<!--
<!--<!--<!--
((التوظيف الجمالي والدرامي للعدسات وأثرها في تكوين عناصر الصورة السينمائية))
تمهيد:
منذ فجر التاريخ والانسان يحاول جاهداً الوصول لتوثيق احداثه المهمة كالحروب او الطقوس الدينية او حتى المناظر الطبيعية ذات المسحة الجمالية , فتراه ينقش الحجارة وينحت الصخور للوصول الى تلك الغاية , فلو نظرنا الى اعمال الامم الغابرة لوجدنا الاهتمام يزداد بوتيرة تصاعدية لغرض اتقان تلك التوثيقات . وما ذلك الاتقان الا الدقة؟
تلك الدقة التي شغلت الباحثين والفنانين وتنوع احجام تلك النقوش دليل واضح على اتساع الرؤيا وتنوع الاحداث , فلكل حدث حجم ولكل حجم رسالة وهدف معلوم , فتجد النقوش البانورامية الكبيرة وتجد ايضا ما بين تلك البانوراميات من حجوم متوسطة وقريبة و قريبة جداً حتى تصل ذروتها الى النقوش الصغيرة فوق اختام الطين , فكل هذا التعدد ما هو الا شكل من اشكال المنظر المرئي المتحصل من خلال الازميل . وبنظرة خاطفة سنجد التقارب بين نقوش الازميل وبين تسجيل الكاميرات من خلال العدسة . <!--
<!--<!--<!--
. فالازميل يقابل العدسة والالواح تقابل اداة التخزين وابعاد النقش تقابل حجوم اللقطات .
والكاميرا بحد ذاتها كشف عراقي خالص منسوب بالأدلة للعلامة الكبير الحسن ابن الهيثم فكلمة كاميرا تعني قمرة
وينسب للعلامة الكبير ابن الهيثم كشوف مهمة ونظريات معاصرة عن العدسات وكيفية اداء وظائفها ونظريات الضوء المهمة في الانعكاس والانكسار .
انواع العدسات:
العدسات مقسمة تقسيما علمياً حسب البعد البؤري , فالحد الفاصل بين الاطوال البؤرية هي العدسة ذات البعد البؤري الــ 50 ملم وتسمى الطبيعية والتي تعتبر مقاربة لرؤية عين الانسان الواحدة بتركيز مناطقي محدد حيث تكون رؤيا الانسان بعين واحدة لمشهد معين بزاوية منفرجة لكن التركيز على نقطة واحدة دون تحديد مركز لباقي عناصر الرؤيا من كل الجوانب , لذلك شبهت العدسة الــ (50 ملم\ برايم \ وهي العدسات الرئيسة او الامينة وتكون ثابتة البعد البؤري). بعين الانسان الواحدة لكن بزاوية رؤيا محددة دون المرور بتفاصيل المشهد الزائدة . لهذا تكمن جمالية توظيف العدسة ذات الـ50 ملم في المشاهد التي تتطلب التركيز على الاحداث دون تشتيت نظر المتلقي بزوائد المشهد التي ربما
ستربكه ولا تجعله يركز على الموضوع , وهي ايضاً تستخدم لزيادة القرب من الممثل وعزل الخلفية نوعاً ما مما يعطي ايحاء بروحية اللقطة خصوصاً اذا وظفت مع فلاتر التنعيم في المشاهد الرومانسية القريبة التي تصور الحبيبين منفردين او مجتمعين .
وايضاً لها جماليات هائلة في المشهد السينمائي حينما توظف في لقطات الاوفر شولدر وقطعات الحوار بين شخصين لما لها من امكانية عزل الكتف والتركيز على المتحدث وعزل خلفيته تماماً . ويستفاد من توظيفها ايضاً المحافظة على قوة الاضاءة وقوة الالوان وهذا يعطي التأثير الدرامي للصورة السينمائية .
