بلغت العام الماضي تكاليف هجمات القرصنة الإلكترونية الخارجية على بريطانيا وحدها 27 مليار جنيه (44 مليار دولار). وتبعا للخبراء فقد كان السواد الأعظم من هذه الهجمات آتيا من الصين التي يعتبرونها مسؤولة عن 1.6 مليار هجوم كل شهر على مختلف المؤسسات البريطانية.
والاثنين بثت فضائية «سكاي نيوز» الإخبارية تقريرا من مراسلتها في بكين، هولي وليامز، وصفه الخبراء البريطانيون بأنه «مرعب». فهو يوضح مدى قدرات قراصنة الإنترنت «الهاكرز» الصينيين – أفرادا وحكومة أيضا – على خنق الحكومات والشركات الغربية حتى النفَس الأخير متى شاؤوا .
أمثلة مخيفة
بوسع القراصنة التحرك بحرية على طيف واسع يبدأ من الاستحواذ على هويّات الأفراد وتفاصيل حساباتهم المصرفية ويمر بسرقة الأسرار الصناعية والتكنولوجية وقد يصل الى تعطيل شبكات الكهرباء والمواصلات والموارد المائية والعسكرية في حال الحرب أو مجرد الأعمال الانتقامية… بعبارة أخرى فإن الغرب تحت رحمة الصين بالكامل.
وقالت المراسلة إنها التقت بشخص يقول إنه «خببير أمني» وليس قرصانا إلكترونيا ووافق على الحديث اليها شريطة حجب هوبته تماما. وكان كل ما تعرفه عنه أنه في الحادية والعشرين من عمره وأنه جاء الى بكين من بلدة صغيرة في جنوب البلاد ولم يتلق أي تدريب على استخدامات الكمبيوتر وإنما علّم نفسه بنفسه. فطلب اليها بدء عملية شراء من أي متجر تختاره على الإنترنت. وخلال دقائق قليلة كان قد سرق سائر تفاصيلها الشخصية والمصرفية وقدمها لها مطبوعة على ورقة.
وسألته عما إن كان بمقدوره اختراق مواقع أكثر تحصينا مثل الحكومية والعسكرية الغربية فقال: «حتى أعتى الإجراءات الأمنية تعاني من ثغرات هنا وهناك. والقائمون على الأجهزة المحصنة يظنون أنهم في مأمن من القرصنة الإلكترونية لأن لديهم البرمجيات الأكثر تقدما في العالم. لكن لا شيء يحول دون اختراقها. لكل سور نقطة ضعيفة في مكان ما».
روابط حكومية
تقول الحكومة الصينية إنها تطارد القراصنة وإنها ألقت القبض العام الماضي على المئات منهم وأغلقت «مدرسة» للقرصنة الإلكترونية قالت إنها كانت تضم 180 ألف «طالب». لكن الواقع أن عدد الهاكرز الصينيين يحصى بمئات الآلاف إن لم يكن الملايين، وأن «المدارس» من ذلك النوع، وإن كان لا يعرف عددها، فهي كثيرة بأقل وصف.
وأتى في التقرير حضور المراسلة «مؤتمرا» علنيا نظمته جماعة قراصنة معروفة في فندق من أربعة نجوم بالعاصمة الصينية. وهو مؤتمر تولت تمويله شركة أمنية ذات صلة بالمؤسسة العسكرية الصينية، وكان بين الأوراق المقدمة فيه «تغلّب على ويندوز 7» و«الإصابات الفيروسية الظاهرية».
وأوضح هذا المؤتمر بجلاء «الروابط» بين مياه القرصنة الإلكترونية العكرة والحكومة الصينية نفسها. فقد قدّم رجل نفسه للمراسلة على أنه عميل أمني وقال: «نحن هنا لمعرفة ما إن كان لديهم (القراصنة) ما يمكننا الاستفادة منه قبل التحرك خطوة أخرى الى الأمام. نعتقد أن السماح لهم بالخروج الى العلن والتعاون الظاهري معهم وسيلة أفضل من محاولة مطاردتهم وهم في الخفاء».
حتى البنتاغون فريسة سهلة
يُتهم القراصنة الصينيين باختراقهم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» المعتبرة أكثر أجهزة الكمبيوتر تحصينا في العالم، وأيضا تحصينات أعمدة الغرب الأخرى مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا. ففي العام 2009 قال الخبراء الأمنيون إنهم تمكنوا من تقصي أثر Ghostnet «غوستنت» (الشبكة الشبح)، وهي أكبر شبكات الهجمات الإلكترونية على المؤسسات الغربية، الى الصين.
وقال اولئك الخبراء إن «غوستنت» نجحت في السيطرة الكاملة على عمل أكثر من 1200 شبكة الكترونية تابعة لسفارات وهيئات دولية ومجموعات إعلامية في أكثر من 100 بلد حول العالم. لكن التهديد الصيني الحقيقي – في الوقت الحالي على الأقل – يتمثل في سرقة الأسرار الصناعية الغربية.
التجسس الصناعي
العام الماضي تمكن القراصنة الصينيون، تبعا للتقرير، من اختراق دفاعات العديد من كبرى الشركات الغربية العاملة في مجال النفط والغاز المعتبر حيويا بالنسبة للاقتصاد الصيني. وكشف النقاب مؤخرا ايضا عن أن «مورغان ستانلي»، أحد أكبر مصارف العالم، تعرض لهجمات استمرت ستة أشهر وقيل إنها أتت من الصين.
والشهر الماضي رفعت باريس النقاب عما وصف بأنه «أكبر غزوة الكترونية في تاريخ الدولة الفرنسية»، هدف في ما يبدو للحصول على معلومات تتعلق بكيفية التعامل الفرنسي مع مجموعة العشرين التي يترأسها العام الحالي الرئيس نيكولا ساركوزي.
وقد سارع المسؤولون في وزارة المالية لإيقاف حوالي 10 آلاف كمبيوتر عن العمل فور اكتشافهم عملية الاختراق الإلكتروني التي طالت أكثر من 100 جهاز وقيل إنها ظلت مستمرة منذ ديسمبر / كانون الأول الماضي الى حين اكتشافها.
وقالت الوكالة القومية الفرنسية لأمن تكنولوجيا المعلومات، إن الواقفين وراء الهجوم «يتمتعون بمهارة وتنظيم على مستوى جد عال. فقد ظلوا يتحكمون في أجهزة رؤساء الإدارات بوزارة المالية حتى بدون أن يثيروا انتباه أحد طوال تلك الفترة».
الخطر الأكبر
الخطر الأكبر يشير اليه الشاب الصيني الذي التقته المراسلة أولا، وهو أنه لو قدر للغرب الدخول في حرب مع الصين أو أي نزاع خطير يوقفهما على شفيرها، «فبوسع القراصنة،- أفرادا وحكومة – التسبب في دمار غربي لا تحوي الكلمات وصفه» على حد قوله.
وعلى سبيل الثمال، وليس الحصر، يستطيع اولئك القراصنة تعطيل شبكات الكهرباء. وكما يقال فإن السواد الأعظم من الأشياء يعمل بالكهرباء. ويمكن للقرصان الصيني أن يختار ما حلا له من أمكنة لتعطيل الكهرباء فيها، من العاصمة فقط الى البلاد بأكملها.. هو الذي يختار.. وبسهولة.
ساحة النقاش