إلى طلاب العلم أدب الطالب عند زلة العلماء
بقلم الشيخ. محمد بكري الفيومي
- في عصر الفضاء المفتوح وشبكة الإنترنت ووسائل الأعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة من السهل أن يصبح المرء فيجد نفسه هدفاً لسهام من يعرف ومن لا يعرف بقصد وبغير قصد.
- وهو سلوك خطير محصلته في النهاية إسقاط رمزية العلماء ورموز العمل الإسلامي فما من عالم ٍ من العلماء.. أو عامل لدين الله.. إلا وله زلته بحكم البشرية.
- ورحم الله الحافظ الذهبي إذ قال " ولو أنه كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه.. لما سَلمَ لا ابن نصر ولا ابنُ منده ولا من هو أكبر منهما.. والله هو هادي الخلق إلي الحق.. وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة " سير اعلام النبلاء (14/40).
- ومن الذي يستطيع أن يزعم أن من شروط العالم ألا يخطئ.. فمن مثل ابن نصر..ومن مثل ابن منده.. وطلبة العلم أحوج ما يكونون إلي لزوم هذه الآداب التي تلقاها أهل العلم خلفاً عن سلف.
- وذلك لأن الحركة الإسلامية اكتوت بنيران ترك الآداب التي امتلأت بها بطون الكتب ومصنفات العلماء.. إذ من المقرر عند الفقهاء والأصوليين أن العالم متى بذل قصارى جهده في استنباط الحكم الشرعي فإنه مأجور عند الله.. أخطأ أم أصاب.. كما هو ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن اجتهد فأصاب فله أجران "
- وعلي ذلك ينبغي علي طلبة العلم عند سماع فتوى من الفتاوى لعالم من العلماء الموثوقين في دينهم المعروفين بتحريهم للحق قد لا تروق لهم هنا ينبغي التأدب مع هذا العالم بما كان عليه سلف الأمة الصالح وذلك بالآتي :-
- معرفة ما نسب بالضبط للعالم حتى لا يختلط الأمر علي السامع.
- لا يتبع العالم بزلته ولا يؤخذ بهفوته إذا ثبت نسبة الخطأ إلي العالم.
- وفي المسلك الأول:-
- كم من الفتاوى نسبت إلي أئمة أهل العلم علي سبيل الخطأ.. وليس من مراد العالم ما ذهب إليه هؤلاء
- وعلي سبيل المثال لا الحصر.. في مذهب الأحناف اشتهر القول بأن الأمام أبا حنيفة ذهب إلي القول بجواز تولي المرأة القضاء ولكن في غير الحدود.. ولكن الصحيح أن الإمام إذا ولى المرأة القضاء أثم ونفذ قضاؤها إلا في الحدود.. ومن له أدني إلمام بالفقه يعلم الفرق بين الأمرين.
- نسب للإمام الشافعي رحمه الله القول بالتلفظ بالنية في الصلاة.
- ومن يراجع قول الشافعي بالضبط يعلم أن هذا القول غير صحيح فهو رحمه الله يقول "الصلاة ليست كغيرها من العبادات فلا تدخل إلا بذكر" وهو يعني بذلك تكبيرة الإحرام.
- نسبة القول بفناء النار إلي الإمام ابن القيم رحمه الله ومن يجمع كلام ابن القيم رحمه الله في المسألة يعرف ما انتهي إليه قوله في المسألة.. وأنه يعني في أقصى الأحوال فناء الطبقة من النار التي دخلها عصاة الموحدين.. ثم تفنى بعد خروجهم منا.
- الإدعاء بأن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يمنع زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم.. والحق أنه رحمه الله إنما منع شد الرحال إلي القبور.
- ولو ذهبنا نتتبع مثل هذه المواقف في حياة العلماء الأكابر في حياة الأمة ما وسع المقام بنا ولكننا نكتفي بهذه الإشارات الشريعة.
- والآن ماذا لو ثبت أن العالم قد أفتى بهذه الفتوى فعلاًوفهم مراده.. فماذا ينبغي علي طلبة العلم؟.
- هل نسلط أقلامنا وألسنتنا في أعراض العلماء ورموز الأمة من
أهل الفضل والسبق كما يفعل الحاقدون من العلمانيين وأهل البدع وغيرهم ممن تقطر قلوبهم وألسنتهم سماً رعافاً.
- أم نسلك سبيل السلف الصالح الذين كانوا يعرفون لأهل العلم فضلهم وقدرهم وكانوا يعتذرون عن خطأهم بأنهم لم يريدوا ذلك ولم يقصدوه.
- وإليك أيها القارئ الكريم نماذج من أقوال أهل العلم والأكابر الذين يوضحون لنا أن العالم لا يتبع في زلته ولا يؤخذ بهفوته ولا يشنع عليه.. ولا يتخذه طلبة العلم غرضاً وهدفا َ لسهامهم.
- قال الحافظ الذهبي رحمه الله وهو يترجم في سير اعلام النبلاء (5/271)لإمام التفسير قتادة بن دعامة السدوسي " ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه , وعلم تحريه للحق, واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله.. ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه.. نعم: ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو التوبة من ذلك "
- وهذا كلام ينبغي الوقوف أمامه طويلاً لأنه يمثل أصلاً من أصول الآداب الواجب مراعاتها عند صدور فتوى من العالم قد لا يوافق فيها الحق.. بعد أن بذل قصارى جهده واستفرغ وسعه في معرفة الحكم الشرعي.
- ورحم الله الذهبي فعند ترجمته للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله يقول" فرحم الله الإمام أبا حامد.. فأين مثله في علومه وفضائله؟" ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ ولا تقليد في الأصول" سير اعلام النبلاء (19-346)
- قال الإمام الصنعاني رحمه الله " وليس أحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضائله وتجتنب " سبل السلام.
