١ - الفكر يخلق الشعور:
أي أن المشاعر وبالتالي السلوك
(التصرفات)
تنبع وتنتج من الاتجاهات الفكرية والقيم والمعتقدات
الأساسية
.
فرؤية الإنسان الخاصة للأحداث هي التي تسبب ردود أفعاله الانفعالية وسلوآياته الخارجية، وليست
الأحداث في حد ذاتها
. آما يقول الفيلسوف الروماني إيبكتيتس: "
إن ما يجعل عقول الناس تضطرب ليس
الأحداث وإنما حكمهم علي الأحداث
."
عام ١٠٠ م
تمر خلال فتحدث
(
أ ) ( ب ) ( ج )
حيث
( أ )
هي الأحداث
(
ب )ب )
منظومة التفكير
(
ج )ج )
المشاعر والاستجابات
٣٤
) تغير الاستجابة العاطفية (ج) السريع لدى السيد من التحنن ، ٢٧ : * مثل آتابي: قصة المديونان (
مت ١٨
إلى الغضب لتفكير السيد الذي اختلف من جهة العبد
.
وبالتالي فإن الحالة المزاجية تعتمد علي الفكر، وعلي ما يقوله الإنسان لنفسه شعورياً ولا شعورياً، ولذا يقول
٨
) لأن ما نفكر : الرسول بولس: "آل ما هو حق آل ما هو جليل آل ما هو عادل … في هذه افتكروا" (
في ٤
فيه يؤثر على ما سوف نشعر به وما سوف بالتالي نفعله
.
إذن فسعادة الإنسان تتوقف علي أفكاره وشقاء الإنسان أيضاً يتوقف على أفكاره
.
آما قال حقاً بليز باسكال
"
إن مجد الإنسان في عقله وشقاء الإنسان أيضاً في عقله."
وهذه الحالة المزاجية تتحكم في آمية الطاقة النفسية التي يمتلكها الإنسان للحياة
.
أي أنني عندما أشعر بالتعاسة
والاآتئاب لا أجد أي طاقة للحياة والتحرك والإنجاز، مما يؤثر حتى علي طاقتي الجسمية وسلوآي وتصرفاتي
.
٢
- العملية اللفظية (الجمل والكلمات) والعبارات الذاتية تؤثر علي المشاعر والسلوك:
نحن نفكر ونضع تفكيرنا في جمل وعبارات لفظية، غالباً أوتوماتيكية، نقولها لأنفسنا
.
ونجد العديد من
الشواهد التي تعبر عن ذلك في أحاديث داود إلي نفسه في سفر المزامير
.
وحديث الإنسان الذاتي عن نفسه
– سواء آان واعياً به أو غير واعياً –
يؤثر ويغير في مشاعره وسلوآه سلبياً
أو إيجابياً حسب نوع هذا الحديث وأسلوبه
(ليس المحتوى فقط بل الشكل أيضاً ، آالسخرية مثلاً
)
(
٧ : "لأنه آما شعر (فكر) في قلبه هكذا هو" (
أم ٢٣
مثال
: شخص أخفق في الحديث أمام الناس من قبل، يقول لنفسه:
"
هه، مفيش فايدة، ( ١) عمري ما هأعرف أتكلم، لو إتكلمت قصاد الناس أآيد ( ٢) آلهم هيضحكوا عليّ. وفعلاً
هو ده اللي حصل لما القسيس
( ٥) قال أنه يفضل إني أمسك شغل الكمبيوتر بتاع المؤتمر أحسن! أنا عارف
٦
) هم مش عايزيني أآون معاهم بعد آده في الاجتماع ده" )
فالإحساس بالفشل لدى هذا الشخص اليوم لا ينبع من فشله في الماضي بل مما قاله لنفسه عن فشله في
الماضي
.
لكي نتغير لابد وأن يتغير حديثنا الذاتي من عبارات هدامة هلامية خاطئة إلي عبارات
دقيقة ومنطقية، خالصة
من أخطاء التفكير الستة التي تكلم عنها آل من إليس و أرون بك
(الرائد الثاني للعلاج المعرفي) والتي نرى
أمثلة لبعض منهم في الحديث الذاتي السابق، وهم
:
١
- المبالغة (التضخيم/ التقليل).
