إن الزغرودة هي ابنة الذاكرة الشعبية في شقها الفرح, وهي تعود زمنياً إلى قرون سلفت, ومكانياً تنتمي إلى مساحة أكبر بكثير من مساحة بلاد الشام.
فهي منتشرة عند نساء الشرق الأدنى من مصر إلى استانبول وما بينهما, وفي شمال افريقية والعراق.
إذا حاولنا البحث في المعاجم عن أصل هذه المسميات التي أطلقت على الزغرودة في رحلتها في مكان وزمان منطقة بلاد الشام, ولنقف على أصولها اللغوية الفصيحة فإننا نجد ما يأتي:
- الزغرودة: وأصل المادة (الزغد), وهي في أصل معناها العصر, وزغد البعير يزغد زغداً : هدر هدراً, وكأنه يعصره أو يقلعه.. ويقال زغد البعير وزغرد وزغدب بمعنى واحد, وهو الهدير يتقلّع من صدره أو حلقه. وكذلك فإن زغردة النساء هي أصوات تقعرها وتعصرها في حناجرها مضغوطة عليها, والظاهر أن العامة قالت في زغرد وزرغد ثم جعلت اللام مكان الرا والطاء مكان الدال.
- الزلغوطة:هي اللهجة المحكية العامية من الكلمة الفصحى الزغرودة, محرفة عنها, وهي ترديد لأصوات الفرح في الحلق واللسان. ومن صورها المحلية الأخرى: ظلغط, وزغلط, وزغرت, وزغرط.
- الهنهونة/الهلهولة: التي يرى صاحب معجم الألفاظ العامية أنها من فعل هنهن العامي وفصيحه هلهل. ونقول في دارجتنا: هلهل فلان فلاناً: لامه في عنف أو زجره في شدة. وهلهل ملابسه: قطعها في غير انتظام فجعل منظرها سخيفاً. والملابس المهلهلة: سخيفة النسيج. وهلهل الصوت: رجّعه.
- والظاهر أن العامة قلبت اللام نونا فأصبحت هنهن بدل هلهل. ومنها اشتقت كلمة هنهونة التي جمعها هناهن. بينما يرى القس شلحت أن الهنهونة لفظة سريانية أصلها "هو نايا" ومعناها "تهنئة" وقد صغرت فأصبحت "هونايونا" أي " تهنئة صغيرة" ويقدم عليها لفظة "إيها" وهي اللفظة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, وهي أيضاً مشتقة من السريانية "أها" ومعناها "نعمَّ". ويرى أنه في لبنان يقولون "أيوها" وهي لفظة مركبة من لفظتين سريانيتين أولاها "أيو" ومعناها حبذا "وإها "ومعناها "نعمَّ".
- المهاهات:هي أغنية خفيفة شفاهية تقال في الفرح وغيره رباعية الأشطر, وتبدأ بالأويها وتنتهي بالزغرودة. ولم نوفق في العثور على أصل الكلمة وجذورها اللغوية.
وفي محاولتنا البحث عن معاني ما تبدأ به الزغرودة وما تنتهي به من مقاطع صوتية وجدنا ما يأتي:
- الآويها: مقطع صوتي وردت بعدة أشكال لفظية وكتابية منها:"إيها, وأوها, آوها, أيه ويه, أي, وأويها, وغيرها كثير... ولعل هذا يرجع في بعضه إلى جهل تام بمصدر أو منبع هذه الكلمة معجمياً.
ويرى البعض أنها محرفة عن كلمة (هاهو) ويرجع في تحليلها أنها تعود إلى لقيا آدم عليه السلام بحواء, حيث بادرت عند رؤيتها له بقولها (هاهو) بينما يقول البعض الآخر أن أصلها (قوّوها) أي ارفعوا أصواتكم أكثر.
- وأما في لسان العرب, فيشرح ابن منظور أن (أوَّه, وآّه,وأوْه) كلمة معناها الحزن لفقد الشيء. وأنّ (إيّه): تعني صوّت وأيها بمعنى هيهات, وأنك إذا أردت إغراءه قلت (وَيْها).
