الجهاد : "الحقيقة الغائبة "
د.عصام دربالة
الجزء الثانى
خامسا: الجهاد تضحية و فداء و إيثار للآخرة و لمصالح الدين :
أحسب ان اقتران حقيقة الجهاد بالفداء والتضحية أمر لا يحتاج الى مزيد من شرح او كثير تدليل , فليس هناك ما هو أغلى من النفس والمال والجهد والوقت عند البشر , وهى أمور يقدمها المجاهد بكل رضى وترحاب و إصرار فى سبيل الله وهذه التضحية تعكس إيمانا عميقا بمنهج الإسلام وإيثارا للآخرة وانتصارا على النفس والهوى والشيطان وذلك الانتصار فى تلك المعركة مع النفس بمثابة المقدمة الضرورية اللازمة للإقدام على خوض القتال فى ساحات الوغى لدحر الأعداء .
وإذا كان الجهاد قرينا للتضحية فليس معنى هذا أنها تضحيات من جنس المقامرات أو المغامرات، او تنطوي على التغرير بالأرواح دون رجاء خير او الوصول لمصلحة , لان مفهوم التضحية الذى يقدمه لنا الجهاد فى الإسلام يرتبط بحسابات المصالح الكلية والقدرات الذاتية فهى تضحيات هادفة وتنطلق من حسابات صائبة .
ــ وإذا كان من ينتدب نفسه للجهاد قد آثر مصلحتة الأخروية على مصالحه الدنيوية فهو أيضا يؤثر عند إقدامه على تلك التضحية المصلحة الكلية المتعلقة بأمته ووطنه على مصالحه الذاتية ورغباته الشخصية فلا تضحية بغير هدف، ومن ثم فلا جهاد فى غير ميدان .
وإذا كان المنطق الغالب على كثير من الناس عند الاختيار ووقت الأزمات : نفسى نفسى , فمنطق المجاهد هو امتى امتى , وشانه شان هذا الشاب المجاهد الذى حمل على العدو وهو ينشد:
أحسن بمولاك سعيد ظنا هذا الذى كنت له تمنى
تنحى يا حور الجنان عنا لا فيك قاتلنا ولا قتـــلنا
لكن الى سيـــدنا اشتـــقنا قد علم السر وما أعلنا
ثم حمل وهو يقول:
قد كنت أرجو ورجائي لم يخب أن لا يضيع اليوم كدى والتعب
يامن ملأ تلك القصور باللع لولاك ما طاب وما طاب الطرب
ثم حمل على صف العدو فقاتل حتى قتل, وهو فى ذلك يسير على خطى عبد الله بن رواحه الصحابي الجليل الذى اقبل على القتال و هو يرتجز
أقسمت يا نفسى لتنزلن لتنـــــــــــزلن او لتكرهن
قد اجلب الناس وشدوا الرنه مالي أراك تكرهين الجنة
يا حبذا الجنة واقتــــــرابها طيبة وبـــــــــارد شرابها
يا نفس إن لم تقتلي تمــــوتى هذه حمام الموت قد صليت
وما تمنيتي فقد اعطيــــــــتى إن تفعلي فعلاهــــما هديت
سادسا : الجهــــاد عدل ورحمــة وسماحة.
جاءت أحكام الجهاد فى سبيل الله وغاياته ترجمة لقيم العدل والرحمة والتسامح فى تزاوج فريد بديع رغم ان الحروب عنوانها الغلظة والقسوة وقلما تخلو من البغى و العدوان .
جاءت تلك الأحكام منطلقة من قوله تعالى ( اعدلوا هو اقرب للتقوى ) "المائدة 8" . ومن قول النبى صلى الله عليه وسلم ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل ) .
ومن عدل الإسلام ورحمته ان يجعل الجهاد فى مقابلة كيد المعتدين , قال تعالى : ( وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا .. إن الله لا يحب المعتدين ) "البقرة 190" ومن عدل الإسلام ورحمته ان يجعل الجهاد نصرة للمستضعفين والمظلومين , قال تعالى : ( وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعـل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) "النساء: 75" .