٢
- التعميم والعنونة.
٣
- حتمية اللوازم/ الاستحالات.
٤
- جمود التفكير (التفكير ثنائي القطب "إما .. أو"، "أبيض أو أسود" – المطالبة الآمرة – المطلقية – التفظيع -
التفكير السلبي
"استبقاء آل ما هو سلبي وحذف آل ما هو إيجابي").
٥
- سوء التفسير، قراءة فكر الآخر.
٦
- القفز إلى الأحكام والخلاصة السريعة، والحكم السلبي على المستقبل.
مثال آخر
:
تقول
(ص) بعد أن قال لها صديقها، الذي آانت على علاقة به، أنه يحترمها جداً ولكنه لن يستطيع أن يرتبط
بها وأنها فقط ليست الشخص المناسب له، تقول
:
"
مفيش فايدة، مش هأقدر أعيش من غيره ( ١) .. عمري ما هلاقي حد ثاني يحبني ( ٦).. مش ممكن يسيبني
آده
! هو لازم يرجع لي ( ٣). لو مرجعليش أنا هأموت ( ٤) .. هأنتحر. مش قادرة أتصور إني ممكن اعيش من
.(
غيره .. استحالة ( ٣)، دي تبقى نهاية حياتي ( ١
أنا عارفة إنه بيحبني
.. هو بس زعلان شوية من مكالمة إمبارح.
"(
مفيش فايدة، أنا عارفة إني وحشة ومفيش حد ممكن يحبني( ٢). أنا عارفة إن آل الناس( ٢) بيكرهوني ( ٦
أشياء تساعد الإنسان علي اآتشاف حديثه الذاتي
:
الخلو إلي النفس والتفكير الهادئ في الذات
– آتابة المذآرات – التحدث مع صديق مخلص أو مشير آفء.
وملاحظة الإنسان لتفكيره، أمور تؤثر علي التصرف وتغيير ،
(Insight ٣- الوعي والفهم (الإستبصار
السلوك
:
الإنسان لديه القدرة علي التفكير بطريقة
تراآمية تصعيدية (يفكر فيما يفكر فيه، ثم يفكر في تفكيره فيما فكر
فيه، وهكذا
).
مثال
: بعد موقف قاس متكرر لم تستطع أن تعبر فيه عن نفسها، تتأفف (س) قائلة لنفسها:
١
- "مفيش فايدة، مش هأقدر أتكلم، والموضوع هيعدي زي آل مرة. أف" وهذه العبارة هي فكرة اآتئابية تقولها
(
س) لنفسها.
٢
- ثم تنظر (س) إلى ما قالته لنفسها حالاً وتفكر فيه قائلة لنفسها:
"
ها أنا أفكر بسلبية (أستسلم للسلبية) مرة أخرى"
٣
- فتكتئب أآثر وتقول لنفسها:
"
طبعاً دلوقت هأروح مكتئبة، وأقعد لي بقى يومين في الاآتئاب والقرف ده."
وهنا نرى أن
(س) تكتئب أآثر حين تفكر في تفكيرها السلبي هذا، وليس في فكرتها الاآتئابية الأولى.
٤
- فتستأنف (س)، حين تنظر إلى اآتئابها التراآمي هذا، قائلة لنفسها:
"
ديه حاجة تزهق، آل مرة نفس القصة (تقصد – دون أن تعي- تصاعد اآتئابها وتملكه منها)، أنا قرفت من
نفسي
"
-
وحين تنظر (س) إلى فكرتها الرابعة مرآبة الاآتئاب هذه، تكتئب أآثر وهكذا.
وهنا نرى أن ازدياد الوعي عند الإنسان بما يدور داخله يصنع اعتراضاً لتصعيد عملية التفكير السلبية التي
تحدث داخله مما يغير السلوك
. ودون هذا الاعتراض يستمر التفكير السلبي في عمليته التصاعدية.
مثال
: لو لاحظت (س) "وقفشت" نفسها وهي تكرر العبارات السلبية عن نفسها بعد أن فهمت (وهذا هو الوعي
الجديد
) خطأ تفكيرها هذا، فإن إمساآها لنفسها هنا يوقف الطريق أمام عملية تصعيد التفكير السلبي وازدياده.