- وعبارة الصنعاني لم تخرج عن المنهج الذي عليه سلف الأمة وهو أن يغمر الخطأ الذي يصدر من العالم ومن كبير القدر في جانب فضله ولا يتابع علي الخطأ.. وهذه العبارة لا تقتصر علي العلماء فحسب بل الأصل في التعامل مع أصحاب الفضل بصفة عامة.
- والأصل في ذلك ما كان من الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما أرسل بكتاب إلي قريش يخبرهم فيها بقدوم النبي صلي الله عليه وسلم ووقف عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلي الله عليه وسلم: "دعني اضرب عنق هذا المنافق" فكان رد النبي صلي الله عليه وسلم: "أنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " متفق عليه.
- وما أجمل ما قاله الذهبي رحمه الله في حق الغزالي "الغزالي إمام كبير وما من شرط العالم أنه لا يخطئ" سير اعلام النبلاء (19-339).
- وصدق والله فما من شرط العالم أنه لا يخطئ فهذا من المحال أن يحدث علي مر العصور والدهور.
- وهنا أنقل لك كلاماً نفيسياً في حفظ أقدار أصحاب الفضل حتى ولو لم يكن من البشر هذا الكلام قال الحافظ بن حجر رحمه اله في الفتح (5-335) وهو يعلق علي واقعة القصواء المشهورة كما جاء في صحيح البخاري "وسار النبي صلي الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس :حل.. حل فألحت فقالوا: خلأت القصواء.. فقال النبي صلي الله عليه وسلم :- "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل "
- ومعنى خلأت أي تمنعت, القصواء اسم ناقة الرسول صلي الله عليه وسلم , وما هذا لها بخلق أي بعادة , حبسها حابس الفيل: كما أن الله حبس الفيل عن دخول مكة كذلك حبس الناقة.
- قال الحافظ بن حجر رحمه الله في شرح لهذا الجزء من الحديث " جواز الحكم علي شئ بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره.. فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها.. لا ينسب إليها ويرد علي من نسبه إليه.. ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله.. لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة ما ظنه الصحابة: صحيحاً ولم يعاقبهم النبي صلي الله عليه وسلم علي ذلك لعذرهم في ظنهم.
- وإذا كان ذلك حق دابة لها من الفضل ما لها.. فما بالك بالعالم الذي هو النور الذي يميز الله به بين الحق والباطل.
- أليس حفظ عرض المسلم واجباً؟
- وأوجب منه حفظ عرض العالم الذي يحفظ الله به الدين.. وكم من العلماء فيمن سلف من تفوه بأمر عظيم لو كان يعيش اليوم بيننا لم يتورع هؤلاء الصغار عن وصفهم بأوصاف قد تصل إلي الكفر وإخراجه من الملة.. لكن أهل العلم كما أسلفنا وجهوا قوله ونزهوا مراده عن السوء ولم يمنعهم ذلك من الاستفادة بعلمهم.
- لقد قال الإمام الحافظ بن حبان بأن النبوة العلم والعمل وهو كلام في غاية الخطورة لأن معناه المتبادر إلي الذهن أن النبوة مكتسبة وليست اصطفاء من الله بوحي من السماء.. وهنا سرعان ما سارع البعض إلي اتهامه بالزندقة حتى قرر الخليفة قتله.
- فانظر رعاك الله يا طالب العلم كيف قام أئمة كبار أمثال ابن القيم والذهبي وابن حجر رحمهم الله بالذب عنه وتوجيه قوله والاستفادة من علمه.
- قال الحافظ الذهبي رحمه الله عن الإمام بن حبان رحمه الله.. قلت: "وهذا أيضاً له محمل حسن , ولم يرد حجر المبتدأ في الخبر ومثله الحج عرفة فعلم أن الرجل لا يصير حاجاً بمجرد الوقوف بعرفة.. إنما ذكر مهم الحج ومهم النبوة إذ أكمل صفات النبي العلم والعمل, ولا يكون أحداً نبياً إلا أن يكون عالماً عاملاً..نعم النبوة موهبة من عند الله لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبدا وبها يتولد العلم النافع والعمل الصالح ولا ريب إطلاق ما نقل أبي حاتم لا يسوغ وذلك نفس فلسفي "أ.ه.
- اعلم يا طالب العلم أن أيسر حركات الجوارح حركة اللسان وهي أضرها علي العبد.. فلرب كلمة تخرج من لسانك في حق العالم تكون سبباً في شقائك إلي يوم يبعثون.. ولقد دلت الآثار علي أن كف اللسان وضبطه هو أصل كل خير وقديماً قالوا من ملك لسانه ملك أمره.
- ونختتم مقالتنا هذه بكلمات طيبات للشيخ بن عثيمين رحمه الله في كتاب الدعوة (2-174)حيث يقول " أن كل واحد منا معرض للخطأ فليبادر بالاتصال به وتحقيق الأمر معه.. فقد يكون الخطأ في ظننا ولكنه في الواقع ليس كذلك.. كما أنه لا يجوز اتخاذ الخطأ سبباً للقدح في الداعية والتنفير منه فهذا ليس من سمات المؤمنين فضلاً عن أن يكون من سمات الدعاة إلي الله عز وجل.
وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين
المصدر: بقلم الشيخ. محمد بكري الفيومي
نشرت فى 2 سبتمبر 2014
بواسطة gy
الجماعة الإسلامية ببنى مزار
نحن جماعة دعوية تدعو للخيروتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكروتنصر المظلوم. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
23,161