ويرى القس شلحت كما بيّنا سابقاً أن لفظة "إيها", وهي مشتقة من السريانية "أها" ومعناها "نعمَّ". ويرى أن في لبنان يقولون "أيواها" وهي لفظة مركبة من لفظتين سريانيتين أولها "أيو" ومعناها "حبذا" و" أها" ومعناها" نعمَّ".
ولعل لفظة (أويها) دمج لكلمتين ومعنيين, يراد بالأول: الحزن لمغادرة العروس منزل أهلها وما سيخلّفه هذا من فقد واشتياق له. ويراد بالثاني: إسكات لهذا الحزن, ودعوة إلى الإغراء بالفرج, وهكذا تكون هذه الكلمة مزيجاً من (أوّه) و(ايّه) معاً.
وأما خاتمة الزغرودة (لي لي لي ليش), فقد وجدت في موسوعة حلب المقارنة شرحاً طريفاً أورده العلامة الأسدي يقول فيه:"سئلنا لم كان صوت الزلاغيط في حلب لي لي ليش؟ أجبت: عندما يدخل العريس ليلة عرسه على دار العرس يزغرد النساء وكأنهن يقلن هذا العريس الحلو لي لي أن وحدي. ثم لما كان هذا المطلب غير محقق يختمن اللالات بتصويت "ليش" أي إن لم يكن لي كل العمر فليكن لي شيء ولو يسير منه".
وأرى أن هذا الشرح منحاز إلى فريق الرجال بقوة, بينما أن المقصود بهاوليش لأ؟). ولم يكون كذلك؟ وأنا أعادله إن أكن متفوقة عليه.
معنى الزغرودة اصطلاحا
هي ترديد جماعي بأصوات نسائية مسبوقة بعبارة (آويها) وملحوقة بعبارة (لي لي لي لي ليش), بأصوات عالية ونغمة واحدة. وليس إطلاق الزغاريد حكراً على امرأة بعينها, بل إن إسهام النساء في إلقاء الزغاريد كان يتوقف على حفظ امرأة لها ورغبتها في إلقائها.
هي لون يغنّي في كل أوقات الفرح, وهو يرافقه في الخطوبة والزفاف, وتدور الزغاريد عادة حول العريس والعروس وعائلتيهما. وهي تكاد تكون موحّدة اللحن حتى لا يفرق بينهما أي إنسان, والفارق هو المعنى, وتؤديها النساء لما فيها من تذوق وإحساس بالفرح ولا سيما القريبات من العريس والعروس كالأم, والأخت, والخالة, والعمة...
إنها لون غنائي شعبي خفيف يحفظ عن طريق المشافهة, وذلك من امرأة لامرأة. وتقوم هذه المرأة المغنية بالتلميح والتصريح في زغاريدها بما تنطوي عليه نفوس الأسرة والعائلة أو العشيرة.
وتكون بعض هذه الأقوال محفوظة في الذاكرة, وبعضها الآخرة يخرج على السجية من المؤدية, وهي جميعاً تدور حول معاني الفرح والفخر والمديح.
وتبقى معاني الزغاريد تقليدية تتضمن حشواً من العادات والأفكار العربية القديمة, فالبنت لها أوصاف معينة حتى تكون صالحة للزواج كالطول, والجمال والتهذيب, والسعة الحسنة. كما أن للشاب العريس صفات لا بد أن تتوفر في كالشجاعة والكريم والأصالة إضافة إلى بعض الدعوات لهما بالخير والبركة والسعادة والإنجاب.
ومهما تبدلت الكلمات التي تعبر فيها هذه المنطقة أو تلك إلا أن المعاني والروح التي وراءها تبقى واحدة, فهي صدى قادم من حياة أجدادنا إلينا على متن مركبة من الصدق والعفوية.
نشرت فى 16 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,768,208
ساحة النقاش