فن التنويم بالإيحاء
إن ما يصلك بالمصادر الغنية الوفيرة المسخرة لك في آفاق الكون وما يربطك بالكنوز الدفينة في أعماق نفسك والمنتشرة في رحابها شيء واحد فحسب هو لغتك هذه الآية العظيمة الموصلة إلى كرم الله تعالى وآلائه وعطاياه والشاهدة على سعة ملكه وعظيم كرمه.... فكيف تستخدمها أنت –عزيزي القارئ-يا ترى؟ هل فكرت في ذلك من قبل؟ إذا لم تفعل من قبل يمكنك أن تفكر معي الآن.
فإن استخدام اللغة من حيث الاتصال بالقدرات العقلية وتسخيرها له خطان رئيسان:
-الخط الأول هو خط استثمار إمكانات العقل الواعي ونصل إلى ذلك باستخدام المنطق والتدقيق اللغوي ومنه نموذج ميتا وغيره.
-أما الخط الثاني وفيه ضالتنا "لغة الغشية" فهو خط الاتصال بالعقل اللاواعي وإمكاناته الهائلة وكنوزه الدفينة وخزائنه العظيمة وهنا تحديدا تأتي أهمية استعمال هذه اللغة وضرورتها.
حالة الغشية
تعرف الغشية على أنها: "حالة من الوعي المركز بانتباه نحو الداخل (أفكارك ومشاعرك)" ذلك أن الإنسان إما أن يركز وعيه تلقاء عالمه الداخلي وإما أن يركز انتباهه تجاه العالم الخارجي من حوله ونحن في حياتنا اليومية كثيرا ما نتنقل بين الحالتين باستمرار
والغشية في عرف البرمجة اللغوية العصبية هي "حالة نفسية" يعبر عنها بفترة الراحة وكأن البرمجة تقسم حياة الإنسان اليومية إلى فترتين:
- فترة راحة وتسمى أيضا "الزمن الأدنى"وهي عندما يركز الإنسان وعيه وانتباهه نحو الداخل برجة أكبر.
- وفترة عمل وتسمى أيضا "الزمن الأعلى" وهي عندما يركز الإنسان وعيه وانتباهه نحو الخارج بدرجة أكبر.
وعلى هذا الأساس يعتبر النوم فترة راحة مركزة لأن وعيك يغيب عن العالم الخارجي تماما ويحضر فقط عالمك الداخلي فتعيش أحلامه وكأنها حقائق واقعة.
وفترتا الراحة والعمل إما أن يكونا سلبيان أو إيجابيان حسب أسلوبك المتبع وحسب موضعهما.
فالغشية إذا هي حالة من الاستيقاظ والانتباه إلى عالمك الداخلي وعندما تكون في غشية فأنت يقظ لذاتك واع بها.
ولغتنا العربية تضم مفردات هائلة للغشية مثل:" الغفوة, والسنة, والتهويم,.... وغيرها".
الغشية في حياتنا اليومية
كل إنسان يعرف الغشية أتم المعرفة لأنه ينخرط فيها باستمرار في حياته اليومية فما يكاد يرجع منها حتى يعود إليها فهو ينغمس في الغشية حينما يسافر لمسافة طويلة في أجزاء كثيرة من الرحلة ويغوص في أعماقها في أحلام اليقظة وعندما يتأذى من ملمّة أو تهوله صدمة أو ينزعج من أمر أو تقع عليه نازلة وغيرها من حالات الغشية السلبية مما يسمى ويعرف بحالة الشرود والتشتت وهذه الحالات رغم سلبيتها قد تحمل لنا إيجابيات بيِّنة, إلا أن حالاتها الإيجابية مثل حالات الخشوع و الاستغراق في الذكر والتأمل هي فرصة حقيقية لإراحة النفس وتهدئة الذهن وإرخاء العضلات والأعصاب.
علاقة الغشية بالتنويم
لأن حالة الغشية حالة غنية وثرية وفعالة بل وهي حالة الاتصال بالعقل اللاواعي من أجل إحداث التغيير فيه, ولا يخفى أن قوام التنويم ركنان:
الأول: هو الوصول إلى حالة الغشية
الثاني: هو بث رسائل إيحائية
وعملية إحداث الغشية مهمّة إلى حد كبير لأنك لن تصل إلى العقل الباطن دونها ولذلك يقوم المنوِّم بإلهاء وإشغال العقل الواعي حتى يمكنه التسلل إلى العقل الباطن كما سيأتي.
ربما طرحت سؤالا – عزيزي القارئ- لماذا الوصول إلى العقل الباطن؟ وما أهمية ذلك؟
سيأتيك الجواب: أن العقل الباطن هو كنوزك الدفينة وثرواتك المكنونة ومصادرك الكامنة وهو مهاراتك وعاداتك وتجاربك ومخازن ذاكرتك ومراكز عواطفك وأحلامك وتطلعاتك وحقول فسيحة لمشاعرك.
كما أن التغيير الحقيقي الجذري لا يتم إلى في مستوى أعمق من العقل اللاواعي والناس تفشل عادة في تغيير عادة أو إصلاح خطأ سلوكي لأنها تعالج الأمر على المستوى السطحي (العقل الواعي)
ولذلك تعود ريما إلى عادتها القديمة في الأعم الأغلب.
والعقل الباطن هو عمليات ذهنية متواصلة خارج حيز الوعي ولهذا أدرك الباحثون حديثا أن التفكير عملية لا شعورية ولا واعية في الغالب فنحن ندرك بالكاد نتائج التفكير لا عملية التفكير ذاتها , وهو ما يعزز أهمية اللاواعي فهو بالتفكير ورشة لتحليل وتركيب وإنتاج شخصيتك بعاداتها وسلوكياتها وسماتها وسمتها.