كما اسلفنا فأن العدسة ذات الـ 50 ملم برايم \ الاحادية البعد البؤري الثابت . هي الحد الفاصل بين باقي الابعاد البؤرية حين ان هناك عدسات فوق الـ 50 ملم وايضاً ما دون الـ 50 ملم ولكل عدسة خاصية وتأثير درامي مهم على الصورة السينمائية وايضاً تأثيرها المباشر على الحركة داخل إطار الصورة وإعطاء المشهد الكثير من الديناميكية واضفاء الاحساس بصورة عامة ..
وبالعودة للعدسة الــ 50 ملم وكيفية التعرف على باقي العدسات سنوجز الموضوع بالقاعدة التالية :
كلما زاد رقم البعد البؤري للعدسة مثلاً 60 ملم . قلت زاوية الرؤيا وقل انفراجها وكلما قل رقم البعد البؤري مثلاً 40 ملم اتسعت الرؤية وازدادت الزاوية انفراجاً وهكذا .
فلعدسة الــ 18 ملم لها قابلية انفراج ورؤية زاوية اشمل بكثير عن العدسة الــ 105 ملم ولكل عدسة استخدام معين يضفي على المشهد السينمائي ابعاداً اخرى .
وللتركيز اكثر سوف نتكلم عن اثنين من عدسات لها تأثير دراماتيكي في المشهد السينمائي إضافة لما اسلفنا عن العدسة الـ 50 ملم .
العدسة ذات البعد البؤري الطويل :
عدسة تختزل الكثير من تفاصيل المشهد المصور وتركز على فعل واحد اذا كان الموضوع يستفاد منه بوجود ممثل واحد او انها ممكن ان تظهر اكثر من شخص او اكثر من عنصر لكن بعزل تام لباقي تفاصيل المشهد او ان يضمحل عمق الميدان نهائياً فلا نرى الا اشباحاً او مجرد كتل لونية ثابتة او متحركة خلف الممثل . وهذا ما يسمى بالعزل التام لعمق المجال , حيث يستفاد منه درامياً لغرض التركيز وايضاً لإضفاء لمسة جمالية ساحرة تجذب عين المتفرج ليستمتع بالصورة المقدمة له من قبل صانع الفيلم .
ويمكن بهذه العدسة عدم كشف الموقع الذي تدور به الاحداث وعدم كشف جغرافية المكان لأغراض الايهام والتشويق .
وعادةً ما تركب العدسة طويلة البعد البؤري في المشاهد التي لا يوجد بها حركة لالة التصوير حيث ان أي اهتزاز ولو بسيط سيظهر على الشاشة . وإذا حركت الكاميرا وهي تحتوي على عدسة طويلة البعد البؤري ستكون هذه الحركة حذرة جداً وتتطلب مهارة فائقة واجهزة تحريك غاية في الدقة وسكك مصنوعة بتقنيات عالية لغرض تنفيذ هذه الحركة المزمع تنفيذها .
العدسة قصيرة البعد البؤري :
وهي العدسة ذات الرؤية الواسعة الحاوية على الكثير من تفاصيل المشهد والعناصر المساعدة في تكوين الصورة , وهذه العدسة لها خصائص كثيرة اهمها الكشف عن بعض من اجزاء المكان واعطاء صورة عن الحدث الذي يجري . ولا تعتبر بديلاً عن اللقطة العامة انما تكون مشابهة لها لما تحتويه من رؤية منفرجة للمشهد السينمائي والذي يعطي انطباع تام عن العناصر الداخلة في تكوين الصورة . ولتوظيف هذا النوع من العدسات في السينما لما يحمل من جمالية في زيادة التأثير على المتلقي من خلال حرية الحركة التامة وفي أي اتجاه , فاللقطة المأخوذة بهذه العدسة لا تتأثر بالاهتزازات البسيطة وللمصور الحرية في التنقل بالكاميرا وفي مختلف الاتجاهات , يستفاد من العدسة ذات البعد البؤري القصير في مشاهد الرعب من خلال تقريبها لوجه الانسان مما يعطي تشوه تام وغير منطقي ليضفي على الصورة بعد اخر ورسالة اخرى , وايضاً بالإمكان استخدامها كبديل مهم في الاماكن الضيقة التي تتطلب الدخول وكشفها للمتلقي .
