الفكر والمشاعر
يعيش الإنسان ويسلك إنطلاقاً من قاعدة بيانات أفكاره, ولِمَا للفكر من قوة في التأثيرعلى السلوك, حيث أن كما شعر في نفسه هكذا هو, أى أن سلوك الفرد نابع من أفكاره ومعتقداته. الكل يعلم أن القمر ليس مضيئاً من ذاته, فهو فقط يعكس نور الشمس, فموقعه بالنسبة للشمس كما نراه من الأرض هو ما يفسّر عملية سطعانه بالنور. هكذا نحن أيضاً, فسلوكنا ينبع من كوننا نمتلك بعض الأفكار التي تؤثر فينا في توجيه إرادتنا وتأهيلها للسلوك والممارسات اليومية ببعضنا البعض. من هذا المنطلق يجب أن نعرف خطورة الأفكار التي تداهمنا من كل جانب. يذكر لنا الرسول بولس مُعلماً في رسالة تيموثاوس الثانية 22:2 "أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ". كثيراً ما يلجأ إبليس أن يقودنا في إشباع شهواتنا عن طريق الفكر, بأن يقدم لنا طُرُقاً, بها نُفرغ طاقتنا الجنسية, وهى أن نُطلق العنان لخيالنا الجامح عن طريق صور ذهنية وأوضاع جنسية, نستدعيها عند الحاجة, حيث نُداعب بها خيالنا, فتُحقق لنا ما لا نستطيع أن نحققه نحن بأنفسنا في الواقع, وتكون لنا بمثابة المصدر للشبع والإرتواء الجنسي. وفي ذات الوقت نكون أمام الناس بلا لوم, لأننا لم نرتكب هذه النجاسة في العلن, لذلك يعمل إبليس (حتى يُريح ضمائرنا) على أن يقودنا في إشباع شهوتنا "بإرادتنا نحن" بهذه الطريقة, فلا نشعر بوخز الضمير. لهذا يجب ألا نهمل تنقية الأفكار قبل دخولها إلى أذهاننا. فإبليس يشن حرباً غير مرئية على النفس بواسطة الأفكار, لذلك يأمرنا القديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس 17:6"وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ" أي نحمي أفكارنا بخوذة إيماننا بدم المسيح فنحيا الحياة اللائقة بأبناء الله حتى لا تصيبنا سهام إبليس الملتهبة. فحرب التخيلات الفكرية المليئة بالمؤثرات الحسية أصعب بكثير من الحرب ضد الأشياء المادية ذاتها. لذلك إذا أردنا أن نغيّر أفعالنا, فعلينا أولاً أن نغيّر أفكارنا. "ولا تُشُاكِلوا هذا الدّهْر, بل تَغَيَّروا عَنْ شَكلِكُم بتَجْدِيدِ أذهَانِكُم" (رومية 2:12)، فلا شك أن الأفكار الشريرة تزعج البشر وبصفة خاصة المؤمنين منهم, لدرجة أنهم يعيشون في عذاب الصراع الناتج عن تبني بعض الأفكار على حساب أفكار أخرى. ولكن يجب أن نعرف أن هناك فرق كبير بين الاستمتاع بالأفكار الشريرة عن قصد وبين الصراع ضدها, كما لا يغيب عن بال كل منا أنه لا يمكن لأى شخص أن يحرر نفسه بقوته الذاتية, إذ أن الصراع بين الخير والشر لا يقتصر فقط على الذهن, ولكنه صراع واسع بين الروح وبين الخطية الساكنة فينا، فكثيراً ما يخدعنا إبليس ويجعلنا لا نُبالي بخطورة الوقوع تحت سيطرة وسطوة الفكر الشهواني النجس, فنتساهل مع الأفكار التى نستحضرها لإحداث نوع من أنواع الشبع الجنسي الخفي, إذ أننا بهذا لا نؤذي أحداً, أو أن الأمر كله في حيز التفكير وليس التنفيذ الفعلي, غير عالمين أن السلوك المنبثق من الفكر الذي في أذهاننا, سيقودنا حتماً إلى فعل الخطية ذاتها, كما هو مكتوب في رسالة ا يعقوب "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.". لذا فالأمر الذي يجب أن ننتبه إليه هو أن الصراع القائم بين قوى الشر, والمتمثلة في رغبات الجسد والعالم والشيطان, وبين الإنسان, يتم كله في ساحة واحدة, وهى الذهن "العقل". وبما أننا لا نستطع أن نمنع الطيور بأن تحلق في السماء, هكذا الأمر معنا بالنسبة للأفكار, لا نستطع ألا نجعلها تأتي إلينا, بينما نستطيع أن نمنعها أن تسكن في عقولنا, الأمر الذي يجعلها تتأهل للسلوك الفعلي في حياتنا. يعتمد الأمر كله على ما نفعله عندما تأتينا التجربة والمتمثلة في الفكرة النجسة, هل نرحب بها أم نصارعها .. نستسلم لها أم نهاجمها .. تسوقنا هى لفعل ما لا نريده أم نُخضعها نحن إلى إرادة المسيح فينا؟. هناك مقولة مأثورة تقول " الأفكار عملاقة, فهى تدفع بنفسها نحو الوجود الملموس ". لذلك يجب أن نتصدى لفكر الشهوة, عالمين أن الأمر ليس هيّناً أو سهلاً. أخيراً .. من المهم أن نعرف أنه كلما صار عقلنا به مساحات خاوية, أصبح من السهل أن يتبنّى أى فكرة تطرأ عليه دون أى صعوبة, أما إذا كانت عقولنا مليئة بكلمة الله, كقول المزمور 97:119 " كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ! الْيَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي.", هنا تأتي معونة الروح القدس مع إرادتنا في الجهاد وقوة وتأثير كلمة الله, نستطيع عندئذ أن نتغلب على الأفكار النجسة, بل ونستأثر كل فكر إلى طاعة المسيح.
ساحة النقاش