وتستعمل البرمجة اللغوية العصبية لفظ "العقل اللاواعي" أو "العقل الباطن" لتفادي سلبيات مصطلح اللاشعور لأن العقل الباطن بحق هو صديق وفيّ وخادم قوي ومولى مطيع يعمل في الخلف بإخلاص كجندي مجهول ويدعمك بتفان وولاء فهلا انتبهت لرسائله وتوجيهاته فهو يراسلك باستمرار فالآلام والأعراض هي رسائل يرسلها عبر جسمك ليخبرك بأن شيئا ما ليس على ما يرام أو أن هناك خطأ ما في طريقة حياتك أو في نظام غذائك ويتوجب عليك اتخاذ إجراء بشأنه كما ويراسلك برسائل شعورية كمشاعر الخوف والقلق والانزعاج وغيرها كما ويراسلك أيضا برسائل عقلية عن طريق رؤى وأحلام وغيرها فهو يمنحك بلا منٍّ على الدأب والدوام رسائله وبصائره فقط من أجل مساعدتك فكم هو عظيم ومذهل هذا العقل والأعظم الأعظم خالقه جلا في علاه ننحي لكبريائه ونسجد لعظمته سبحانه ما أعظمه.
لغة الغشية في القرآن الكريم
تستعمل لغة الغشية (الإبهام (كلمات مبهمة تحتمل عدة معان) والغموض (كلمات غامضة تحتاج إلى تفسير)وإحداث بعض الفجوات(الزمنية والمكانية) قصد إشغال العقل الواعي ومن ثم تمرير رسائل معينة إلى العقل الباطن ومما يحز في النفس أن يهمل المسلمون استخدام هذه اللغة (لغة الغشية) وهي في كتاب ربهم المعجز الخالد وهم الأولى بتطويرها واستخدامها قد تتبعتها وتلمست آثارها في مواطن كثيرة من القرآن الكريم ففي أوائل السور مثلا يستعمل كلمات غير واضحة المعنى مثل (ألم- ألمر- طسم- ...وغيرها) وفي أثنائها بعض الكلمات التي تحتمل عدة معان كما ويستعمل في القصص بعض الفجوات الزمنية والمكانية وأحيلك بهذا الصدد لترى ذلك بوضوح فبينما أنت تعيش مع يعقوب وأبناؤه في فلسطين حتى تجد نفسك في مصر مع يوسف وإخوته سينشغل وعيك بماذا حدث بين الفرق الشاسع في المكانين والزمنين
وهكذا يسير القرآن الكريم على هذا النمط من أجل أن يغرس في في عقلك الباطن معان سامية تكسبك الفلاح في دنياك وأخراك.
لغة الغشية ونموذج ميلتون
يعتبر "ميلتون اريكسون" أبو العلاج بالتنويم في العصر الحديث
فقد كان معالجا نفسيا فذا حيث تنبه إلى أهمية الوصول إلى العقل الباطن للقيام بتغيرات حقيقية مرغوبة أوحل معضلات نفسية معقدة وابتكر بذكائه أنماط لغوية لحث حالة الغشية والوصول إليها وقد نشرت هذه الأنماط سنة 1974 بعد تجريبها من مؤسسي البرمجة اللغوية العصبية (باندلر وغريندر) على جمهور عريض من الناس من أصحاب الاختصاص وغيرهم.
قامت نظرية ميلتون في العلاج بالتنويم على المرونة وتنويع الأساليب في إحداث الغشية حسب ما يناسب الشخص فهو يطبق التنويم مع المستفيد(المريض) لا عليه, فتراه يجمع المعلومات عن المستفيد بالأسئلة ويدقق الملاحظة ويساير المريض ولا يقاومه فهو صاحب المقولة الشهيرة:"لا يوجد مرضى مقاومون ولكن يوجد أطباء غير مرنين بما فيه الكفاية" وكان مؤمنا بأن المريض أو الإنسان بشكل عام "يمتلك سلفا كل المصادر التي يحتاج إليها" لكن المشكلة تكمن في جهله بالكيفية التي يصل بها إليها.
وكان يجتهد حتى يضع المستفيد في موضع اتصال مع إمكانياته ومصادره وكان يحترم وجهة نظره ويعتمد عليها في توسيع الخيرات له لأنه يؤمن حقيقة أن "الإنسان يأخذ أفضل اختيار له في وقت بعينه" لو حصل على المعلومات في التوقيت الجيد.
ويمتاز منهج ميلتون في أنه لا يبحث في أصل المرض وتاريخه ومراحله وتطوراته بقدر ما يبحث في حصول التغيير الذي ينشده وكان يكرس لذلك دقة حواسه المرهفة وملاحظته الدقيقة حول التغييرات التي تطرأ على فيزيولوجيا المستفيد كما يوظف لغته البارعة في تنويمه وإدخاله في حالة الغشية.
وهكذا أضحت طريقة ميلتون التنويمية طريقة رائدة منتشرة ذات امتداد عالمي بل وكانت الأساس المتين لعلم البرمجة اللغوية العصبية.
نموذج ميلتون يعاكس نموذج ميتا
يعتبر نموذج ميلتون الوجه الآخر لنموذج ميتا فهو يعاكسه تماما وفي كل شيء لكنه يطابقه ويكمله ليكوِّنا مع بعضهما عملة توازن ثمينة للتعامل مع التجربة الشخصية
المصدر: http://www.ghaaly.com
نشرت فى 14 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,793,615
ساحة النقاش