تمهيد

ونحن حين نتحدث عن مدى جواز استخدام تلك التفجيرات العشوائية لا نقصد تلك التي تتم أثناء الحروب, أو تقع بين الجيوش المتصارعة, فهذه لا يختلف اثنان على جوازها بالضوابط التي قررها العلماء, لكننا نتحدث عن تلك التفجيرات التي تتم ببلاد المسلمين اليوم لاستهداف بعض الأشخاص بالقتل, والذين يختلطون بعدد كبير من المسلمين, أو بمن لا يحل قتلهم من غير المسلمين: كالذميين أو المستأمنين أو الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان, والتي ينجم عنها غالباَ مقتل عدد كبير من هؤلاء مع احتمال عدم اصابة أحد من المستهدفين أصلاً بهذه التفجيرات.

 

وتأخذ التفجيرات العشوائية صورًا عدة, فتارة تتم على صورة عربة ملغومة يتم تفجيرها عن بعد, وتارة تأخذ صورة قنبلة موقوتة مزروعة في مكان مستتر الى غير ذلك من الأشكال والتي يجمعها أنها لا تقتصر على إصابة الشخص المستهدف ومن ثم فهي عشوائية في إصابة الضحايا التي تقع من جرائها.

حكم القيام بالتفجيرات العشوائية

ويستهدف القائمون بهذه التفجيرات العشوائية تحقيق بعض أو كل الأهداف الآتية:

1- قتل بعض الأشخاص ممن يرغبون في الإجهاز عليهم حتى لو أدى ذلك لقتل غيرهم ممن يتواجدون بالمكان.

2- قتل أكبر عدد من المتواجدين بموقع التفجير بغض النظر عن كونهم يستحقون القتل أم لا, وذلك لإحداث حالة من الذعر والهلع.

3- تدمير بعض الممتلكات أو المباني حتى لو أدى الى قتل من يتواجد بها من الأشخاص غير المعروفين للقائمين بالتفجير.

4- تأليب الرأي العام على أطراف معارضة للنظام بنسبة هذه التفجيرات اليها رغم أنها من تدبير تلك السلطات.

وهذا كله يعني أننا بصدد تفجيرات قد توقع ضحايا غير مستهدفين أصًلا بالقتل ممن يقومون بتلك التفجيرات, وقد يكون هؤلاء الضحايا من المسلمين أو من أهل الكتاب أو من السياح أو الأجانب الذين يدخلون البلاد بأمان معتبر شرعا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما حكم القيام بهذه التفجيرات؟ وما الأدلة الشرعية على حرمة القيام بها؟ وما الأدلة التي يحتج بها من يرى جوازها؟

وللإجابة عن هذه الاسئلة سنذكر أولًا الأدلة الشرعية التي تبين عدم جواز القيام بهذه التفجيرات العشوائية ثم نذكر بعد ذلك أدلة المؤيدين لها ونناقشها بشكل تفصيلي من خلال الفصلين القادمين.

أولا:

الأدلة الشرعية على حرمة القيام بتلك التفجيرات

 يستهدف القائمون بالتفجيرات العشوائية قتل بعض الشخصيات ممن يعتقدون جواز قتلهم, وفي سبيل تحقيق هذا الأمر يغضون الطرف عما ينجم عنها من قتل لأفراد آخرين غير مستهدفين أو تدمير لممتلكات لا يجوز تدميرها.

ولا شك عندنا في حرمة تلك التفجيرات العشوائية حتى لو استهدفت من يجوز شرعًا قتله؛ لأن هذا لا يبيح بحال قتل الأنفس المعصومة شرعا ممن يتواجدون في لحظة الانفجار سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم للآتي:

1- إن من بين ضحايا هذه التفجيرات عددا من عوام المسلمين الذين لم يرتكبوا جناية تبيح قتلهم, والقيام بهذه التفجيرات مع العلم القطعي بوقوع ضحايا من هؤلاء يفيد تعمد قتلهم وهو محرم شرعا لقوله تعالى: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)

ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والمارق من الدين التارك للجماعة".(رواه البخاري)

والسؤال الذي يتوجه إلى من يقوم بتلك التفجيرات العشوائية هو: بأي حق استبحت قتل عوام المسلمين الذين يتواجدون في الموقع المستهدف بتلك التفجيرات؟ وبأي دليل شرعي أجزت ذلك؟

2- إنه لا يجوز استهداف أهل الذمة الموجودين بموقع الانفجار بالقتل وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما.(رواه البخاري)

3- لا يجوز استهداف المستأمنين من الأجانب لدخولهم البلاد بأمان معتبر شرعًا أو لوجود شبهة أمان تمنع من استهدافهم بالقتل بواسطة تلك التفجيرات وذلك لقوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)

ولقوله صلى الله عليه وسلم:"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم, فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل".(رواه البخاري)

4- إنه لايجوز قصد الأطفال والنساء المدنيين من غير المسلمين بالقتل طالما لم ينتصبوا لقتال المسلمين ذلك لما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان لما رأى امرأة مقتولة في إحدى الغزوات.

ولما رواه أنس رضي الله تعالى عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا بعث جيشا قال: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة, ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". (رواه أبوداوود)

فإذا كانت هذه الأدلة حرمت قتل هؤلاء أثناء اشتعال الحرب مع أقوامهم فكيف يصح القول بإباحة استهدافهم بتلك التفجيرات العشوائية وليس هناك حالة حرب قائمة معهم؟

5-  إنه يترتب على هذه التفجيرات العشوائية تدمير بعض الممتلكات لأناس لم يرتكبوا جناية تبيح تدميرها, وهو أمر منعت منه الشريعة الإسلامية لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم في شهركم هذا في بلدكم هذا". (صحيح ابن حبان)

6- فإذا أضيف إلى كل ما سبق وقوع هذه التفجيرات بتدبير من السلطات المسئولة لإلصاقها بطرف آخر لم يقم بها فإن الإثم والحرمة تتضاعف لما في ذلك من أمور محرمة منها:

 أ. الافتراء على الغير والكذب على عموم الناس وتحميل الأبرياء مسئولية جرائم لم يقترفوها قال الله تعالى:

 (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)

ب. محاولة خداع الشعب لبث الكراهية لطائفة بريئة من هذه التفجيرات فيه ظلم وعدوان على هؤلاء وتضليل لأفراد الشعب بما قد يدفع بعضهم إلى القيام بجرائم ضد هؤلاء الأبرياء وهو مالا يجوز شرعًا أو أخلاقًا.

ج. عندما تأتي هذه التفجيرات من جهة من يكونون في موضع المسئولية عن الحفاظ على أمن الناس يعد هذا من خيانة الأمانة التي تستوجب العزل والعقاب.

واذا كانت هذه هي الأدلة التي تبين حرمة القيام بهذه التفجيرات أيًا كان فاعلها ومدبرها, فبماذا يحتج القائمون بها

والمؤيدون لها؟                                                                                                                           

هذا ما سنوضحه في الفصل الثاني إن شاء الله.

د. عصام دربالة

المصدر: د. عصام دربالة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 18 أغسطس 2014 بواسطة gy

الجماعة الإسلامية ببنى مزار

gy
نحن جماعة دعوية تدعو للخيروتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكروتنصر المظلوم. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,253