وهنا يضيف إليس شيئاً جديداً هاماً؛ وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يحتفظ
بفكرتين متناقضتين بداخله في ذات
الوقت، إذا
وعي لهما بوضوح، فإذا وصل إلينا وعي بفكرة صحيحة مضادة لفكرة خاطئة بداخلنا يحدث صراع
داخلي يجعلنا نضطر أن نختار الاحتفاظ بواحدة ورفض الأخرى لفض الصراع الداخلي والتخلص من التوتر
الناشئ عنه
. وربما هذا ما يشرح لنا صعوبة عملية التغيير ولماذا لا يستطيع أن يلتزم بها الكثيرين، وهو ما
أيضاً ما يشرح سطحية أسلوب
"قوة التفكير الإيجابي" وعجزه عن إجراء التغيير.
وهذا نرى تطبيق آخر في صميم تجديد الذهن الذي يقود إلي النمو والتغير عن طريق رفض
"خلع" القديم
واعتناق
"لبس" الجديد، هذا إذا قبل الإنسان تبني الجديد. لأنه من الممكن أن يرفض الإنسان الجديد "الصحيح"
لعدم قدرته على تحمل صعوبته، فيضحي به
(يسقطه) لفض الصراع الداخلي وإنهاء حالة التوتر (يريح
دماغه
).
وهنا نرى أهمية التنبير الشديد علي القراءة والدراسة
"سواء في الكتاب المقدس أو في أي آتب أخرى نافعة"،
فالدراسة والمشورة يلعبان دوراً أساسياً في الوعي والاستبصار
.
وبالطبع لابد أن ندرك أن عملية الوعي والتغير
"رفض القديم وتبني الجديد" لا يكفي حدوثها مرة واحدة، بل
لابد من تكرارها لمواجهة الاعتياد السلبي
"سواء في الفكر أو في السلوك" الذي قد تكون لسنوات، وتشكيل
حصار متكرر عليه من عدة جهات، وهذا يعني استمرار ممارسة التغير عن طريق الفهم والاستبصار، فإنهاء
الاعتياد أو آسر العادة لا يأتي إلا ببناء عادة بديلة
.
٤
- التصور والتخيل، والتوقع يؤثروا في المشاعر والسلوك سواء للأفضل أو للأسوأ:
التصور والتخيل هما إحدى خصائص الفكر وليس المشاعر، ولهم نفس تأثير الجمل الذاتية في اضطراب
الإنسان واتزانه
. فالتخيل هو أسلوب تفكير ولكن غير لفظي.
مثال
: عندما يتخيل أو يتوقع إنسان ما وهو في البيت أنه عند ذهابه للعمل في اليوم التالي سوف يسخر منه
زملاؤه، بسبب موقف خاطئ ساذج يدعو للسخرية بدر منه بالأمس، ومن ثم يتصورهم وهم يتبادلون الهمسات
ويطلقون النكات عليه، فلابد وأن تكون مشاعره وتصرفاته بالتالي سلبية علي ضوء هذا التخيل أو التوقع.
والعكس صحيح: فعندما يتخيل هذا الشخص نفسه ذاهباً للعمل في اليوم التالي بابتسامة وثقة، ويتصور نفسه
يضحك مع زملاؤه علي غرابة ما حدث منه من خطأ في العمل، فلابد وأن تكون مشاعره وبالتالي تصرفاته
أآثر إيجابية علي ضوء هذا التخيل.
أيضاً يضيف إليس قائلاً إن الناس يغيروا من أفكارهم ومشاعرهم وتصرفاتهم بحسب
تخيلهم وتوقعهم لما
يريده منهم الآخرون رغبة في إرضاء الآخرين وتوفيه ما قد جعلوا منه مطالب لهؤلاء الآخرين ولو علي
حساب رغباتهم الخاصة أو حتى إلي درجة تشويه وتزييف الحقائق وذلك من أجل الحصول علي الانسجام
والتوافق مع الآخرين.
