العلاقة الجنسية
المشكلات الجنسية في الزواج، هي من الأسباب الرئيسية لخلافات أسرية حادة، والتي يمكن أن تؤدى إلى انهيار الزواج، وذلك للأسباب التالية :
1- الدافع الجنسي هو من أقوى دوافع الإنسان، إن لم يكن أقواها. ولذلك لو هناك إحباط أو عدم إشباع عند آي منهما هذا يؤدى إلى توتر داخلي وتوتر فى العلاقة .
2- الجهل بالأمور الخاصة بالعلاقة الجنسية فى الزواج؛ وهذا يؤدى إلى تصرفات جارحة تجاه شريك الحياة .
3- الزوجان لا يتكلمان معاً بخصوص العلاقة الجنسية؛ وذلك يؤدى إلى تفاقم المشكلات الجنسية بينهما .
إن العلاقة الجنسية علاقة مقدسة فى الزواج، والله هو منشأها يتكلم عنها فى الكلمة المقدسة بصورة مباشرة
العلاقة الجنسية لها 3 أهداف رئيسية :
1- الإكثار والإثمار:
" :أثمروا واكثروا واملأوا الأرض "
2- الكيان الواحد :
يؤدى إلى إدراك الزوجين إنهما أصبحا كيان واحد .
"يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً ."
تكوين 2 : 24
3- المتعة :
هي عطية من الله، وليست آثمة بأي صورة من الصور .
هناك اختلافات رئيسية بين الرجل والمرأة في الجانب الجنسي :
1- الدافع الجنسى للرجل قوى وثابت خلال أيام الشهر، بالمقارنة بالمرأة حيث أن دافعها الجنسى متغير على مدار الشهر وفى بداية الزواج يبدو أنه أقل من دافع الرجل.
2-الاستثارة الجنسية عند المرأة تزداد كنتيجة للعاطفة (الرومانسية) والتلامس. أما الرجل، فاستثارته تزداد كنتيجة للفكر (الخيال) والنظر .
ليلاحظ الزوجان أن:
1- الجنس يكون بركة فى الزواج لو كان تجسيد للعطاء .
2- الجنس لا يجب أن يرتبط بالثواب والعقاب.
3- العلاقة الجنسية علاقة خاصة بالزوجين، ولهما حرية القرار فيما يسعدهما فيها .
4- حيث أن الدافع الجنسي قوى للغاية، يحتاج الزوجين أن يحرصا بشدة لكى لا تتكون لأى منهما علاقة خارج إطار الزواج
الجنس عند الإنسان هبة إلهية تمس صميم الكيان الإنساني على كافة مستويات حياته، فهو لا يمس جانباً واحداً من حياتنا، بل يمتد ويتداخل فى طبيعتنا الإنسانية، ليضع بصماته على وجود الفرد وشخصيته، ويؤثر على حياتنا النفسية والانفعالية، وعلاقاتنا الاجتماعية بالآخرين، كما يمس حياتنا الروحية وعلاقتنا بالله، فهو - إذن - طاقة شمولية.
يمكن أن نرى - إذن - أن الجنس عند الإنسان، له ثلاثة عناصر (أبعاد) رئيسية:
1- العنصر الشخصي Personal :
وفيه نجد التفاعل الشخصى بين الجنسين، الناتج عن القبول
المتبادل والإقتناع العقلى، تفاعل يعبر عن ذاته مستخدماً الإمكانات العاطفية (المشاعر) الإنسانية، ويساهم فى نمو الحب بينهما، الذى يفتح بدوره
المجال للإتحاد الزيجى.. ولا ينحصر البعد الشخصى للجنس فى مجرد العلاقة بين الجنسين، بل يتجاوزها كى يغذى الجوانب الاجتماعية والروحية عند الإنسان.
2- العنصر الحسي Sensual :
ويقصد به الإحساس باللذة فى العلاقة الزوجية، ولو أن اللذة الحسية ليست هدفاً بحد ذاتها، إنما هى إحساس فسيولوجى عصبي نفسي ملازم للتواجد والتقارب بين الزوجين من خلال حياتهما المشتركة.