فلسفة تحريك الكاميرا.
الفلم السينمائي هو النتيجة الحتمية لاكتشاف مبدأ استمرار الحركة في الصورة الفوتوغرافية الثابتة وامكانية استثمارها لإنتاج عمل متحرك بصورة طبيعة بالرغم من انه لا توجد اي حركة في الصورة , وما نشعر به من استمرار الحركة هو لاحتفاظ العين البشرية لأجزاء معدودة من الثانية الواحدة تقريباً (⅛) الثانية فتبدو امامنا تلك الصور الثابتة تتحرك .
ولكون الحركة في السينما تمت فقد استثمرها المخرجون في اعمالهم لما لها من اهمية بالغة في تكوين الصورة وايضاً هي عنصر جذب وترقب وتشويق للمتلقي , ولها ابعاد فلسفية ودلالات فكرية ولمسات جمالية ابداعية .
حيث تكون الحركة وابعادها الاخرى من تغيير للزاوية وحجم اللقطة واضفاء عنصر الكشف عن المجهول او المستتر, من خلال تحريك الكاميرا بشكل مدروس من ..... و .....الى .
والاهم في الحركة انها فعل فلسفي يصنع حدث او يساعد على دفع القصة الى الامام , وايضاً تضفي الحركة في السينما على تجسيم المشهد وجعله ثلاثي الابعاد رغم سطحية الصورة (طول وعرض) ويصبح ذات عمق . ولتكسير الجمود الحاصل في المشاهد التي تكثر فيها الحوارات او المعتمدة على الحوار , هنا يصبح لزاما تحريك الكاميرا لخلق الجو المناسب حتى لا يمل المتلقي من المتابعة بشرط ان تكون مدروسة وليست لمجرد التحريك .
وفيما يلي الحركات الخاصة بالكاميرا والعدسة والممثل وكلها داخل إطار الصورة ..
الحركة داخل إطار الصورة ...
1) حركة الكاميرا ضد حركة الممثل .
وهي حركة عادةً ما تتم والكاميرا موضوعة على سكة او محمولة على الكتف وتتمثل بحركة الكاميرا الى الامام بينما الممثل يتقدم نحو الكاميرا الى ان يصل الاثنان الى نقطة معينة ومحددة من قبل صانع الفلم (المخرج) وهي تتطلب مهارة عالية من قبل المصور والمساعد حيث يلعب الاثنان دورا مهما في انجاح هذه الحركة او هذه اللقطة . وتمثل حركة الكاميرا في هذه اللقطة وجهة نظر ذاتية من قبل الممثل الاخر كأن تكون الحركة هنا ردة فعل لكلام او فعل للمثل الاخر او للدلالة على التحدي .
2) حركة الكاميرا مع حركة الممثل .
وهي حــــركة عادةً ما تؤخذ والكاميرا محمولة على الكتف او موضوعة على سكة او مرفوعة على حامل كرين وتتلخص بأن تكون الحركة مع حركة الـممثل اي تكون الكاميرا متقدمة الى الامام والممثل يرجع الى الخلف او بالعكس تكــــون الكامـــيرا في وضعية الرجوع الى الخلف والممثل في وضعية التقدم نحو الكاميرا وهذه ممكن ان تكون طويلة ( اي لقطة طويلة) حسب الهدف المراد منها او حسب طول السكة الحاملة للكاميرا وتعبر عن تقدم الممثل لالتقاط شيء ما او لاستعراض شيء معين وهي حركة ديناميكية تكسر الجمود وتصاعد في الحدث وتعطي للعمل المرونة .
3) حركة العدسة ضد حركة الممثل والكاميرا .