ويتحكم في العمليات الفسيولوجية ووظائف
Bio-feed back ٥- الفكر يؤثر علي الإرتداد/ العائد البيولوجي
الأعضاء
:
مثل: عمل عضلة القلب، سرعة التنفس، معدل النبض، الإثارة الجنسية، التغيرات الكيميائية للجلد، الإحساس
بالألم، والعديد من الوظائف اللاإرادية للجهاز العصبي المرآزي والطرفي "غير المرآزي"، مما يولد العديد
من الأمراض النفسجسمية نتيجة للتفكير الإآتئابي والتفكير القلق "آأشهر أمثلة للتفكير السيئ".
٦
-إن آماً آبيراً من الاضطراب النفسي ينشأ لدى الإنسان من العزو "الإنساب" الخاطئ لمشاعره وسلوآه
لعوامل خارجية
"الناس – الأحداث":
وذلك بناء علي الاعتقادات الخاطئة لدى الإنسان بأن سعادته سوف تتحقق بناء علي إمداد خارجي
"حب شخص
آخر له، إنجاز ما يفعله، شئ يحصل عليه،
.."
ومن الاعتقاد الخاطئ بأن زمام التحكم في قراراته وتصرفاته ليس في يديه بل في أيدي الأحداث والظروف
الخارجية وتصرفات الآخرين
. وعليه فإن سعادته ليست في يديه بل في يد عوامل خارجية.
وهنا يجدر بنا الاستماع إلى القديس أغسطينوس حين يقول في اعترافاته الشهيرة
:
"
ليست خيراتي (سعادتي) خارجية عني ولست أبحث عنها تحت هذه الشمس بعينين جسديتين، الذين يزعمون
أن باستطاعتهم أن يجدوا غبطتهم
(سرورهم) خارجاً عنهم، يسيرون بسهولة نحو الفناء ويضيعون في المرئيات
التي لا تلمس منها أفكارهم المتضورة جوعاً سوى الصور
."
وهو نفس ما يقوله القديس توما الكمبيسي وهو يحدث الإنسان على لسان الله قائلاً
: "ولن يدوم لك سلام تستمده
مما حولك، ما لم تؤسسه على استعدادات قلبك، أي ما لم تثبت فيّ، فقد تغير مكانك لكنك لن تحسن حالك
."
(
٢٧ : (الاقتداء بالمسيح ٣
أيضاً يقول لنا بسكال
: "السعادة لا توجد في ذواتنا ولا في الأشياء الخارجية، بل في الله وفي أنفسنا آمتحدين
به
."
وفي التقديم لرسالة فيلبي
(رسالة الفرح) التي آتبها بولس وهو معتقل في روما يقول لنا المعلق في التفسير
التطبيقي
: "تثير آلمة (سعادة) في نفسي ذآريات فتح الهدايا صبيحة عيد الميلاد، أو السير يداً بيد حبيب، أو
تلقي مفاجأة طيبة في عيد ميلادك، أو الاستجابة بضحكة مجلجلة لمشهد آوميدي، أو قضاء عطلة في مكان
جميل ساحر
. وآل إنسان ينشد السعادة فكل حياتنا هي جرى وراء هذا الهدف المراوغ، فنصرف الأموال،
ونقتني أشياء، ونسعى إلي اختبارات جديدة
. ولكن إن آانت السعادة تتوقف علي ظروفنا، فماذا يحدث عندما
تصدأ لعباتنا، ويموت أحبائنا، وتضعف صحتنا، وتسرق أموالنا، وتتفرق جماعاتنا؟ تطير السعادة ويخيم اليأس
.
يمكننا أن نستمتع بالفرح حتى في وسط الصعاب، والفرح لا يأتي من الظروف الخارجية، بل من القوة
الداخلية، وعلينا آمسيحيين أن لا نعتمد علي مالنا، أو علي خبراتنا، للحصول علي الفرح بل علي المسيح فينا
"
:(
٣١-٢٩ : آما يقول جون ويسلي في تعليقه على ( ١آو ٧
"
الذين يستعملون هذا العالم آأنهم لا يستعملونه (لا يسيئون استخدامه)، أي لا يجدون السعادة فيه، بل في الله.