ومن عدل الإسلام ورحمته ان يكون الجهاد فيه لقطع الفتنة ... قال تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين )" البقرة: 193" .
وكم كان الإسلام عادلا حين اشترط أبلاغ دعوة الإسلام الى الخصوم قبل ان تبدأ المنازلة .
وكم كان الإسلام رحيما عندما منع قصد النساء والأطفال بالقتال , وعندما حرم على أتباعه قتل أصحاب الصوامع و الحرث و الشيوخ والزمنى، ونهى عن المثلة وان يقتل الرجل أباه .
ومن سماحة الإسلام ان لا يكره أحدا من خصومه على اعتناقه بل يتركهم أحرارا وما يعتقدون و ما يدينون.
ومن سماحته العفو عند المقدرة والصفح عند الغلبة , وهذا العدل وتلك الرحمة وهذا التسامح هو الذى دفع احد المستشرقين الى القول : ان المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم و روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى , وأنهم مع امتشاقهم الحسام نشرا لدينهم تركوا من لم يرغبوا فيه أحرارا فى التمسك بتعاليمهم الدينية. أ . هـ
واذا كنا فى هذا المقام لا نسعى لاستقصاء تلك الأحكام التفصيلية التى ترجمت قيم العدل والرحمة والتسامح الى حقيقة واقعية فإننا نكتفي بذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول لهم : ( انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله , ولا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا , وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا ان الله يحب المحسنين ) أ . هـ
الكون بين نموذجين : جهد الرحمة و حروب القسوة :
نعم.. جاء الإسلام بجهاد كله رحمة وعدل وترجمه رسول الأمين - عليه الصلاة والسلام ـ واقعا معاشا وصار منهجا متبعا توارثه كل من سار على هديه واخذ بسنته الشريفة ومن ثم حفلت صفحات التاريخ بالنماذج العديدة التى عرفت حقيقة الجهاد والتزمت به فى وقت كان غيرهم لا يرى فى الحرب الا البطش والقسوة ، ومن هنا صار المشهد الكونى امام نموذجين ؛ نموذج الجهاد الرحيم، واخر للجهاد بلا خلق او ضمير .
ولعل فى ذكر امثلة لكل نموذج ما يوضح لنا بعضا من معانى الجهاد التى نبحث عنها ونبغى تسليط الضوء عليها.
ــ امثلة من مدرسة الجهاد الرحيم :
ولنقف مع موقفين عظيمين لقائدين مسلمين تربوا فى مدرسة الجهاد الرحيم , وساروا على هدى معلمهم العظيم ورسولهم الكريم :
ـ فلنقف أولا مع صلاح الدين الايوبى وقد نصره الله على الصليبين ودان له بيت المقدس وصار تحت سيطرته بكل من يعج بهم من الصليبين ... فماذا فعل ؟
لم يفكر صلاح الدين فى الانتقام ولو فعل ما لامه احد ولم يفكر فى الإذلال ولو فعل ما فوجئ احد .
لكن المفاجأة كانت فيما صنع مع اكثر من مائة ألف صليبي .... فقد أعطى لهم السلطان الأمان على أنفسهم وأموالهم .
وسمح لهم بالخروج مقابل مبلغ يسير يدفعه المفتدرون خيرة .
وأعطاهم أربعين يوما مهلة للخروج من بيت المقدس فخرج منه اربع وثمانون الفا، ولحقوا ببنى جلدتهم فى مدينة صور وعكا وصيدا وأرسل السلطان معهم ن يحميهم .
أطلق السلطان كثيرا من فقراء الإفرنـج ومن غير فدية، وأدى شقيـقه الملك العادل الفدية عن ألفى رجل منهم، ومن عجيب الأقدار ان قصد بعض هؤلاء الفقراء الصليبين الى إنطاكية فأبى أميرها الصليـبى قبولهم فهاموا على وجوههم حتى آواهم المسلمون , اما من ذهب منهم الى طرابلس التى كان يسيطر عليها الصليبيون اللاتين فقد ابو قبولهم , ولم يكتفوا بذلك بل سرقوا أمتعتهم التى منحها لهم المسلمون .