وهي حركة تكون فيها العدسة في (وضعية ZOOM IN) الزووم إن والكاميرا ترجع الى الخلف والممثل يتقدم نحو الكاميرا وتعد هذه الحركة من الحركات المركبة التي تحتاج هيمنة ودقة ملاحظة من قبل المصور ومساعده . وهي ايضاً حركة تكبس الكادر وتحرك الخلفية بنفس الوقت ولها دلالات مهمة في انجاح العمل السينمائي كونها ستدلل على مدى لارتباك الحاصل في بنية الشخصية . تفيد في مشاهد الجريمة او في الاعترافات او حتى في العلاقات العاطفية التي تحمل في طياتها الخيانة او المصلحة من اجل الاستحواذ على غنيمة معينة .
4) حركة العدسة ضد حركة الكاميرا مع حركة الممثل.
وهي ان تكـون العدسة في وضعية (ZOOM IN) الزووم إن والكاميرا في وضعية الرجوع والممثل في وضع الرجوع الى الخلف . وتعتبر من الحركات المركبة والمعقدة في نفس الوقت , ولتنفيذها يحتاج المصور ومساعده للتدريب المستمر وعمل اكثر من بروفة قبل بدأ التصوير الفعلي . ولها من الدلالات ما لا حصر له فلسفياً وجمالياً .
5) حركة العدسة مع حركة الكاميرا ضد حركة الممثل .
وهي ان تكــون العدسة في وضعية الزووم إن والكاميرا متقدمة الى الامام وحركة الممثل تكون ضد الاثنين معا اي في حالة تقدم نحو الكاميرا . وهي من الحركات الغير طويلة حيث سيكون التوقف حال انتهاء البعد البؤري للعدسة وسيكون الحجم النهائي كبير .
6) حركة الكاميرا ضد حركة العدسة ومع حركة الممثل .
وهي ان تكون الكاميرا في حالة رجــوع والعدسة في حالة الزووم إن وحركة الممثل في حالة التقدم نحو الكاميرا .
جميع هذه الحركات هي مركبة تتطلب الهيمنة والاستقرار ودقة الملاحظة والصبر والتركيز من قبل كادر ادارة الكاميرا المتمثل بالمصور ومساعده او مساعديه . حيث ان العمل الجماعي والتنسيق مع باقي الكوادر ينتج عمل مميز حتما .
الخاتمة .....
ان السر الذي يكمن خلف استخدام العدسات هو سر صناع الفيلم المهرة والمخرج الذي يتمكن من استغلال كل خصيصة للعدسة سيكتب لفيلمه ولرسالته التي يود ايصالها للمتلقي النجاح بسهولة ويسر . وبذلك يضمن المشاهد العادي الذي ربما يتفاعل مع الحدث المعروض امامه من خلال تحفيز مكنونات ذهنه . وايضاً يضمن للمتلقي المتخصص ويعطيه مفاتيح سر العمل بكل رحابة صدر . لهذا وجب على المخرج الذكي التمتع بملكة استبداله للعدسة ووضعها في المشهد المطلوب .
المصادر ..
الدكتور مصطفى نظيف الحسن ابن الهيثم بحوثه وكشوفه البصرية
مركز دراسات الوحدة العربية ط الاولى 2008
ﺒﻴﺘﺭ ﺴﺒﺭﺯﺴﻨﻲ ، ﺠﻤﺎﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺼﻭﻴﺭ ﻭﺍﻻﻀﺎﺀﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻭﺍﻟﺘﻠﻔﺯﻴﻭﻥ
ﺘﺭﺠﻤﺔ، ﻓﻴﺼل ﺍﻟﻴﺎﺴﺭﻱ ﺍﻟﻜﻭﻴﺕ ١٩٨٤ .
مجمل بحوث الضوء بحث حول فلسفة تحريك الكاميرا رسول بابل مجمل بحوث الضوء بحث منشور على موقع الكنانة اون لاين ..
رســـول بابـــل مـصـور ومخـرج
بغداد \ 2017
ساحة النقاش