للألوان تأثير مزاجي وانفعالي فاعل في حياة الناس. فمنهاما نرتاح لرؤيته إذ يبعث فينا السرور والرضي، ومنها ما يثير فينا الحزن
والخمول والقلق. ويعود ذلك إلى فسيولوجية الجهاز العصبي من جهة، وإلىمزاج الفرد وخبراته الحياتية التي تربط تلك الألوان بعواطف
معينة من جهةأخرى.
التأريخ النفسي للألوان
اللون هو وسيلة تعبير عن القيم الشكلية، والمعاني النفسية، والنواحيالجمالية المحضة، عن طريق التوافق وتحقيق التناغم وعلى وفق
قانون نفسي– جمالي من الصعب تحديده والتيقن من حتمية آلياته على الدوام. ومع ذلك فكللون اكتسب مدلولات نفسية محددة إلى حد ما
عبر التأريخ الطويل للإنسان. فمثلاً اللونالأبيضيرمز إلى النظافة والنور والغبطة والفرح والسلام. وكلمة (أبيض) في اليونانية تعني
السعادة والمرح. وهو شعار رجال الدين، إذ لا نزال حتىيومنا هذا نشاهد الشيوخ والرهبان والمتصوفة يرتدون الألبسةالبيض. أما اللون
الأسود فهو رمز الظلام والحزن والكآبة والفراق، وكان شعارَالعباسيين في أحزانهم ومصائبهم، واستعمله الرومان واليابانيون والصينيون
في كثير من الزخارف والرسوم. ويمثل اللونالأصفرالضوء، ولو إنه أقل منه نصاعة وبهاء، ويرمز إلى الشمس والذهب، واستخدم في
زخرفة الكثير من المساجد والكنائس، إلا إنه قد يكون رمزاُ للغش والخداع فيبعض الأحيان. وربما كانت الأمثلة الدارجة بين الناس
(الضحكة الصفراءوالأصفر الوجه) مشتقة من تلك المعاني. وللونالأصفرتأثير في الغدة الكظرية والكبد، على أنه كان يعد أيضاً اللون
الملكي في الصين وشعار اله الربيع عند قدماء الألمان. ويشتهر اللونالأحمربكونه رمز العواطف الجياشة والحب الشديد والقوة والنشاط
ورمزاً للنارالمشتعلة، وقد يدل أحياناً على الغضب والقسوة والخطر، وله تأثير مثير للمخوالنخاع الشوكي. وللونالأحمرخصوصية
متميزة، إذ يعد أول لون استعمله الصينيون واليابانيون في زخارفهم، وكاناسمه أول الأسماء في التأريخ، كما يوجد في أعلام الكثير من
الدول. أمااللونالأزرقفيشير إلى الصداقة والحكمةوالخلود، ويعمل منبهاً للغدة الصنوبرية، واستعمله العرب في الوشم، وهوواسع
التداول في اللوحات التي تمثل المناظر الطبيعية وفي الأواني الصينية. ويجمع اللونالبنفسجيبين الحب والحكمة لأنه في الواقع مزيج من
الأحمروالأزرق. واستعمله بعضهم في مناسبات الحزن الهادئ لأنه أخف من اللون الأسود، ولكنه يزداد جمالاً إذا ما أحيط باللونالأبيض، لا
سيما إذا أضيفت لهما بعض الخطوط منالأزرقوالأصفر. أما اللونالأخضرفهو رمز النمو والأمل والحياة والخصوبة والنبل، فضلاً عن
كونه منبهاً للغدة النخامية. ولا يزال بعض الأسبان يضعون شاراتخضراًعلى قبعاتهم دلالة على الشرف، وارثين هذه العادة من العرب.
وللون الأخضرميزة لا تجدها في بقية الألوان، وهي أنه يتوافق مع أغلب الألوان ولا يتنافر معها.
تأثير اللون في فسيولوجية الإنسان
ابتكر فريق من العلماء أجهزة ووسائل يمكن من خلالها تسجيل جميع الانعكاساتالتي تصدر عن الإنسان نفسياً أو جسمياً تحت تأثير
الألوان. فتبين أنللألوان حسب أنواعها، تأثيرات في الإنسان تتمثل في تسارع ضربات القلب،وتناوب حركات الجفون فتحاً وإغماضاً،
وازدياد قابلية الكف لتوصيل الحرارةوالكهرباء بازدياد رطوبتها وإفرازها العرق، واختلاف في حركات التنفس،واختلاف في الرسوم
البيانية التي تسجل نشاط الدماغ.
أما العلاج بالألوان فأصبح وسيلة من وسائل العلاج النفسي والجسمي، إذاكتشف العلماء وجود مجال كهرومغناطيسي حول كل كائن حي،
يعمل على امتصاصالضوء وتحليله إلى ألوان الطيف التي تبدأبالأحمروتنتهيبالبنفسجي. ووجد أيضاً أن أنسجة الجسم المختلفة تأخذ من
طاقة هذا الطيف حاجتها، ممايؤدي إلى صحتها وتعزيز قدرتها على أدائها البيولوجي. وهذا يعني أن هناكحاجة بيولوجية للأنسجة من
الألوان، فإذا ما غابت أو نقصت تعرض هذا النسيجللضعف والمرض والاضطراب. وقد استخدمت هذه الحقائق علاجياً، فأصبح منالممكن
الآن إعطاء المريض جرعة من الألوان كما تعطى جرعة من الدواء أوالغذاء، إذ أصبح جزءاً من العلاج بالأشعة.
وماذا عن الحيوان والنبات؟
لا يقتصر تأثير الألوان في الإنسان فحسب، وإنما يمتد ليأخذ تأثيراً أبعدمن هذا، إذ للحيوانات والنباتات أيضاً استجاباتها للألوان. فقد أثبت
بعضالتجارب أن الدجاج إذا تعرض لضوء صناعي ملون، فإنه يبيض بسرعة أكثر منسرعته المعتادة، وأن ديدان الأرض يجذبها اللون
الأحمر، كما أن الحشرات القارضة عديمة الأرجل من فصيلة (أم 44) تحب اللونالأحمروالبرتقاليوالأصفروتهرب من اللونالأزرق
والبنفسجيوالأخضر. ولكن الفراشات تحب بوجه خاص الألوانالأزرقوالأخضروالبنفسجي، فيما الذباب يحب جميع الألوان ما عدا اللون
الأزرقفإنه ينفر منه، ولهذا نجد أن الغرف المطلية باللونالأزرقتكاد تخلو من الذباب.
أما النباتات، فالأضواء يمكن أن تغير ألوانها، وتساعد على نموها، وقد تعرقل هذا النمو. فقد أثبتت سلسلة من التجارب أن الضوءالبنفسجي
يساعد على نمو العنب، والضوءالأحمريساعد على إنبات الحبوب والبذور، فيما يساعد اللونالأحمروالبرتقاليوالأصفرعلى نمو الخلايا
الصغيرة. أما الألوانالأخضروالأزرق والبنفسجي فتبطئ من نمو تلك الخلايا
ساحة النقاش