ـثم كانت وقفة السلطان صلاح الدين الرحيمة بنساء الصليبين حين اجتمعن معه وتوسلن اليه قائلات : ( نحن إما زوجات او أمهات او بنات من اسر و من قتل من الفرسان و الجنود و لا عائل لنا و لا مأوى ) .. وبكيـن وتأثـر السلطان فأمر بإطلاق الأسرى من رجالهن , اما اللواتي مات أولياؤهن فقد منحن مالا كثيرا وسمح لهؤلاء جميعا والذين من عليهم بالانصراف فانصرفوا وهم يلهجون بالثناء عليه أينما ساروا .
فهل هناك رحمة أعظم من هذه ؟! وهل هناك إعلاء للكرامة الإنسانية مثل هذا ؟!
ــ ولنقف وقفة أخرى مع السلطان العثماني محمد الفاتح , وقد فتح الله عليه مدينة القسطنطينية فى عام 1453 م، وقد دخل كنيسة أيا صوفيا التى لجأ إليها رجال الكنيسة و اعتصموا بها فقابلهم مؤكدا حمايته لهم وطالبا من النصارى من أهل المدينة ـ الذين فزعوا إليها العودة إلى منازلهم امنين , ثم أمر بجمع كل اثأر القديسين التى نهبت يوم الفتح وسلمها الى الكنائس والأديرة وترك لهم الحرية فى أتباع كنائسهم و قوانينهم المالية وتقاليدهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية وكل ما يتعلق بحرياتهم الدينية , ثم جمع السلطان رؤساء الكنائس لينتخبوا بطريكا عليهم فاختاروا من يدعى جورج سكولاريوس , وثبت السلطان هذا الانتخاب واحتفل بتثبيته بنفس الابهه التى كانت تتم فى أيام ملوك الروم , ومنحه السلطان حق الحكم فى القضايا المدنية والجنائية بكافة أنواعها المختصة بطائفته، وعين معه فى ذلك مجلسا مشكلا من اكبر موظفي الكنيسة و أعطى هذا الحق للمطارنة والقساوسة فى مختلف ولايات الدولة .
ولا عجب من تلكم الرحمة ، ولا غرابة من منطق السلطان صلاح الدين أو السلطان محمد الفاتح فكلاهما قد تشرب نقش في قلبه وتشرب ضميره بصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى قالها لأهل مكة بعد ما فتحها وصاروا فى قبضته وهم الذين آذوه وطردوه من بلده وحاربوه , وهاهم يسألونه : ما انت فاعل بنا ؟ فقال قولته الخالدة : ( اذهبوا فانتم الطلقاء ) .
نعم لقد تشرب هؤلاء من هدى النبى الكريم الذى كان ينهى عن قصد قتل النساء والأطفال والشيوخ و الرهبان و الحراث و الزمنى، و يأمر بالوفاء بالعهد والحفاظ على الذمة وأهلها فكيف بعد ذلك لا يكون جهادهم جهاد رحمة ؟!
أمثلة من مدارس الحرب القاسية الغاشمة :
وإذا بدأنا باليهود لهالنا حجم القسوة والغلظة التى تملأ نفوسهم تجاه غيرهم , فهم فى ظنهم شعب الله المختار وتعاليمهم تقول : لن نترك حيا اى شيئا يتنفس ( سفر التثنية ) الآية "160 - 161" , الآن اقتل كل ذكر بين الصغار ( سفر الأعداء).
وطالما الأمر كذلك فلا غرو أن تأتى إجابات الحاخامات على سائليهم على هذا النحو الذى نجده فى إجابة الحاخام الاسرائيلى شمعون وايزر عندما سأله جندى اسرائيلى : هل من الجائز قتل العرب العزل من السلاح والنساء والأطفال ؟ وهل نعامل العرب مثل العماليق ؟ اى نقتلهم حتى نستأصل ذكراهم فى الأرض استنادا الى ما جاء فى سفر التثنية ( ولتمح ذكرى العماليق من تحت السماء ) .