يستخدمون آل شئ فيه، بهذه الطريقة والدرجة التي تتجه إلى معرفة ومحبة الله
.. ولأن هيئة هذا العالم: هذا
الزواج
.. هذا البكاء .. هذا الفرح وآل الأشياء الأخرى، ليست "سوف تزول"، بل تزول. ففي هذه اللحظة
( (
التي نسئ فيها استخدام العالم والأشياء الخارجية) تفر من أيدينا آالظل الزائل. ( ٢
٧
- الناس يملكون اختيار التغير:
حتى وإن لم تكن حرية الاختيار
/ الإرادة خالصة أو مطلقة ١٠٠ % للإنسان، إلا أنها آافية جداً لكي يختار
إذاً يستطيع
.Locus of control الإنسان أفعاله وتصرفاته ويصنع اختياراته ويوظف آل طاقاته تجاه ما يختار
الإنسان أن
يختار أفكاره وبالتالي مشاعره، أي أنه "بكلمات أخرى" يختار الاضطراب النفسي أو التخلص منه.
وهذا تماماً ما رأيناه في فيكتور فرانكل حين اختار أن لا ينهي حياته بيده بل أن يتمسك بها حتى وهو في
المعتقل النازي، فهذا الاختيار منه جعله داخلياً أآثر حرية ربما من سجانيه
.
يقتبس إليس من بروفسور علم النفس بجامعة ستانفورد فيليب زيمباردو
( ١٩٧٣ )، و الذي يقول:
"
حينما يوافق الناس علي لعب دور السجين لدى شخص آخر، فهم آثيراً ما يحدوا أنفسهم بطريقة غير
صحيحة
. ففي المواقف الاختيارية، آالزواج، الكثيرون منا يختاروا أن يبقوا مساجين، إذ أن السلبية والإعتمادية
تعفينا من الاحتياج إلي التصرف بطريقة نكون فيها مسئولون عن أفعالنا
".
إذاً نحن نفقد حريتنا بإرادتنا ونتنازل عنها حينما نجعل حياتنا موقوفة علي شخص أو شئ آخر
(سوى الله).
وهذا في حد ذاته معتقد فكرى خاطئ
(وهو ما تكلمنا عنه في الفرض السابق) يجعل أفكارنا ومشاعرنا وبالتالي
قراراتنا أقل حرية
(تفتقر لحرية الاختيار) حين تكون مرهونة بشيء يفعله شخص آخر لي (يأتي من خارجي)
حتى وإن آان الحب
. فالزواج – آما استخدمه زيمباردو آمثال هنا – مؤسس علي العطاء وليس المطالبة
والأخذ، وحين نوقف حياتنا علي شئ لابد أن يأتي لنا من الطرف الآخر فإننا نحبس أنفسنا ونقلص حريتنا
بإرادتنا، آأن تقول الزوجة عن زوجها
: "هو لازم يحبني علشان أبقى سعيدة"، وهنا نرى الخطأ الفكري الثالث
الذي تحدث عنه ألبرت إليس سابقاً وهو
"حتمية اللوازم"، فهنا نرى هذه الزوجة تقلص حريتها بيديها حينما
تربط سعادتها وسلامها الداخلي وتعلقهما على حب زوجها لها الذي للأسف قد يتغير، فتسجن حياتها لدى أمر
خارجي ليس في يدها
– حتى وإن آان من حقها، وتجعل منه حتمية للشعور بالسلام الداخلي.
بالطبع من السيء جداً أن يفقد الشخص حب شريك حياته له، الذي هو أمر مشروع جداً
. ولكن، ماذا إذا
تصرف الآخر بأنانية وسلبني هذا الاحتياج المشروع، هل أستطيع أن أجبره على تغيير موقفه بالقوة؟
! أم هل
محكوم علىّ بفقدان سلامي وسعادتي الداخليين لفقدي هذا الاحتياج إذا آانت سعادتي وسلامي معلقين على هذا
الاحتياج؟
! بالطبع لا هذا ولا ذاك، فالإنسان يملك حرية التغيير إذا آان سلامه وسعادته مرهونين باختياراته
الداخلية هو فقط، مهما إن آانت الظروف الخارجية، آما قلنا سابقاً
. إذن آيف يتغير؟ بأن يختار أفكاره آما قال
لنا إليس
. آأن تقول هذه الزوجة لنفسها عند نهاية المطاف: "من السيئ جداً والمؤلم أن يتغير حب زوجي لي،
ولكن
هذا لا يعني أن أفقد إحساسي بالقيمة وبالسلام في داخلي .. أنا لازلت إنسانة قادرة على الحياة وعلى
العطاء
."
