<!-- / close content container --><!-- / post #29130 --><!-- post #29183 --><!-- open content container -->ملامح من الزغرودة في التراث الشعبي السوري- د. علي القيّم هل يمكن تصور العرس العربي دون «زغرودة» النساء، فهي جزء أساس ومتمم ومكمل لأغاني الأفراح والمناسبات السعيدة، والزغرودة تعد من أساسيات الأغنية الشعبية، وقد واكبتها منذ وجدت وبخاصة في أغنيات بلاد الشام ومصر، فهي تفعل فعلها، وتترك أثرها في أذن السامع، وقلوب المحبين..
ما هي «الزغرودة» التي تفعل هذا الفعل؟! حول هذا السؤال تتمحور الدراسة المهمة التي أصدرتها وزارة الثقافة، حديثاً للباحث محمد خالد رمضان، الذي يبدأ من التعريف: الزغرودة، لغة تعود إلى الفعل الرباعي «زغرد» ومعناه رفع النساء صوتهن في الأفراح، وأصله زغرودة البعير، أي ترديده الصوت في حلْقه، وهديره به ، وجمع الزغرودة، زغاريد، والزغرودة لدى العامة هي الحنجرة، وتدعى (جوزة الحلق) وكل ذلك يعود لترديد الصوت في الحلق عبر تواتر وانسجام واضحين، وصوت الزغرودة أقوى من صوت الأغنية العادية، بما لا يقاس، وتصل أصوات الزغاريد إلى أمكنة بعيدة عن مكان الفرح.
ويطلق على الزغرودة، في كثير من المناطق السورية اسم (الزلغوطة) وهي معروفة بهذا الاسم حصراً ، ولعلها نحتت من كلمتي ( زلغ ولغط)، أو هي تحريفاً لكلمة «زغرودة» فكثيراً ما تقلب الحروف في اللهجات العامية.
وتستطيع أي امرأة الزغردة، وهناك أيضاً مزغردات خاصات يعرفن بالاسم، ويتمتعن بسمات خاصة، منها جمال الصوت وقوته وارتفاعه، ويتقنّ عملية الزغردة، ويثرنَ الفرح ويضفين عليه سحر الزغرودة وروعتها، أما ضعيفة الصوت والجسم فلا تستطيع القيام بذلك، وعادة ما تقوم بهذه العملية قريبات العريس أو صاحب الفرح.
أما عملية الزغردة بحد ذاتها فإنها معقدة وصعبة، وتبدأ بثلاث نساء حتى الست، يقفن بالقرب من العريس أو العروس أو المطهّر أو الإنسان الذي يقام الفرح من أجله، وتبدأ إحداهن بالزغردة فتضع يدها اليسرى فوق أنفها وفمها، أو الطرف الأيسر من رأسها وتغني الزغرودة، وعندما تأتي إلى نهايتها تشارك الأخريات بصوت رخيم وجميل، وفي النهاية تقول المجموعة كلها وبصوت واحد، كلمة واحدة معروفة عند الزغردة وهي كلمة (ليش)، وتبدأ الزغرودة بكلمة (إيها) وترمي إلى لفت انتباه السامع، وشده إلى الزغرودة، وشد بصره إلى المزغردات، وتقال هذه الكلمة بقوة ملحوظة، وبطريقة فردية أو جماعية أحياناً، وفي أكثر الأحيان فردية، ويرى الأستاذ رمضان أن عملية الزغردة الجماعية النسائية، قد تعود إلى تقليد وثني قديم، إذ إن الغناء للآلهة يتم بصورة جماعية من نساء مختارات، ويدل على ذلك ما وجدناه في ترجمة الرُقم المسمارية المكتشفة في أوغاريت على الساحل السوري، التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد قمت بعقد مقارنة بينها وبين تراث المنطقة الذي ما زال حياً في كثير من جوانبه في مجال رقص الدبكة السورية الشهيرة، التي في مراميها البعيدة مناشدة قوى الطبيعة للعطف على الإنسان ومساعدته، وطلب الغوث والرحمة أو س*** المطر وحفظ المواسم والمراعي.. وتشير الزغرودة بهذا الشكل الجماعي إلى دورها في طلب الرحمة والعطف والمساعدة والعون.