ورد الحاخام على الجندى برسالة جاء فيها : (سأنقل لك بعض أقوال الحكماء وأفسرها وذلك، ان الحرب لدى غير اليهود ذات قوانين خاصة مثل قوانين لعب كرة القدم او السلة، لكن الحرب عندنا كما يقول حكماؤنا : لا تعنى بالنسبة لنا لعبة بل ضرورة حيوية ، واستنادا الى هذه المقاييس فقط ينبغى التفكير حول كيفية القيام بها؛ و لذلك أقول لك : أفضل غير اليهودى اقتلوه وأفضل الافاعى هشموا رأسها .
وتلك هى قاعدة طهارة السلاح) .
وعندما قرأ الجندي رد الحاخام أرسل إليه مرة أخرى يقول له : لقد تلقيت رسالتك وفهمتها على النحو التالى : لا يسمح لى فى زمن الحرب بقتل كل عربى او امرأة أصادفها وحسب , بل من واجبي القيام بذلك , وعن نفسي فان من واجبي قتلهم حتى اذا نجمت عن ذلك مشكلات مع القانون العسكري ، واعتقد ان فكرة طهارة السلاح يجب تعميمها على المعاهد التعليمية ، وأرجو ان تنشط ايها الحاخام فى شرح هذه الفكرة كى يعرف جنودنا موقف أسلافهم بوضوح كامل!!
ــ ولربما كانت قاعدة "طهارة السلاح" تلك وراء قيام الجيش الاسرائيلى بدفن آلاف الأسرى المصريين وهم أحياء فى صحراء سيناء إبان حرب 1967 ، ولعلها كانت فى قلب وضمير كل من شارك من الصهاينة فى المذابح وما أكثرها للفلسطينيين بدء من دير ياسين 1948 ومرورا بمذبحة صبرا وشاتيلا في 14 سبتمبر 1982 وانتهاء بالمذابح اليومية للفلسطينيين التى تجرى على قدم وساق لأبطال الانتفاضة الفلسطينية الباسلة رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا, وهذا المنهج هو ذاته الذى يصوره الشاعر الصهيونى شيرنجوفسكى فى قصيدته التى يقول فيها: اعطى سيفي لانتصر على اعدائى سوف اقطع كحاصد واجتز جذورهم وسوف أشهر يدي اليمنى القوية واذبح اعدائى واجعل سيفى يشرب فخورا من دمهم وستحسم خطواتي فى دماء الصرعى وتدوس قدماي على شعر رؤوسهم وسأقطع من يمين واحصد من شمال.
ــ واذا انتقلنا الى مدرسة اخرى من مدارس الحرب الغاشمة فسوف نجد فيها أهوالا قلما نجد لها نظير , فالحروب الصليبية تمثل نموذجا يكشف حقيقة هذه المدرسة ونقلب صفحاتها لنعرف كم كانت هذه الحروب غاشمة وكم كانت قلوبهم قاسيه.
ففى القرون الوسطى عندما زحف الصليبيون الى بيت المقدس وقفوا أمام بلدة معرة النعمان بسوريا وحاصروها حتى اضطر أهلها للاستسلام بعد أن أخذوا من رؤساء الحملة عهودا مؤكدة بالمحافظة على النفوس والأموال والأعراض فما كادوا يدخلونها حتى ارتكبوا من الفظائع ما تشيب له الولدان , وقدر بعض المؤرخين الإفرنج الذين كانوا فى هذه الحملة عدد الذين قتلوهم بين رجال و نساء وأطفال بمائة الف.
ثم تابعوا سيرهم الى بيت المقدس (وهي مدينة القدس الحالية) وشددوا الحصار عليها فراى اهلها انهم مغلوبون لا محالة فطلبوا من قائد الحملة الصليبية الامان على أنفسهم و أموالهم فأعطاهم راية يرفعونها على المسجد الأقصى ويلجأون إليه امنين على كل شئ , ولكن ما ان دخلوا المدينة المقدسة حتى شنوا حملة القتل والذبح والإبادة على الرجال والنساء والأطفال وعلى كل من دخل المسجد المقدس من الشيوخ والأئمة والعباد والزهاد فسالت الدماء حتى ارتفعت الى ركبة الفارس وكانت الشوارع تعج بالجماجم المحطمة والأذرع والأرجل المقطعة والأجسام الآدمية المشوهة , ويذكر المؤرخون ان عدد الذين ذبحوا فى داخل المسجد الاقصى فقط وصل الى سبعين الفا ولا ينكر مؤرخو الفرنجة هذه الفظائع وكثير منهم يتحدثون عنها فخورين .