3- العنصر التناسليProcreational :
ويقصد به إنجاب النسل حفاظاً على النوع، ولو أن النسل ليس هو الهدف الأوحد للزواج، فالزواج يهدف - كما أراده الله - إلى تحقيق التكامل والإتحاد بين الزوجين، ويهدف إلى التعاون والمشاركة بينهما فى مواجهة الحياة، ويأتى النسل ثمرة للحياة الزوجية، معبراً عن البعد الشخصى للجنس فى حياة الزوجين.
هذه العناصر الأساسية الثلاثة للجنس أراد الله منذ البدء أن توجد معاً جنباً إلى جنب فى توازن، دون أن يطغى عنصر على آخر، حتى تحقق العلاقة بين الزوجين هدفها الأصيل.
لكى نفهم خصائص الجنسية كما أرادها الله منذ البدء ينبغى أولاً أن نفهم خصائص الإنسان ذاته في وضعه الأصيل كما أوجده الله.
أ- تكامل فردي رائع :
كانت حياة آدم وحواء قبل السقوط حياة ذات وضع فريد نقى، بسبب كون كل منهما مرتبطاً بالله... فالعقل منشغل بالله، والعاطفة تتحرك بالحب نحوه، والإرادة تطيع صوته وإرشاده، والجسد يتحرك سالكاً فى وصاياه.. لذلك كان الفرد كله (عقلاً وعاطفة وإرادة وجسداً) متكاملاً يحيا فى مجال الله، بلا صراع داخلى بين عقله وعواطفه وإرادته وجسده، بل يسلك مع الله بكيان متكامل غير منقسم.
ب- تكامل إنسانى رائع :
قبل السقوط، كان الفرد الإنسانى آدم، والفرد الإنسانى حواء متحدين معاً فى كيان إنسانى متكامل وفريد، يطلق عليه الكتاب المقدس تعبير "جسد واحد" (تك 24:2)، وكان هذا الإتحاد نموذجاً إلهياً رسمه الرب الإله، ورآه حسناً جداً إذ كان يعكس سر الحب والوحدة الكائنين فى الحياة الإلهية، ويكشف عنهما منطبعين فى عمق الحياة الإنسانية.
ج- علاقة الإنسان مع الله قبل السقوط :
لقد كان وجودهما فى حضن الله هو السبب المباشر لاتحادهما معاً، وهو سبب حالة النقاوة والقداسة التى كانا يسلكان بها.. كذلك كان اتجاههما المستمر نحو الله بالحب هو سر حبهما الواحد للآخر.. لم تكن الجنسية فقط فى حالة نقاء، بل كيان الإنسان كله، فالعقل ينذهل أمام أسرار الله فى الكون محاولاً باتضاع أن يدرك ولو القليل منها، والعاطفة تتجه من "الأنا" إلى "الله" إلى "الأخر" فى حركة حب متدفق ومستمر، والإرادة تتطلع إلى الله تسعى نحوه شخصياً طالبة إرضاءه أما الجسد فكان يسلك فى نقاوة يكشف عن كل جوانب القداسة فى حياة الإنسان الحامل داخله صورة الله التى لا تفنى.
خصائص الجنسية قبل السقوط :
على أساس هذا النموذج النقي الذي صنعه الله ورآه حسناً جداً ( نموذج الإنسان المتكامل)، نتوقع أن تتجلى فى علاقة آدم وحواء الخصائص التالية:
أ- نوعية العلاقة بين الرجل والمرأة :
1- التناظر :
أي التساوي (التكافؤ)equality ، مع المشابهةlikeness والندية being peers.. فالله خلقهما متساويين في القيمة الإنسانية رغم اختلافهما في الخصائص الطبيعية المميزة لكل منهما، ونلمح هذا واضحاً في قول الرب "أصنع له معيناً نظيره" (تك 18:2) يلاحظ أن التناظر بين الزوجين يؤدى إلى التفاهم المشترك، والتعامل بينهما بلا تسلط.