(
٣٣ : "مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم ١٦
٨
- الإنسان لديه ميل فطرى ومكتسب للتفكير بغير منطقية وغير عقلانية:
فالإنسان بطبيعته لديه الميل لوضع قيم ومعتقدات أساسية لنفسه
(منها المنطقي و منها غير المنطقي)، ومن ثم
يتصرف بحسبها تصرفات منطقية وغير منطقية
. فإذا استطعنا أن نغير تفكيرنا اللامنطقي أنتجنا تغيراً في
حياتنا وفي سلوآنا
.
أمثلة شائعة لبعض أنماط التفكير الخاطئة
(اللامنطقية)، والتي تعبر عن قيم ومعتقدات فكرية مغلوطة يحتفظ بها
الإنسان في داخله
.
-
"لابد أن يحبني ويرضى عني الناس لكي أشعر بالراحة/السلام الداخلي."
القيمة الورائية
: "لا يوجد سلام ثابت في داخلي"
-
"إن آنت مؤمناً جيداً فلن أشعر بالألم أو الحزن أبداً."
المعتقد الورائي
: "المؤمنون لا يعانون/ الإيمان يعفي من الألم"
-
"إذا توقفت عن الأنشطة الخارجية (الخدمة/ الإنجاز) فهذا يعني أنه ليس لحياتي قيمة."
القيمة الورائية
: "لا يوجد قيمة ثابتة في داخلي، القيمة هي في ما أقوم به من أشياء"
-
"لا أستطيع أن أفعل شئ في مشكلتي، فظروفي لن تتغير."
المعتقد الورائي
: "حياتي أسيرة الظروف الخارجية، أنا غير مسئول"
-
"يجب تجنب المشاآل لكي أعيش في سلام."
القيمة الورائية
: "أنا خائف وغير متيقن من هويتي"
-
"الزواج سوف يسدد احتياجي العاطفي."
القيمة الورائية
: "أنا غير مشبع داخلياً"
-
"ما قد تشكلت عليه شخصيتي لا يمكن تغييره."
المعتقد الورائي
: "أنا ضحية ولا أملك القدرة على التغير"
-
"لابد أن أجد الحل الكامل/المشبع لمشكلتي."
المعتقد الورائي
: "هناك حل آامل، نموذجي ومشبع لكل مشكلة في الحياة"
-
"لابد أن أفهم آل شئ لكي أرتاح."
المعتقد الورائي
: "آل شئ في الحياة قابل للفهم والتفسير"
-
"لابد أن أحصل على ما أريده لكي أرتاح /
الحياة مع المسيح لابد أن تكون سهلة ومريحة
."
القيمة
/ المعتقد الورائي: "أنا هو محور الحياة"
-
"لابد أن شيئاً يحدث لي لكي أتغير."
القيمة الورائية
: "أنا عاجز ومسير ولا أملك زمام حياتي، مفعول به ولست فاعلاً
" إن العلة الأولي الكبرى لأخطائنا هي الأحكام المبتسِرة (القاصرة) التي اتخذناها في مقتبل
عمرنا
. وبدلاً من أن نسلم بأن هذه الأحكام قد انعقدت في أذهاننا حين آنا عاجزين عن
الإصابة في الحكم، وأنها تبعاً لذلك يمكن أن تكون أقرب إلي الزيف منها إلي الحق،
(
تلقيناها علي أنها يقينية." ( ٣) (رينيه ديكارت ١٦٤٤
من أوضح وأهم سمات الشخص الناضج هي القدرة على التفكير الصحيح أو السليم، والتفكير السليم هو التفكير
الذي يستند على المنطق وعلى العقل، ويتسم بالخواص التالية
:
-
القدرة على التحليل والتجريد والاستنتاج والفهم الصحيح للأمور.
-
القدرة على التقدير والتقييم والحكم على الأمور بطريقة سليمة.
-
القدرة على ضبط النفس واتخاذ الاختيارات السليمة.