ــ وإذا ما انتقلنا الى اشبيلية بالأندلس فى عام 1002 م فسنجد إعلانا كنسيا بطرد المسلمين أعداء الله من اشبيلية و ما حولها اذا لم يقبلوا المعمودية وبشرط ألا يذهبوا الى طريق يؤدى الى بلاد إسلامية , ومن يخالف ذلك فجزاؤه القتل .
ــ ولا ينسى المسلمون فى روسيا ما فعله القيصر ايفان الرهيب و حرب الإبادة الشاملة التى شنها ضدهم، فقد فرض عليهم ان يتنصروا او يتركوا أوطانهم .
ــ وإذا ما انتقانا الى روسيا الشيوعية فحدث و لا حرج عن أبشع الممارسات وأخس الوسائل منذ عهد ستالين ومرورا بالتدخل السوفيتي فى أفغانستان 1979م وانتهاء بما يحدث اليوم فى الشيشان .
ـ وإذا ما انتقلنا الى إقليم كوسوفو ذى الأغلبية المسلمة الألبانية والذى تعرض لحملة صربية لتغيير طابعه الاسلامى لوجدنا أهوالا يشيب لها الولدان , ولنتعرف على جانب منها من خلال بعض الشهادات الاتيه :
أ ـ فقد قال ممثل منظمة الأمن والتعاون ( ساندى بليت ) انهم جمعوا 1400 شهادة حول انتهاكات حقوق الإنسان ابتداء من قتل المدنيين وعمليات التعذيب، واغتصاب النساء ، وطرد السكان، ونهب الأموال ،وتدمير الممتلكات والسرقات.
ب ـ وكشف خافير سولانا الأمين العام لحلف الناتو عن وجود ادلة مثيرة عن قيام هؤلاء الصرب بجريمة التطهير العرقى بمعنى أنهم كانوا يقتلون السكان الألبان المسلمين على قدم وساق .
ج ـ وقال وزير الخارجية البريطانى روبين كوك: إن القوات الصربية كانت تستخدم الألبان المسلمين كدروع بشرية عندما هاجمتهم طائرات خلف الناتو .
د ـ وقال وزير الدفاع الامريكى وليم كوهين في مقابلة مع شبكة (سي بي سي الأمريكية) إن نحو 100 ألف رجل فى سن القتال من ألبان مسلمي كوسوفا فقدوا فى هذا الإقليم وربما قتلتهم القوات اليوغسلافية .
هـ ـ قال المتحدث باسم حلف الناتو السابق الإشارة إليه : ان هناك ( 741) طفلا يبحثون عن عائلاتهم وفى مقابل ذلك هناك ( 6382) من الأزواج الذين يبحثون عن أولادهم .
ــ وماذا عن أمريكا اليوم :
يحلو للساسة الأمريكيين الحديث عن الحرب العادلة والحرب النظيفة والمهمة المقدسة فى نشر الحرية والديمقراطية عبر استخدام كافة الوسائل بما فيها الأسلحة الذكية .
وصدق البعض هذه المقولات البراقة إلى أن أيقظهم دوى ام القنابل والصواريخ الذكية توماهوك و كروز وهى تصب على رؤوس المدنيين صبا فى أفغانستان والعراق و البقية تأتى.
لكن المتتبع للتيارات الفكرية فى أمريكا اليوم واتجاهات المجموعة الحاكمة بواشنطون لن يجد كبير عناء فى اكتشاف حقيقة تلك الشعارات , واكتشاف أننا أمام الحرب القذرة الظالمة , ولسنا أمام أسلحة ذكية , بل أمام أسلحة غبية مدمرة ولسنا أمام التبشير بالحرية بل أمام التخطيط للهيمنة الأمريكية على العالم بما يحقق المصالح الأمريكية لأجل غير مسمى .
