لا شك أن النفوس البشرية تختلف وطبائعها تتباين ، فمنهم من نفسه حقيرة ، ومنهم من نفسه بغيضة ، ومنهم من نفسه دونية ، مثلهم مثل الانعام ، وكذا منهم من نفسه طاهرة نقية نقاء اللؤلوء ، ومنهم من نفسه درية مضيئة تبعث النور فى كل من حولها ومنهم ومنهم ومنهم ...فالنفوس البشرية تختلف وطبائعها تتباين ..
وفى هذا المعنى يقول ابن القيم ..


(( مشهد الحيوانية وقضاء الشهوة

فمشهد الجهال الذين لا فرق
بينهم وبين سائر الحيوان إلا في اعتدال القامة ونطق اللسان ، ليس همهم إلا مجرد نيل الشهوة بأي طريق أفضت إليها ، فهؤلاء نفوسهم نفوس حيوانية لم تترق عنها إلى درجة الإنسانية فضلا عن درجة الملائكة ، فهؤلاء حالهم أخس من أن تذكر وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفلوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها فمنهم


من نفسه كلبية

لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها ، وحماها من سائر الكلاب ، ونبح كل كلب يدنو منها ، فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبة ، ولا يسمح لكلبٍ بشيء منها ، وهمه شبع بطنه من أي طعام اتفق ميتة أو مذكى خبيث أو طيب ، ولا يستحى من قبيح ، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، إن أطعمته بَصْـبَص بذنبه ودار حولك ، وإن منعته هرك ونبحك..


ومنهم من نفسه حمارية

لم تخلق إلا للكدر والعلف كلما زيد في علفه زيد في كده ، أبكم الحيوان وأقله بصيرة ، ولهذا مثـَّل الله سبحانه وتعالى به من حمله كتابه فلم يحمله معرفة ولا فقها ولا عملا ، ومُـثـِّل بالكلب عالم السوء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه ، وفي هذين المثلين أسرار عظيمة ليس هذا موضوع ذكرها


ومنهم من نفسه سبعية غضبية

همته العدوان على الناس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته ، طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه


ومنهم من نفسه فأرية
فاسق بطبعه مفسد لما جاروه تسبيحه بلسان الحال سبحان من خلقه للفساد
ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم والحمات

كالحية والعقرب وغيرهما ، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه ، فيدخل الرجل القبر والجمل القدر والعين وحدها لم تفعل شيئا ، وإنما النفس الخبيثة السمية تكيفت بكيفية غضبية مع شدة حسد وإعجاب ، وقابلت المعين على غرة منه وغفلة وهو أعزل من سلاحه فلدغته كالحية التي تنظر إلى موضع مكشوف من بدن الإنسان فتنهشه فإما عطب وإما أذى ، والذنب لجهل المعين وغفلته وغرته عن حمل سلاحه كل وقت ، فالعائن لا يؤثر في شاكي السلاح كالحية إذا قابلت درعا سابغا على جميع البدن ليس فيه موضع مكشوف ، فحق على من أراد حفظ نفسه وحمايتها أن لا يزال متدرعا متحصنا لابسا أداة الحرب مواظبا على أوراد التعوذات والتحصينات النبوية التي في القرآن والتي في السنة .....


ومن الناس من طبعه طبع خنزير
يمر بالطيبات فلا يلوى عليها ، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوىء فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه ، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله
ومنهم من هو على طبيعة الطاوس
ليس له إلا التطوس والتزين بالريش ، وليس وراء ذلك من شيء
ومنهم من هو على طبيعة الجمل
أحقد الحيوان وأغلظه كبدا
ومنهم من هو على طبيعة الدب
أبكم خبيث وعلى طبيعة القرد
وأحمد طبائع الحيوانات طبائع الخيل

التي هي أشرف الحيوانات نفوسا وأكرمها طبعا وكذلك الغنم
وكل من ألف ضربا من ضورب هذه الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه ، فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى فإن الغاذي شبيه بالمغتذى ، ولهذا حرم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير لما تورث آكلها من شبه نفوسها بها والله أعلم )).


المصدر: المصدر : كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، ج1 ، ص400 ، ط2 ، دار الكتاب العربى – بيروت
hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 32 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2011 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,756,413