أما عملية غناء كلمة (إيها) وهي كلمة سريانية أو آرامية الأصل، وتعني (تباركت) فتسمى (المهاهاة) وهي مصدر (هأّ) و(هأهأ) فعل رباعي يعني الدعاء والزجر ولفت النظر، وأصلها دعوة الإبل للعلف، وكل هذه المعاني قريبة من معنى (إيها) بمرماها البعيد أو القريب، أما كلمة (ليش) والتي تكون في آخر الزغرودة، فهي محط النهاية لها ومستراحها، كما يقال، والهدف منها طلب النجدة أو طلب المساعدة ودوام المحبة..
من يبحث في التراث العربي السوري، عن تاريخ الزغرودة، يكتشف مجموعات كبيرة ومتنوعة ونادرة من الزغاريد التي تحمل في طياتها تاريخ الناس وبيئتهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والسؤال الذي يطرح نفسه من ألّف هذه الزغاريد؟! الجواب: مؤلفو الأغاني الشعبية التراثية إجمالاً مجهولون عادة، لذلك فالبحث عن مؤلفي الزغاريد الشعبية، بحث مضنٍ وشاق ولا يمكن الوصول إليه، وقد أُلفت الزغاريد في أزمنة مختلفة، بعضها قديم لا يمكن تحديد زمن له، وبعضها يمكن أن يعرف القرن الذي قيلت فيه، وذلك من خلال الكلمات أو بعض الشخصيات التاريخية، والأمكنة الجغرافية، أو من بعض الدلالات الدينية..
ومن خلال الدراسات المستفيضة للزغاريد تبين أنها تغنّى في المناسبات التالية:
1- الأعراس: وتضم أكثر الزغاريد، وتتصف بصفات خاصة، تميزها من غيرها، إذ نجد فيها حماسة أكبر، وكلمات أرق وجمالية أعلى، وتقسم إلى عدة أقسام نذكر منها: زغاريد استقبال المدعوين، زغاريد للعروس حين الجلوة، زغاريد الدبيكة، زغاريد العروس وقت الدخلة- زغاريد العريس وقت الحلاقة، ونذكر منها، زغرودة تقال في وصف العروس:
فايتـة مـن دار، طالعـة مـن دار
بإيدها محمصة بحجة بتشـحد نـار
ولمّن شـفتها قلت العفو يا سـتار
كأن القمر بالسـما شو نزلو عالدار
2- أفراح الطهور أو الختان: وقد واكب هذه العادات أفراح من نوع خاص، وتبدأ المزغردات منذ ختن الطفل وحتى الدبكة وصنع الطعام، بالزغردة والمهاهاة في جو حماسي، وتتضمن معاني عديدة في الحث على السرعة بالنمو، والفخر بأهل المطهر، وتمني الحياة المديدة، والسعيدة للمختون، وتشترك في الزغرودة الفردية أمّ المختون وأخته وقريباته في زغرودات فردية وأصوات قوية تصل إلى أبعد البيوت في البلدة، لتسمع القاصي والداني أن فلاناً يقيم حفلة ختان لولده، لتشارك البلدة كلها في سعادة أهله وفرحهم.. نذكر من هذه الزغاريد:
يا مطهر الزين خفف إيدك شـوية
يا مشتل الريحان لا تقسى على بنيّي
كل شـبر بندر ربيتـو يا عينيـيّ
رشرش ندى الورد حتى تخلص النيّة
3- زغاريد خروج قريب من السجن: حيث يتنادى الأهل والأقارب والأصدقاء حين خروج سجينهم، للاحتفال به، وتزغرد المزغردات بشكل جماعي، ووالدته أو أخته أو زوجته بشكل فردي، ولهذا اليوم طقوسه وتقاليده وخصوصيته مثل:
حطّـوك يا سـبع جوّا قلعـة الأحصـان
لا تقـول آخ يقولوهـا لسـبع تعبـان
وإن شاء اللـه يجيكن الفرح من ربنا الرحمن
بتكافوا كل ميـن إلو جميـل وإحسـان
4- زغاريد العودة من السفر: وتعبّر عن الشوق والحنين بعودة الغائب بسبب هجرة أو سفر طويل، مما يجعل الغائب يُملأ فرحاً ويعوّض ما فات، ومن أجمل ما قيل في هذه المناسبة:
أهـلاً وسـهلاً، ويلّلي كنت بالغيبـة
يا قرنفل الحـج ويا محظوظ بالجيبـة
واللـه يا روح إلك قامة وإلك هيبـة
والحمـد للـه مـا طولت هالغيبـة
5- زغاريد الحج: للعودة من الحج طقوسها وأفراحها، وكانت تقام الولائم وتعقد الدبكات، وتغنى الأغاني، وكان للزغرودة مكانها المناسب، فحضورها قائم عند استقبال الحاج من مدخل حارته أو قريته حتى وصوله بيته، والمزغردات يزغردن بشكل جماعي وإفرادي، ومثال ذلك:
يا حـج يا حـج، حـج البيـت يلبقلك
ويلّلي مسكت شباك النبي تنقّل على مهلك
يلّلي ملايكـة السـما قامـت ونـادتلك
لـرش ورد الحبـق واللـه علـى دربـك
6- زغاريد أخرى: في المناسبات الخاصة (زيارة رؤساء- ملوك- وجهاء- قادة)، ومن هذه الزغاريد الشهيرة ما قيل عند زيارة السلطان عبد الحميد العثماني لمنطقة الزبداني في ريف دمشق:
سلطان عبد الحميد لفتك وَزرية
و خـاتـمـك وقـيّـــة
وحيـاة راس عبـد الحميــد
تـتـوصـى بـالرعـيّــة
في البحث عن دلالات الزغاريد، يرى الباحث الأستاذ محمد خالد رمضان أنها تقسم إلى خمسة أقسام:
1- دلالات فنية لغوية: الزغرودة أغنية، ولها لحنها، لذلك هي نغم له أوزانه وأبوابه، وله حركته الداخلية حسب أوتار الصوت وتموجاته، ولهذا اللحن علاقة ببحور الشعر القديمة، وعلاقة بالموسيقا المنتشرة في زمن الزغرودة، وهي تغنّى دون آلة موسيقية خاصة بها بشكل (كورس) رداد.. ومن خلال الدراسة، تبين كم تحمل كلماتها من كلمات فصحى، أو قريبة من الفصحى، وأحياناً تكون فصيحة جداً :
يا نخلة بالدار نخل الدار حاميهـا
نخلة عليـه ولا نخلـة تعاليهـا
شـروشـا بكعب البحر منبتها
وغصونها عند رب السما حاميها
2- الدلالات الدينية والأسطورية: لقد حملت الزغرودة، بعض أساطير العرب وخرافاتهم، وتأثرت بها في مناسبات الزواج والأعراس، مثل تبخير العروس لحرّاسها:
يا بسـمة الآس إلا عا خديك لمحات
مرات متل الندى، ومتل القمر مرّات
يلبقلك يا عروس بخور سـبع مرات
وإلما يصلّي عالنبي يبليـه بالعتـرات
وعذرهم أن العروس جميلة، ويخاف عليها أهلها من الحسد والشرور... كما أن العروس ستكون في حماية كاملة وحرز رصين، وهذه الزغرودة تتمنى أن يمد تحتها قماش مكي، عليه خاتم مدينة مكة المكرمة:
يا واقـفـة بالجلـي يا لابـسـة الطـربـوش
أربـع خـواتـم دهـب بكـفِـك المنقـوش