ــ فالحرب الأمريكية اليوم استباقية ووقائية، وهى ايضا للحفاظ على المصالح الأمريكية ولو كان ذلك خارج الحدود وهى ايضا لفرض نموذج القيم الأمريكية على كل العالم .. ولنستمع للرئيس الامريكى فى خطابه حالة الاتحاد وهو يقول : ( ان أمريكا ستكون القائد فى هذه الحرب بالدفاع عن الحرية والعـدالة ؛ لأنهما الحق والصواب الثابتان لكل الناس فى كل مكان )
بل ان من هؤلاء الساسة والمثقفين من يروجون لمفاهـيم الحرب العادلة كأمر تلتزم به الولايات المتحدة الأمريكية فى حروبها .
فقد جاء الاتى فى خطاب موجهه الى الأمة الأمريكية والمجتمع الدولى من ستين أكاديميا أمريكيا بارزا على رأسهم (فوكوياما) صاحب كتاب ( نهاية التاريخ) وصموئيل هينتنجتون صاحب كتاب ( صدام الحضارات ) بعنوان من اجل ماذا نحارب ... خطاب الى أمريكا
الحرب العادلة يجب ان تتصف بأمرين :
1 ـ ان تشنها سلطة شرعية .
2 ـ ان لا تستهدف غير المحاربين الا فى ظروف قد يعد امتدادها لإيذاء بعض المدنيين بغير قصد مسبق مبررا أخلاقيا.أ.هـ
واذا ما طبقنا هذه الضوابط على ما حدث فى العراق فلنا ان نتساءل أين الشرعية فى هذه الحرب كى تصير حربا عادلة ؟ أين هى ونحن نرى الرفض الشعبى العالمى والرفض الدولى ممثلا فى مجلس الأمن والأمم المتحدة ؟ ثم أين الالتزام
بعدم إيذاء المدنيين والطائرات B52 تفخر أمريكا أنها تلقي بين الفينة والفينة قنبلة وزنها عدة أطنان على أحياء بغداد السكنية.
وهذا الصنيع غير مستغرب من دولة غاصت أقدامها فى حرب فيتنام ومن قبل قصفت مدينتي هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين بالقنابل النووية ابان الحرب العالمية الثانية , تلك الحرب التى وضعت أوزارها عام 1945 م مخلفة وراءها 55
مليون نسمة من الضحايا كان بينهم 3 مليونا من المدنيين وهو رقم فاق عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى (1914 - 1917م) الذى بلغ 37 مليونا من الجرحى والقتلى والمفقودين .
وكل هذا دفع الكاتب الامريكى ناعوم تشوفسكى الى ان يقول : ( اذا رصدنا أفعال أمريكا فى العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم لتبين لنا انها اكبر دولة إرهابية فى العالم . ) أ . هـ
تلك سطور من صفحات الحرب القاسية المخزية استعرضناها لعلها تكشف عن الفارق الشاسع بين مفهوم الجهاد فى الإسلام وعند غيره من الامم عندما يوضع كل منهما على محك الممارسة فكما يقال :
فالضدد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز الأشياء
ــ عود على بدأ :
وهكذا تتبلور من خلال الاستعراض السابق حقيقة الجهاد كحقيقة مركبة من أبعاد متعددة متكاملة لا يصح اختزالها فى احد ابعادها .
فالحقيقة الغائبة للجهاد تقدم لنا جهادا شاملا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدعوية وبالطبع العسكرية .
وهى تعنى ايضا ان الجهاد ما هو الا وسيلة من الوسائل العديدة التى أبانها المنهج الاسلامـى لبلوغ غايته النبيلة .
وهى تبين كذلك ارتباط الجهاد وجودا وعدما بالمصالح المأمولة والقدرات المملوكة فى ظل الالتزام بالأحكام الشرعية المنظمة له والمقاصد الإسلامية الكلية الموجهه له .
تقدم لنا الحقيقة الغائبة للجهاد مفهوما للجهاد يمزج بين العدل والرحمة والسماحة ليلتزم به كل من انتصر على النفس قبل دحر الخصم واختار طريق التضحية والفداء لمنازلة الأعداء .... تلك هى حقيقة الجهاد الغائبة نتمنى ان تصيرالآن جلية واضحة .