والتفكير الصحيح من شأنه أن يمكن الإنسان من أن يرى الأمور آما هي حقيقة دون تشويه أو تحريف لها، مما
يؤهله للتعلم والتغير والنمو واتخاذ القرارات الصائبة المطلوبة لذلك
. ولذلك فالتفكير الصحيح يعتبر من
الدلالات القاطعة والقياسية في ذات الوقت لنضج الإنسان
.
٩
- الإنسان لديه ميل فطرى ومكتسب لتقييم الذات (وليس الأداء)، ومقارنة الذات بالآخرين، بطريقة غير
منطقية
:
وهذا التقييم بالطبع يؤثر في المشاعر والسلوك بطريقة تحدث اضطراباً نفسياً
. وعندما يكتشف الإنسان أنه
low self-
تصرف بطريقة سيئة فإنه يقيم ذاته فوراً ويلعن ويلوم نفسه ويدينها مباشرة بطريقة تحط من شأنه
وهذا يجعلنا نهرب من أنفسنا فيما يسمي بالدفاعات والحيل النفسية
. .esteem
مثلاً
: إخفاق شخص في مهمة آان من المفترض أن يقوم بها، مما تسبب له في خسارة ما. في هذا الإخفاق غالباً
ما نرى الشخص علي الفور يلعن نفسه ويدينها ويقيم ذاته علي أنه فاشل وأنه إنسان غبي وبلا فائدة، أو أي من
مثل هذه الصفات السلبية، بدلاً من تقييم الموقف، مما يؤدي إلى اضطراب المشاعر والسلوك بدلاً من التعلم
والنمو
.
١٠
- الإنسان لديه ميل فطرى ومكتسب لأن يكون لديه درجة تحمل منخفضة للإحباط:
أن
يختار الإنسان القيام بالأشياء التي تبدو أيسر والتي تأتي بعائد خادع ولكن مُسر علي المدى القريب بالرغم
من أنها غالباً ما تأتي بنتائج سيئة علي المدى البعيد، وفي المقابل
يؤجل بل ويتجنب المسالك التي تأتي إليه
بعائد أعظم علي المدى البعيد
. وهذا هو فساد الإنسان وعدم عقلانيته.
وهنا يتفق إليس تماماً مع فكر بولس الرسول حين يقول
: "لأن خفة ضيقتنا الوقتية (العابرة/ قصيرة المدى)
تنشئ لنا أآثر فأآثر ثقل مجد
أبدياً (بعيد المدى). ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى. بل إلى التي لا
١٨،١٧ )، وأيضاً مع فكر آاتب العبرانيين في : ترى. لأن التي ترى
وقتية، وأما التي لا ترى فأبدية" ( ٢آو ٤
قوله عن موسى: "مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع
وقتي بالخطية حاسباً عار
٢٦ ). ولنستمع هنا إلى تعليق ،٢٥ : المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه آان ينظر إلى
المجازاة (عب ١١
التفسير التطبيقي على تلك الآيات من العبرانيين حين يقول:
"إنه
من السهل أن ينخدع الإنسان بالمنافع الوقتية للثروة والشهرة والمرآز والجاه والنجاح والإنجازات، وأن
تُعمى عيناه عن المزايا
طويلة المدى والدائمة لملكوت الله."
.(٣٣ ،٣٢ : أيضاً اقرأ تعليق التفسير التطبيقي على (تك ٢٥
وهذا مثال آخر من نفس الرسالة إلى العبرانيين: "في
اللحظة الحاضرة يبدو آل تهذيب (تأديب) مؤلم وليس
(
RSV ١٣ من ترجمة -١١ : مُسر، ولكنه فيما بعد يحقق ثمر البر للسلام للذين يتدربون به." (عب ١٢
وياله من تشابه آبير مع فكر إليس، إذ يقول أن:
ولا
Self Gratification - الناس يستسلمون سريعاً ويذهبون إلي إرضاء وإبهاج وتهنين الذات الفوري
يستطيعوا تأجيل إشباع رغباتهم.
-
الإنسان الطبيعي يريد نتائج طيبة دون بذل المجهود، وهو لا يريد أن يقبل بأنه لا يوجد عائد طيب وحقيقي
دون بذل مجهود ودفع ثمن
.
وهو ما أثبتته تجربة قطعة الحلوى ومبدأ تأجيل اللذة لميشيل و والتر
.
