لا جدال أن الأطفال هم استمرارية للأبوين، وقد زرع الله حب الأطفال في قلب الأبوين بغرض استمرارية الجنس البشري على وجه الأرض، ولا جدال أيضا في أن كل أب وكل أم يبذلان أقصى ما يمكنهم لإسعاد أبنائهم، كل بطريقته الخاصة وقدر جهده، ولكن ماذا يحدث إن كان أحد الأبوين يعاني مشكلة نفسية أو اجتماعية؟ فواقع مجتمعنا أن الإنسان إذا أصابه ألم في أسنانه ذهب إلى طبيب الأسنان للعلاج، وإذا شعر بوعكة صحية ذهب إلى طبيب الأمراض الباطنية يستفسر ويطمئن، ولكن إذا شعر باضطراب في مزاجه أو تفكيره، فهذه مشكلة يرى كثير من الناس أنها من العوارض المؤقتة، فلا يذهب إلى الطبيب النفسي أو يطلب المساعدة من أي شخص، وربما إن استمر هذا العارض ذهب إلى أحد علماء الدين ليقرأ القرآن له أو عليه أو يستخدم إحدى وسائل الطب الشعبي، فهذه الأمور فعالة أحيانا في الحالات النفسية البسيطة أو المؤقتة، ولكن كثيرا من الأمراض النفسية تستمر رغم ذلك أو تعود بشكل آخر رغم كل شيء، فهي تدمر الإنسان ببطء ومن داخل نفسه دون أعراض جسمانية واضحة أو ظاهرة، فقط أشياء بسيطة كاضطراب النوم أو الرغبة في العزلة والبعد عن الناس أو الخوف دون سبب ظاهر، وتبقى هذه الأم أو هذا الأب يعاني حتى يطلب العلاج من الطبيب المختص. التعلم بالتقليد وكما نعلم أن الطفل يتعلم بالتقليد من والديه كل شيء، فهو يقلدهم في مشيتهم وطريقة الأكل والكلام، وكذلك التفكير والضحك وجميع التصرفات الأخرى، فإن كان أحد الوالدين أو كلاهما يعاني مشكلة نفسية فالطفل سيقلدهم في تصرفاتهم المرضية أيضا، ومن ثم سيعاني الأعراض نفسها، وإن ظهر ذلك على الطفل بالأسلوب نفسه كوالديه أو بأسلوب آخر يناسب مرحلة نموه. فمثلا إن كانت الأم من النوع الحريص على النظام والنظافة في المنزل ولا تسمح للطفل بأي مخالفة لذلك حتى في المساحة المخصصة له من البيت، فقد يصاب بالتبول اللاإرادي احتجاجا على صرامة النظام وقسوة الأم في معاقبته، دون أن يفهم سبب هذا العقاب. وقد يرفض الطفل الذهاب إلى المدرسة بسبب خوفه الشديد وقلقه المستمر من أن يفقد أحد والديه، إذا شعر أن العلاقة بين الأم والأب يسودها جو من التوتر، أو الصمت المشوب بالحذر، أو الهدوء الذي يسبق العاصفة، فيفتعل الطفل العاصفة ويرفض المدرسة أو يثور على أي شيء دون مبرر واضح. وربما نجد الطفل يعامل الآخرين كبارا وصغارا بعنف شديد، فيضربهم أو يحطم لعبه أو أثاث المنزل ربما بسبب غياب الأب لفترات طويلة وافتقاده لوجوده معه، رغم استمرارية وجود الأم مع الطفل، ولكنه يريد أن يطمئن لقوة علاقته بأبيه، ويريد أن يتأكد من متانة علاقة أبيه بأمه. وقد نجد العكس أحيانا فقد يميل الطفل إلى الوحدة والعزلة والهدوء الشديد واللامبالاة، وينفذ ما يطلب منه بسرعة ودقة دون سؤال أو تردد، إذا شعر أن العلاقة بين الوالدين يسودها اللامبالاة والبرود، أو غياب الدفء والتفاعل، فهي علاقة مستمرة شكلا فقط دون محتوى، أو أن أحد الوالدين أو كليهما يحفظ للعلاقة الزوجية شكلها الاجتماعي من أجل تربية الأطفال أو لأسباب أخرى، دون الاستمتاع أو دون أن تكون العلاقة الزوجية مشبعة عاطفيا ونفسيا لأحد الأطراف أو للطرفين معا. الشعور بالآخرين فالطفل قد لا يفهم ما يحدث حوله تماما بسبب عدم نضجه لغويا أو لقلة خبرته مع الآخرين، ولكن الله سبحانه وتعالى عوض الأطفال بصدق الإحساس والمشاعر، فهم يشعرون بالآخرين تماما وإن لم يفهموا الأسباب ولكنهم يعيشون هذه المشاعر وينفعلون بها ويقلدونها. فهل يعني هذا أن الطفل هو ضمير أهله؟ أي أننا إذا شغلتنا مشكلات الحياة عن فهم مشاعرنا، وأردنا أن نعرف حقيقة هذه المشاعر لاحظنا أطفالنا فنجدهم يعيشون مشاعرنا ويقلدونها، دون أن يعرفوا سبب هذه التصرفات؟ إن العكس أحيانا هو الصحيح لأن بعض الآباء (الأمهات) يفترض في ابنه (ابنته) رغبة ما هي في الحقيقة رغبة الأب (الأم)، فيشتري لعبة ما مثلا للطفل (الطفلة) مفترضا أنه يرغب فيها في حين أنه يرغب في لعبة أخرى، وفي الحقيقة أن شراء هذه اللعبة هو رغبة الأب (الأم) لكنه بسبب كبر سنه فإنه يشتريها لابنه (لابنته). فيجب على الآباء (الأمهات) مراقبة أبنائهم لتفهم نفسياتهم، فالطفل بفطرته ضمير أهله، كما يجب مراقبة برامج التلفزيون وسلوك الخدم فربما قلدهم الطفل أيضا لأنه يقضي معظم وقته معهم. كما ينبغي تخصيص وقت للحديث مع الأبناء ومشاركتهم أفكارهم، فنوعية العلاقة بين الآباء وأبنائهم أهم من كمية الوقت الذي تقضونه معهم.
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,770,667
ساحة النقاش