أي علاقة مسيئة هو إدمان الشخص الذي يتعرض للإساءة لدور الضحية. فالالتصاق المؤلم، شكل من أشكال الشعور بالعجز المكتسب، وهو إدمان حقيقي يستعبد الإنسان ويقتل النفس.
نشرت فى 31 ديسمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,770,382
ساحة النقاش