:(
١٨،١٧ : يقول التفسير التطبيقي أيضاً في تعليقه على ( ٢آو ٤
"
وعندما نواجه متاعب من السهل أن نرآز أنظارنا على الألم أآثر مما على الهدف النهائي، ولكن آما أن
الرياضيين في ميدان السباق يرآزون على خط النهاية متجاهلين آل متاعبهم، هكذا علينا نحن أن نرآز
أبصارنا على مكافأة إيماننا والفرح الذي يدوم إلى الأبد
."
والإنسان المسيحي أحياناً آثيرة ما
يفسر النعمة بحسب ميله الفطري غير العقلاني هذا الذي تحدثنا عنه؛ حيث
يفسرها على أنه لا يحتاج أن يفعل شيئاً لينهل من النعمة
(وسائط النعمة) ولكن النعمة هي التي سوف تحل عليه
وهو خامل لا يفعل شيئاً، وتغير من حياته وهيئته وتقوده للنضوج والنمو بطريقة سحرية دون أن يقوم هو بأي
(
دور أو يدفع أي ثمن. وهو ما يسميه ديتريك بونهوفر بالنعمة الرخيصة "غير المكلفة" ( ٤
ما هي أول وأهم وسائط النعمة؟ دراسة الكتاب والصلاة، آم من وقت وجهد نعطيه لهاتان الواسطتان؟
!
١١
- طريقة استقبال الإهانة والإحساس بالإهانة يتسببا فى تغيير السلوك:
الإنسان يميل إلى استقبال الإهانة
/ الإساءة من الآخرين على أنها شئ يحط من شأنه ومن قدره، أآثر من أنها
تصرف خاطئ
(سيئ) من الآخرين ولا يعنى بالضرورة إهانة وإقلال من قدره. ولذا فأن الإنسان يصاب
بالاضطراب نتيجة طريقة استقباله هذه للإهانة أآثر من الأذى الفعلي الذي أحدثه الآخرين
.
يقول إليس أن الإهانة التي نتلقاها من الآخرين لا تجرحنا فعلياً إلا إذا أخذناها بجدية
(شدة) أآثر من اللازم
فحتى إذا قصد الآخرون إيذاءنا عن عمد فإن تصرفهم الخاطئ هذا يُعد أمراً متناسباً مع طبيعة الإنسان الخاطئة
ونحن عندما نرفض ولا نقبل إمكانية خطأ الآخرين في حقنا
(آيف يفعل هذا بي؟؟!!) فإننا Fallible والساقطة
نجني اضطرابا نفسياً أآثر مما تسببه إساءتهم الفعلية لنا
. ولذا فإنه عن طريق التسليم أو الإقلاع عن المطالبة
غير المنطقية بأن يكون الآخرين عادلين في تعاملهم معنا، أو أن يعطينا العالم ما نريده ، فعندئذ نتمكن من
التخلص من اضطرابات نفسية آثيرة
.
(
ملحق: للاستزادة في هذا الأمر يمكن الرجوع إلى مقالة "الغفران")
١٢
- تحول الانتباه (الاهتمام) أمر ذو قيمة علاجية للإنسان:
لان الإنسان يميل إلى أن يضع ترآيزه على شئ وأحد في الوقت الواحد، فهنا يأتي دور تحويل الانتباه أو
الترآيز
. فإذا حولنا ترآيزنا من أن ينصب حول مجموعة الأفكار المضطربة (مثل بشاعة الفشل والرفض) إلى
أحداث أو أفكار أخرى غير مضطربة
(مثل التأمل في قراءة ما، أو التفكير في عمل ما، أو مساعدة شخص ما)
يمكننا عندئذ أن نحصد تغيراً في مشاعرنا وتصرفاتنا ولو حتى بصفة مؤقتة
. فقد تقصا "ميشيل و والتر"
١٩٧٣
) قدرة الأطفال على تأجيل اللذة في تجربة الحلوى، ووجدا أنها تتوقف على ما إذا آان الترآيز منصباً )
حول فكرة المكافأة بطريقة مجردة، أم حول نوع المكافأة نفسها
(الحلوى) مما يجعلهم يحبطون ويبخسون
بقدرتهم على ضبط النفس
.
ساحة النقاش