من تراث الشيخ عمر عبدالرحمن: شهر رمضان ثروة وثورة
بقلم د. عمر عبدالرحمن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
يا شباب الإسلام في كل أنحاء العالم نحن نستقبل شهر رمضان نستقبل أيامه الغراء ولياليه الزهراء فنلتقي فيه بالإيمان المتدفق الوثاب الذي يملأ القلوب ويفيض على الجوارح ونلتقي فيه بتقوى الله لعلكم تتقون التقوى التي هي حساسية في الشعور ويقظة في الضمير فالصيام يوصلنا إلى نهاية درجات التقوى بالزهد والورع بعد أن أوصلتنا العبادات الأخرى إلى أوائل درجات التقوى بالإعتدال والإستقامة .
وإذا كانت سائر الواجبات قد أثمرت من التقوى الكف عن الخبيث المحرم فإن التقوى التي يثمرها الصوم أوسع وأعم حيث يعلمنا كيف نكف عن بعض الحلال والمباح وما هو من مقومات الحياة . فبداية الطهر طهر الأبرار بترك المحارم ونهاية الطهر طهر الأخيار بالتحرر من عادة التَرف والعيش الناعم حتى إذا جاء الغد وجد الجد ودعي الداعي إلى التضحية العظمى بالجهاد في سبيل الله نكون قد أخذنا للأمرعُدته حيث مارسنا الصبر وشدته ويومئذ نرضى بالظمأ والنصب والمَخْمصة في سبيل الواجب ولا نرضى أن نعود إلى التَرف والنعيم تحت الذل وفي قبضه الغاصب .
فأنت إذ تصوم أيها الشاب المسلم فقد تدربت على الصبر وتمرنت عليه تعلمت أن لا تذل نفسك للقمة العيش وأنك تستعد في أي وقت أن تربط على بطنك ,أن تترك طعاما فيه مذلة ومهانة . تدرب نفسك على العزة والقوة وعلى الثبات والصبرعلى أن لا تُذل لمخلوق مهما كان مقامه وأن لقمه العيش لا تؤثر في كرامتك وعزتك ولا تطأطئ رأسك من أجلها إنما تطأطئ رأسك لمن تعنو له الجباه (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ) .
والتقوى التي يعلمنا الصوم إياها في شرطها الأول كف وإنتهاء وفي شرطها الثاني إنشاء وبناء فلا يقف الأمر عند إسكات صوت الهوى إنما يكون إسكات صوت الهوى تمكينا من كلمه الحق والهدى لابد أن ينطلق لسانك بقول الحق والدعوة إلى الثبات عليه وأن ترفع صوتك بالنهي عن المنكر غير هَيَّاب ولا وَجِل لا تأخذك في الله لَومة لائم ، فتزلزل الدنيا وترج الآفاق وأنت تقول الحق وتفضح الظالم .إن شهر رمضان يعطيك قوة وثباتا ويمنحك إراده قوية وعزما أكيدا وصرامه في قول الحق .
إن صيام شهر رمضان ثروة وثورة ، ثروة تأخذ منها العطاء والسخاء والجود والكرم _ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان _ وتأخذ منها الدعاء والسؤال والتضرع والابتهال (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) وتأخذ منها الإعتكاف لا سيما في العشر الأواخر عن عائشة (رضي الله عنها ) قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل العشر الآواخر شد مأزره وأحيا ليلة وأيقظ أهله .
وصيام رمضان ثورة ترج ونزلزل عروش الظلم والطغيان وتسحق وتمحق صروح البغي والعدوان فعلى امتداد التاريخ الإسلامي ثورات تنشب وتتأجج في رمضان وكان الجهاد يتزايد ويتضاعف في رمضان ففي صدر الإسلام كان في رمضان يومد بدر وكان في رمضان يوم الفتح وفيه تسمع كلمات الثورة والقوة وإبعاد شبح الضعف والجبن والخَور من صحابي يقول كلماته التي تدوي في الدنيا (امض يا رسول الله لما أردت فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إننا هاهنا قاعدون ) ولكن نقول ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك والذي نفسي بيده لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ) . فَسُر رسول الله ( صلى الله عيله وسلم ) ودعا له بخير، ثم قال -صلى الله عليه وسلم - أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار ، فقال سعد بن معاذ – يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على الصبر والطاعة لك فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي نفس محمد بيده لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد إنا لصُبر في الحرب صِدق عند اللقاء فاقطع حبال من شئت وصِل حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت واعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما أعطيت .هذه الكلمان الصادقة سمعها العالم وسمعها التاريخ .
في رمضان كذلك نسمع قول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في رمضان يوم فتح مكة يوم دخلها ظافرا منتصرا وجاء نصر الله والفتح قال لأهل مكة وهم قعود في المسجد الحرام : لا إله إلله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده . يأهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
وإذا كان شهر رمضان ثروة وثورة فإن شهر مضان نار ونور – نار تفري قلوب الأعداء وتشتعل فيهم فتحرقهم وتستأصلهم ونور يسري في قلوب الأولياء فيهدهد أرواحهم ويمسح جراحهم ويضيء طريقهم ويبعث فيهم الهمة والنشاط والقوة .
أيها الشباب الإسلامي في كل مكان لابد أن تضاعفوا الجهد وتعملوا ليل نهار في سبيل الله ولإعلاء كلمته .
فعليكم يا شباب الإسلام أن تستيقظوا وأن تنتبهوا من غفلتكم فقد مضى عهد النوم حقا مضى عهد النوم وبدأ عهد الكفاح والبذل والعطاء سيروا على بركة الله تحرسكم رعاية الله وعنايته وينزل الله عليكم مددا من عنده .
نشرت فى 19 يوليو 2014
بواسطة gy
الجماعة الإسلامية ببنى مزار
نحن جماعة دعوية تدعو للخيروتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكروتنصر المظلوم. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
23,163