بأي ذنب يقتل في يوم واحد عشرين.. واحد وعشرون
بقلم/ تراجي الجنزوري
"لا يروعن أحدكم أخاه مازحا ً كان أو جادا ً"
يوم الأحزاب.. بلغ الجهد بالنبي ومن معه مبلغه.. ووصل بهم الأمر أن نام النبي r في الخندق وذلك من شدة التعب.. ونام بجواره هذا الشاب زيد بن ثابت وسنه خمسة عشر سنة.. وقد وضع خنجره في وسطه.. فجاء أحد الصحابة فنزع الخنجر.. فلما قام زيد من نومه.. فلم يجد الخنجر في وسطه.. ففزع وروع.. ونادى: من اخذ خنجري؟
فاستيقظ النبي r فجاء من أخذ الخنجر وقال : والله.. يا رسول الله فعلته مزحة..فقال r: "لا يروعن أحدكم أخاه مازحا كان أو جادا".
هذا مع من أخذ الخنجر مزحة
فما بالنا بمن يفجر ويخيف ويروع ؟
فما بالنا بمن يقتل الإنسان..يدمر العمران..ويخرب البنيان ؟
عمرو بن العاص يكره أن يروع يمامة
تبيت اليمامة فوق خيمته كل ليلية.. فلما أراد الانصراف وجدوا اليمامة وضعت بيضها.. وها هي الفراخ تنظر منه فكره ترويعها.. وترك الخيمة على وضعها حتى لا يؤذي اليمامة..ومكث شهرا ًحتى لا يروع طائرا .
فما الذي يحدث في مصر.. تفجير هنا.. وفرقعة هناك.. وترويع ..وتدمير هناك..أي خلق هذا ؟
وصية الله إليكم
" قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"
منكر من الفعل وزور
إن ما حدث في الفرافرة من قتل للجنود جناية عظمى.. فقتل الأنفس وترويع الآمنين لبعيد كل البعد.. عن رسالة الإسلام السامية .
فالإسلام لم يأت يوما بقتل
الإسلام لم يأت يوما بتكفير
الإسلام لم يأت يوما بتفجير
الإسلام لم يأت يوما بتدمير
الإسلام لم يأت يوما بتخريب
بأي ذنب قتلوا
الدماء أول ما يقضى فيه يوم القيامة
فقولوا بالله عليكم بأي ذنب قتل هؤلاء.. ونبينا r يقول :
" الإنسان بنيان الله..ملعون من هدم بنيانه"..أيا كان نظامه.. وأيا كانت وجهته.
فالإسلام لم يعرف يوما القتل بسبب الانتماء.. وما عرف الإسلام طريقا لتكفير المؤسسات أو الأنظمة .
" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل نفس بغير حق " .. الدنيا بما فيها ومن فيها.. زوالها أهون عند الله من قتل نفس .
" من ساهم في قتل نفس ولو بشطر كلمة..أتى يوم القيامة مكتوب بين عينيه : "آيس من رحمة الله ".. فكل من جهز.. وكل من خطط.. وكل من أفتى.. وكل من شارك وبارك.. حق عليه الوعيد .
" لا يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما " ودماؤهم من الحرمة بمكان.. يقول ربنا :" مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً "
ما حدث الأمس الإسلام منه براء
هذا ديننا
إن الشمس في رائعة النهار لا تعتبر غائبة عن بصير..وتستطيع كل مرآة مجلوة الصفحة أن تعكس صورة لقرصها أو لهالتها أو لأشعتها..وشرعة محمد في عالم اليقين والخلق..شمس لا ينكر لها بريق..ولا يغيم لها ضوء
حيث أن إسلامنا العظيم يقوم على ركيزتين اثنين:
أولا ً.. تعظيم الحق
ثانيا ً..الإحسان إلى الخلق
لذلك تجد القرآن الكريم والسنة المطهرة دائما ما يجمعان بين إقام الصلاة التي هي تعظيم الحق وإيتاء الزكاة التي هي الإحسان إلى الخلق .
ورسالة محمد r هي الرسالة الخاتمة إلى جميع البشر..وهذا يقتضي أن تحمل هذه الرسالة من السمات والخصائص ما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان .
يقول عنها ابن القيم رحمه الله : إن الشريعة الإسلامية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد..وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها.
فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ومن الرحمة إلى ضدها ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة .
وعندما كانت الشريعة الإسلامية هي شعار البلاد وشريعة العباد..وكانت مثالا في أرض الواقع ولمس رحمتها وعدلها ويسرها غير المسلم.. إذ به يعلنها بالحق صريحة واضحة .. شهادة حق وصدق.. نشهد ألا إله إلا الله..وأن محمدا رسول الله..ودخل الناس في دين الله أفواجا .
الشريعة رحمة كلها
فأي رحمة كانت في قتل من قام يؤدي واجبه..من قام يزود ويدافع ويحرس ويحمي.."عينان لا تمسهما ....وعين باتت تحرس في سبيل الله" .
أي رحمة كانت في إزهاق روحه وسفك دمه .
أي رحمة في أن تحرم الأب والأم فلذة كبدهم ومهجة فؤادهم .
الشريعة عدل كلها
يا من قتلتم وسفكتم..أين العدل في فعلتكم .
فالأصل عندنا أن نكون دعاة لا قضاة..دعاة لا بغاة..دعاة لا ولاة .
فقولوا بالله عليكم..من أنتم ؟
دعاة..هذا يتنافى كليا مع من يقوم يدعو إلى الله .
فالداعي إلى الله..الرحمة سبيله..والعدل منهجه .
الشريعة مصالح كلها
أين المصلحة في التكفير؟
أين المصلحة في التفجير؟
أين المصلحة في القتل والتخريب؟
الواقع يقول لكم : ليس ثمة مصلحة في أفعالكم ..فالأمور تنتقل من السيئ إلى الأسوأ .
فأفعالكم بعيدة كل البعد عن تحقيق المصلحة..وهي من المفسدة بمكان .
وبدل أن تحببوا الناس في الدين.. كرهتموهم فيه ..أين المصلحة إذن ؟
الشريعة حكم كلها
لا يخفى على ذي نظر..أن هذه الأفعال بعيدة كل البعد عن الحكمة..بل هي العبث بنفسه.
تكفير..تخريب..تفجير..هذا هو عين العبث
وكل أمر انتقل من الرحمة إلى الشدة فهو ليس من الشريعة.. وكل أمر انتقل من العدل إلى الجور فهو ليس من الشريعة..وكل أمر انتقل من المصلحة إلى المفسدة فهو ليس من الشريعة..وكل أمر انتقل من الحكمة إلى العبث فهو ليس من الشريعة .
أسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
الأربعاء الموافق:
25- رمضان 1435هـ
23-7-2014