غانم سرحان صاحي
كم يستقبح احــدنا شخصاً قاطع كلامنا ونحن نتحدث مع غيره دون أن يــراعي أصول الأدب ، وكم عاقب الآباء أبنائهم والأساتذة تلامذتهم والمديرون موظفيهم حيث تبدر منهم إساءة أدب من قطع الحديث أو صرف الذهن وعدم الاكتراث بما يقول أو الإنصات دون اعتبار أو التكلم مع غيره دون أن يعيروا متحدثيهم أدنى اهتمام والمتحدث إليهم أسمى منهم مرتبة ، بل وكم شاهدنا أباء صفعوا أبنائهم وكذلك الحال بالنسبة (للأسطوات) وصناعهم بمجرد أنهم قاطعوا حديثهم أو عملهم بخلاف ما سمعوه أو تعلموه.فلو نظرنا نظرة سريعة إلى هذه العقوبات الرادعة المنزلة على هؤلاء لحمدنا الله عندئذ وشكرناه لأنه تعالى لم يعجل في إنزال العقوبة علينا لعدم استماعنا إلى كتابه كتعجيلنا في إنزال العقوبة على غيرنا لأنه لم يصغ إلى ما قلناه . فلنا أن نسال أنفسنا لماذا حيثما يقرا القــــران لا نتذكر قــــوله تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فــــلا استماع ولا إنصات والناطق بكتاب الله ماهو إلا داعي الله يتلوا علينا كلامه تعالى فهل من الأدب أن لا نجيب داعي الله ؟ أو أن نكون أذان مصغية واعية فكم نهى ونهى الرسول الأعظم "ص" عن الكلام عند قراءة القران الكريم ولكن هل هناك مَن يتعظ ؟من المؤسف والمحزن حقاً أن نرى بعضهم سواء في مجالس الفاتحة التي تستمر ثلاثة أيام أو المساجد أو في بعض المناسبات الدينية ، القران يتلى عليهم وهم منشغلون كأنهم قد استخفوا بما يلقى عليهم وكأن الأمر لايعنيهم أو كان القران نزل على غيرهم وليسوا هم المخاطبين ، ونسوا ما قاله تعالى في صفة المتقين بقوله (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) ، ولكن الله يعلم حيث يجعل رسالته وهو اعلم بما في قلوب هؤلاء فجعلهم مصاديق لقوله تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) ولعل الكثير منا قد لمس هذه المشاهد أو لربما جربها بنفسه فكان لصحيفة الصدى هذه الجولة بين المواطنين لاستكشاف أرائهم والإطلاع على مخزون أفكارهم في هذا الموضوع فكان لقائنا الأول مع: احسان شرهان الظالمي /موظف : ليس لدى هؤلاء عبادة حقيقية لله سبحانه وتعالى لان حقيقة العبادة الخالصة لله سبحانه هي الالتزام بالأوامر والانتهاء عن النواهي فالله تعالى إذا امرنا وجب الالتزام وكذلك إذا نهانا وجب علينا إن ننتهي . أما الحقوقي حيدر نقي 31 سنة فأجاب قائلا : ناتج من عدم الإيمان بما أمرهم الله تعالى من الاستماع وترك الكلام الدنيوي بكل جوانبه والإنصات لكلام الباري سبحانه لأنه حق وصادر من حق . وأما السيد جبر العايدي 40 سنة يقول : لو توجد عقوبة فورية تنزل على من لايستمع أو ينصت للقران لكان الجميع يستمعون لا حبا بالقران بل خوفا من وقوع العذاب والعقوبة عليهم. أما السيدة أم كرار30 سنة فتقول : أرى إن القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع الباطل ، سر ذلك أن القرآن بحر عميق لا يصل إلى قعره إلا العارفون ولا يستخرج فرائده إلا العالمون بخلاف الباطل فإنه مبتذل يعرفه الجاهلون ومن البين أن كل ما تعجز النفس عن إدراكه فهو ثقيل عليها وكل ما تدركه بسهولة فهو خفيف عليها فإذا ذهب العلم والعلماء وبقي الجهل والجهلاء كان استماع القرآن عليهم ثقيلا واستماع الباطل خفيفا . أما الشيخ شاكر القريشي: رجل دين" من وجهة نظره يعتبرها سلب الرحمة الإلهية من هؤلاء فيقول : إن مما يُؤسَف له أن الكثير مِنَّا، غافلون عن هذه الرحمة الإلهية، فعندما تدخلون إلى المجالس، أو تحضرون في فاتحة، أو غيرها، ويُقرأ القرآن فيها، تجدون الكثير من الناس مشغولاً بالأحاديث الجانبية.. هذا هو سبب من أهم أسباب سلب الرحمة الإلهية عن الإنسان.. والغريب أنه إذا لم يكن مشغولاً بالحديث، فستراه مشغول الذهن أو شارده، فذهنه يُشرّقُ ويُغرّبُ، يُفكرُ هنا وهناك في مسألة ، في حب الدنيا أو في قضية سياسية أو في السوق، أو في مشكلة اعترضت طريقه.. كيف نستمطر رحمة الله سبحانه وتعالى حتى تهبط علينا وتتنزّل علينا كالمطر؟ الكثير منا؛ بل كلنا، له من المشاكل ما يُؤرِقُهُ، ويُزعِجُهُ ويقضُّ عليه مَضجعَهُ، فهنالك إنسان مبتلى بدَينٍ، وكثير منكم يمكن أن تكونوا الآن مديونين أو هنالك إنسان مبتلى بمشكلة مع زوجته، أو مع أطفاله، أو مُبتلى في صحته، أو مُبتلى بجارٍ له مُزعج، يُؤرقه ويُزعجه، وما أشبه ذلك، أو مُبتلى بابتلاءات أخرى شَتَى.. فكيفَ (نَستمطرُ) رحمةَ الله سُبحانه وتعالى لدفع هذه الفِتَنِ والمِحَنِ والمشاكل والابتلاءات؟ إنه يفكر في كل شيء، ولا (ينصت) لحديث الإله القادر المتعال إنه أنتم إذا حضرتم أو حضرنا في محضر شخص عظيم، وكان يتكلم معنا وعندنا لديه حاجة، فهل إذا رآنا شاردي الذهن، مشغولين بالفكر عنه.. هو يُكلمني وذهني في مكان آخر.. هل يقضي حاجتي؟ كلا.. سوف لا يقضي حاجتي.. ذلك أن هذه الحالة تُعتبر إهانةً لذلك العظيم.. وقد يكون عظيماً معنوياً كرب العباد، أو مادياً كملك.. تخيلوا ذلك: الملك يحدّثُ الطرف الآخر، وهذا ذهنه في مكان آخر، أو إنه يهمل الاستماع وينشغل بالحديث مع الآخرين في محضر هذا الملك ألا تعد هذه إهانةً له؟إننا إذا أردنا أن نستمطر رحمة الله سبحانه وتعالى، فمن الطرق لذلك هو الاستماع والإنصات للقرآن الكريم.. ونختم لقاؤنا مع الشيخ خالد العابدي فيتحفنا بقوله : أفضل أن تكون مجالسنا تحمل نفس الطابع الذي تحمله بعض المجالس التي تقام بمدينة النجف الاشرف وقسم أخر من المدن العراقية الناس جالسون وقارئ القران يقرأ القران وهو على المنبر أمام أعينهم وأي إنسان يدخل هذه الفاتحة أو ذلك المجلس يعطوه قران بيده ليقرا سورة الفاتحة على روح الميت وبعدها يتابع الاستماع والإنصات للقران الكريم مع القارئ . من هنا يمكن القول أن إعراض بعض أصناف المجتمع عن سماع القران في أي محفل كان تتجه بوصلته الى عدة أمور لا يمكن أن يحصيها بشكل كامل ولكن نذكر بعض أسبابها ومن ضمنها أن المجتمع لم يرتبط ارتباطا حقيقيا وصادقا وروحيا مع كتاب الله سبحانه ، فهو أي المجتمع لو بحث وتيقن في بواطن نفسه وحياته أن كل ما يمر به من محن وألام ومضايقات هنا وهناك يجد حلولها في طيات كتاب الله تعالى وبين اسطره الشريفة وفي كلماته وعباراته التي وصفت بأنها باقية ما بقى الدهر لانكب على وجهه قارئا ومنصتا على اقل التقادير لهذا الكتاب الجامع المانع ويبحث كما يبحث الفصيل عن أمه وإثرها عن ضالته التي يرجوها ولا يبقى متخبطا هنا وهناك أو أمام هذا السياسي أو ذاك ولعل هذا الإعراض جاء نتيجة غياب القدوة الحسنة في المجتمع أو التثقيف المباشر أو المستمر للأفراد وكما قيل إن القليل المتصل خير من الكثير المنقطع أو كما يصف علماء الطب بان الجرعة الكثيرة والزائدة تسبب الموت والتسمم في بعض المجتمعات فنحن لانقول إن المجتمع قد مات ولكن يحتاج الى التأني ووضع البرامج الحقيقية للنهوض به لايبقى من يهمهم الأمر يدعون بقلقلة اللسان فهم يقولون ما لايفعلون فكبر مقتا عند الله إن تقولوا ما لاتفعلون وبالتالي يكون الواجب ملقى على عاتق الجميع ولا يستثنى من ذلك احد فهي دعوة صادقة منطلقة من القلب الى القلب بضرورة الرجوع الى كتاب الله وتجبر معانيه والوقوف عند أحكامه فهي الملجأ والمنقذ من كل ما نمر به وليذكر وأولوا الألباب .
ساحة النقاش