بقلم: د. طارق الزمر

لقد كشفت المبادرة المصرية بخصوص وقف العدوان على غزة (سياقًا ومضمونًا وأهدافًا وصياغة) ما يجب أن نهتم به ونلقي عليه الضوء، وهو ما يتعلق بالدور المصري في المنطقة والمحدد بشكل صارم بقيود والتزامات "كامب ديفيد"، وهو الدور الذي ساهم في تدعيم الغطرسة والعدوان الإسرائيلي في المنطقة منذ 1978، فضلاً عن خدمته للمشروع الإسرائيلي طالما بقيت هذه الاتفاقية بنفس الأهداف.

والحقيقة التي لا تخطئها العين ولا يمكن لقارئ لمشهد التحكم الأمريكي في كل مسارات الحركة بالمنطقة ومتابع لمظاهر الهيمنة الإسرائيلية فيها إلا ويعود لكامب ديفيد التي تعد اتفاقية حاكمة على العديد من الأوضاع في المنطقة، ومتحكمة في معظم مسارات العمل والحركة، ومسيطرة على أي اتجاه للتغيير أو الإصلاح فيها، وذلك طبعا على مستوى التخطيط، بغض النظر عن قدرة أطرافها على تحقيق طموحاتهم أو بالأحرى أطماعهم.

لكن الأهم في هذه الاتفاقية - بطبيعة الحال - هو ما يتعلق بأي تطور ذي صلة بالصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولاسيما في وجهه الغزاوي المشتعل منذ الانفصال، ومن هنا لابد وأن يتضح بجلاء مدى العلاقة بين الانقلاب والكيان الصهيوني في محاصرة غزة ومحاولة السيطرة عليها بعد إحكام الحصار عليها، بل لابد وأن يبرز أساساً مدى علاقة إسرائيل بالانقلاب الذى لا يخطئ من يعرّفه بأنه انقلاب إسرائيلي بامتياز مهما تعددت الأطراف الداعمة له.

وهنا قد يتصور البعض أن "أوسلو" هى الأقرب لتحمل تبعة مثل هذا العدوان على غزة برغم أن الحقيقة التي تغيب عمن يفكر بهذا المنطق أنه لولا كامب ديفيد ما كانت "أوسلو" بل وما كانت "وادى عربة"، فكامب ديفيد قد وضعت المنطقة كلها على مدرج سفح جبل مرتفع ليس أمامها سوى أن تتدحرج عليه، ومن هنا أيضا يدفع الأبطال في غزة أثمانا غاليا من دمائهم ليحاولوا الصعود مرة أخرى في مواجهة قصف نيراني مكثف يعتمد بالأساس على الغطاء السياسي والاستراتيجي الذي وفرته "كامب ديفيد" أكثر مما يعتمد على القدرة العسكرية والتفوق التقني!!

وفى هذا الإطار يجب أن نتذكر أن "كامب ديفيد" لها دور كبير في ضمان أمن إسرائيل، ومن ثمّ القيام بواجبات مشتركة في مواجهة أعدائها وهم كل المقاومين لعدوانها أو الذين يفكرون في ذلك أو يتضامنون مع ذلك. كما يدخل ضمن أهداف "كامب ديفيد" - سواء كانت صريحة أو ضمنية مباشرة أو غير مباشرة- العمل على تقويض القضية الفلسطينية بتحويلها أولا إلى قضية حكم ذاتي وصولا إلى اعتبارها مجرد قضية لاجئين!!

اتفاقية بهذه الأهمية بالنسبة للكيان الإسرائيلي لا يمكن أن يفرط بها، بل ولا يمكن أن يتنازل عن وجود نظام مصري يحميها ويدافع عنها ويلتزم بكل استحقاقاتها خطوة تلو أخرى، وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن أقرب توصيف للنظام الذي دشن الاتفاقية - وهو نظام السادات - ومن بعده النظام الذى حرص عليها لعدة عقود - وهو نظام مبارك - ومن بعده النظام الذى يتأسس الآن لاستكمال ذات المسيرة أنه "نظام كامب ديفيد" فأهم واجباته هو الدفاع عنها، وأكبر أهدافه هي الأهداف التي تضعها له وأهم أسباب بقائه مرتبطة بمدى التزامه بها!!

لهذا فقد حرص جيل المؤسسين لهذه الاتفاقية أن يؤمنوا كل أسباب استمرارها وبالأخص على الجانب المصري، لهذا كان الحرص بالغا في تأسيس نظام يلبي كل متطلبات "كامب ديفيد"، وهو النظام الذي أسسه السادات بمشاركة حثيثة من هنري كيسنجر أهم مخططي السياسة الخارجية الأمريكية:

فكان لابد من الانفتاح الاقتصادي الذي يوجد طبقة رجال الأعمال الفاسدين فيما أطلق عليهم في السبعينيات "القطط السمان" والذين تحولوا في عصر "مبارك" وما بعده لوحوش ضارية، وهي طبقة ضرورية لحماية النظام وامتصاص دماء الفقراء الذين هم غالبية المجتمع، حتى يظلوا يزحفون على بطونهم بحثا عن لقمة العيش.

وكان لابد من تأسيس الحزب الوطني الذي يدافع عن توجهات النظام الرئيسية وأهمها "كامب ديفيد"، فلا تكون الاتفاقية مجرد عقد مع رئيس ثم تذهب أدراج الرياح حال وفاته، بل هناك كيان سياسي يدافع عنها مهما تعاقب الرؤساء.

وكان ولابد من تكريس قواعد لتزوير الانتخابات تضمن استمرار هذا الحزب في السلطة مهما تدنت شعبيته أو تلوثت سمعته، فكان قرار حل برلمان 1977 وإجراء انتخابات مزورة بالكامل عام 1979 لم يفز فيها سوى معارض واحد وقفت أسرته بالبنادق الآلية فوق الصناديق لمنع مؤسسات الدولة من تزويرها!!

وهكذا كان لا يمكن تصور أن تنجح الثورة المصرية في ظل بقاء قوى كامب ديفيد متنفذة وحاكمة في المشهد المصري، وهي قوى حرص صانعو النظام على تشبيكها وتركيبها داخل المجتمع، بحيث تكون قابلة للعودة التلقائية لحكم مصر بدواعي المصالح المشتركة بل والمخاطر الواحدة. وهكذا لا يمكن تصور قبول إسرائيل بنظام ديمقراطي في مصر؛ لأنه في الحقيقة سيفرز القوى ذات الشعبية وهي القوى التي لا ترغب إسرائيل في التعامل معها.

وهكذا جاء الانقلاب على الثورة من المؤسسة العسكرية صاحبة العلاقات المتميزة مع إسرائيل، بالتعاون مع مؤسسات الدولة العميقة التي تربت في عصور الاستبداد، وتعودت على مناخاته، ولا تطيق أن تعيش بعيدًا عن الفساد الذى يتيحه لها، إضافة إلى رجال الأعمال الذين لا يحيون في غير البيئة الفاسدة التي يوفرها لهم النظام الفاسد!!

_______________________

رئيس حزب البناء والتنمية، والقيادي بتحالف دعم الشرعية

المصدر: د/طارق الزمر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 47 مشاهدة
نشرت فى 19 يوليو 2014 بواسطة gy

الجماعة الإسلامية ببنى مزار

gy
نحن جماعة دعوية تدعو للخيروتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكروتنصر المظلوم. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,910