ويا لـيـت طبـع مكـة تحـتـك مفـروش
ويا ريتني ورد جوري على روس الخدود مفروش
3- الدلالات النفسية والاجتماعية للزغرودة: فهي زاخرة بالمعاني والدلالات والعواطف، تفعل فعلها في نفس المستمع ويتأثر بها حسب مزاجه العاطفي وتكوينه الروحي، وهذا مثال في زغرودة تحمل معنى الشوق إلى المحبوب:
يا كومة الثلج وبسـر النبـي دوبي
لينشـف التلج بركـي يمـر محبوبي
والوجه دورة قمر والشـعر خرنوبي
سوسحتني يا قمر باللـه التفت صوبي
كما تحمل الزغرودة السورية في طياتها تأثراً بالزهور المتواجدة بكثرة وقد تبين أن البنفسج من أكثر الورود الواردة في الزغاريد:
قال البنفسج أنا سلطان بريّة
عرقي صغير وريحة طيبة فيي
أنا قتيل أربعة ماني قتيل ميّة
أنا قتيل الحلق تحت العبيدية
وهذه زغرودة بنفسجية أخرى:
قال البنفسج أنا سلطان كل الزهـر
عرقي صغير ونسـماتي بتقهر قهـر
لغيب عنكن سنة وبحضر عليكن سنة
يا ريحتـي بقماقمكن طول الدهـر
4- الدلالة التاريخية والجغرافية للزغرودة: تتأثر الزغرودة بالحوادث التاريخية وبالأمكنة العربية المتعددة:
قالت السـمرا نحنـا حسـنا فينـا
نحن صحون الدهـب تنحط عالمينـا
نحنا الحجازيـات وطعمتنـا بتغنينـا
ومأكول الأكابر ومشروب السلاطينا
5- الدلالات الطبقية والاجتماعية: وأهمها الصراع بين الغني والفقير، وفي هذه الزغرودة أوضح وأتم معنى:
ويا عروسة ويا بنت الدلال والخير
ويلّلي طلع بجهازك ألف كم وديل
ويلّلي طلع بجهـازك ألف سـريّة
ومية عبد يشـدوا بركاب الخيـل
وأما زغرودة الفقيرة فتقول:
زقزقت العصفـورا
وفتّحـت المنتـورا
وفرحـت الحزينـة
وانجبرت المكسـورا
أما التعارض بين البيض والسمر فحدّث ولا حرج:
يا أسـمر السـمر أهلك عيروني فيك
وكـل ما عيرونـي زاد حبـي فيـك
أنت الحبق عالطبـق وأنا الندى برعيك
وأنت القمر بالسـما وأنا النجم بحميك
وهذه تتغنى باللون الأبيض:
ويا عروسـة ويا بيضـا ويا لضّة
ويا سمكة البحر تلعب بزرد فضة
وياما عطينا مال لبوكي وليرضـى
وأصلحوا بيناتنا ما عاشت البغضة
بقي أن نقول إن الزغرودة قد عاشت ومازالت في وجدان الشعب وفي تراثه وأغانيه وموروثه الشعبي، منذ قرون طويلة، وقد أحسنت وزارة الثقافة السورية عندما قامت بتدوينها وتسجيلها وحفظها في سجلات ومطبوعات، بهدف دراستها وتوصيلها إلى الأجيال العربية عساهم يستفيدون منها في تطوير التراث الشعبي ونشره في زمن الحفاظ على الهوية وهذه الزغرودة هي جزء لا يتجزأ من هوية ووجدان وملامح تراثية جميلة أصيلة نحن أحوج ما نكون إليها في عالم المتغيرات المتسارعة.

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 591 مشاهدة
نشرت فى 16 نوفمبر 2011 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,767,988