2- التكامل :
وهى أن يكمل كل منهما الآخر، وهذا يتحقق بسبب الاختلاف الطبيعي في الصفات بين الرجل والمرأة، فمن خلال التعامل بينهما ينتفع كل منهما بصفات الآخر، وكأن صفات الواحد تضاف إلى الآخر.. ويأتى التعاون والمشاركة علامة على حالة التكامل بينهما ولذلك خلق الله حواء لتكون "معيناً" يتعاون مع آدم ويشاركه حياته، ويتقاسم معه مسئولياته.
إن التكامل يساهم - فى الواقع - في تحقيق التوازن النفسي والاستقرار الداخلي.
3- الحب الحقيقى :
وهو قدرة النفس على الخروج عن "الأنا" إلى "الآخر" وتجاوز حدود عالمها الخاص، كى تشارك الآخرين فى عالمهم فتدخل إليهم السعادة.. ولم يكن الحب المضحى الباذل بين آدم وحواء قبل السقوط، إلا انعكاساً مباشراً لحب الله المنسكب بفيض على كل منهما.. وكأن الحب يتحرك فى دورة
لا تنقطع من الله إلى كل من آدم وحواء، ومن آدم إلى الله مروراً بحواء، ومن حواء إلى الله مروراً بآدم.. فالله - إذن - كان هو محبوبهما معاً وشريكهما، وأملهما فى الحياة وهدف وجودهما الحقيقي. وهذا الحب الحقيقي انعكس على علاقتهما ولذلك قال آدم عن حواء "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمى" (تك 23:2)
ب- الميل الجنسي النقى :
منذ البدء أوجد الله فى صميم تكوين نفس الرجل ميلاً طبيعياً للمرأة وفى صميم تكوين نفس المرأة ميلاً طبيعياً للرجل، وبهذا الميل المتبادل يتألفان ويتكاملان، أي أن هذا الميل الجنسي يخدم نمو الحب، ويساهم فى تحقيق التكامل بينهما.
كان الميل الجنسي ميلاً طاهراً نقياً، شأنه فى ذلك شأن باقى ميول الإنسان الأخرى قبل السقوط.. ونلاحظ هذا الميل واضحاً منذ اللحظة الأولى التى أفاق فيها آدم من سباته، فوجد الله يقدم له حواء لتكون معيناً نظيره، فقال: "هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي" (تك 23:2).. هنا نلاحظ شعور آدم نحو حواء باعتبارها شخصاً مأخوذاً من داخله، وتربطهما رابطة خاصة ومنذ أن كانت حواء داخل آدم، رابطة تجذبهما الواحد إلى الآخر، هي ما يسمى "الميل الجنسي"، وبقوة هذا الميل تعود حواء مرة أخرى إلى أدم، ولكن لن تكون عودتها هذه المرة إلا على مستوى داخلي، وهو ما يسمى "الاتحاد الزيجي" الذي عبر عنه سفر التكوين بلفظ "الجسد الواحد" (تك 24:2 )
كان الميل الجنسي - إذن - يهدف إلى تحقيق الوحدة الداخلية بين الرجل والمرأة، كي يصيراً معاً "كياناً بشرياً متكاملاً".
في النهاية نعود بالشكر إلى إلهنا العظيم مصمم هذا البناء الرائع للحياة الزوجية والذي قصد فيه أن يتحقق ما قاله سليمان الحكيم قديما فى (سفر الجامعة الإصحاح 9 وعدد9) " التذ عيشاَ مع المرأة التي أحببتها كل أيام حياة باطلك التي أعطاك إياها تحت الشمس "
ولنصلى من قلوبنا أن يعيننا الله على اتباع إرشاداته والخطوات التي وضعها أمامنا وعندئذ نتمتع بقوله المذكور فى (سفر الأمثال الإصحاح 8 وعدد 34 ، 35 ) " طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراَ كل يوم عند مصارعي حافظا قوائم أبوابي لانه من يجدني يجد الحياة وينال رضى الرب ومن يخطئ عنى يضر نفسه"
ساحة النقاش