الابداع الثقافى

يضم الثقافة فى شتى مجالاتها


مـــــقـــدمـــة:
يعتبر الجزاء الوسيلة الفعالة لضمان احترام القانون، بحيث انه لولا وجود الجزاء في القاعدة القانونية لكانت هذه الأخيرةضربا من النصائح والإرشادات، ولجاز للأفراد إتباعها إذا أحبوا ومخالفتها إذا شاءوا، فالجزاء إذن هو وسيلة للضغط على إرادة الأفراد من أجل احترام مضامين القاعدةالقانونية وذالك بقهر الإرادات العاصية بالقوة المادية.
وبذالك يتضمن الجزاءمعنى واسعا فهو كل إجراء يسري بواسطته القانون في فرض إرادته كاملا أو حل أخير علىالمعتدي الذي يرفض الامتثال لأمر قانوني أو قضائي.
وفي مجال للقانون الدستوري الذي تعتبر قواعده حجر الأساس في البنيان القانوني للدولة، والتي تأتي في قمةالتدرج الهرمي للنظام القانوني وعلى أساسها تحدد فكرة الشرعية بالنسبة لباقي القواعد الأخرى، تثار بشدة إشكالية الجزاء في القانون الدستوري ومدى إلزاميةالقواعد الدستورية.
ومحاولة منا التطرق إلى بعض جوانب الموضوع ارتأينا تقسيم هذهالدراسة إلى قسمين، حيث سنتناول الحديث عن ماهية القانون الدستوري قبل أن نعرج للحديث عن الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري وذالك على الشكل التالي:
المبحث الأول: ماهية القانون الدستوري.
المبحث الثاني: الطبيعةالقانونية لقواعد القانون الدستوري.

المبحث الأول:ماهية القانون الدستوري

في هذا المبحث سنتطرق إلى مفهوم القانون الدستور ومواضيعه وذالك منخلال تقسيمه إلى مطلبين على الشكل التالي:
المطلب الأول: سنتحدث عن مفهومالقانون الدستوري.
المطلب الثاني: سنخصصه لذكر جانب من مواضيع القانون الدستوري.

المطلب الأول: مفهوم القانون الدستوري.

منذ القديم جرىالفقه على تقسيم القانون إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص، ويعد معيار الدولةبصفتها صاحبة السيادة والسلطان المعيار الأمثل للتمييز بين هذين الفرعين، فالدولةفي القانون العام تتمتع بامتيازات السلطة العامة، خلافا لما هو الأمر عليه فغيقواعد القانون الخاص حيث تكون وباقي الخواص أمام القانون سواء.
والقانون العام يمكن أن يكون عبارة عن قواعد تحكم علاقات الدولة الخارجية ( القانون العام الخارجي أو القانون الدولي)، وقد يكون عبارة عن قواعد تحكم علاقات الدولة بالأشخاص الخاضعين لسلطتها الداخلية ( القانون العام الداخلي). ويضم القانون الدستوري مجموعة منالقواعد والفروع منها ما يهم نظام الحكم داخل الدولة وشكلها وعلاقات السلطات الثلاثفيما بينها وكذا علاقات هذه السلطات بأفراد المجتمع، وهذه القواعد تعرف بقواعد "القانون الدستوري" التي تضع تصورا عاما للتنظيم الحكومي الذي يتولى تحليل جوانبهالفرع الثاني الذي هو "القانون الإداري" الذي يلحق به كل من "القانون المالي"ي الذييهم الإدارة المالية للدولة، و "القانون الجنائي" الذي يهم الجرائم وعقوباتهاوالإجراءات الجنائية.
وهكذا فان القانون الدستوري هو ذالك الفرع من فروع القانونالعام الداخلي الذي يوضح شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها ويحدد سلطاتها وكيفيةممارسة هذه السلطة ، كما يوضح القانون الدستوري الحريات الأساسية للمواطنين والحقوقالمكتسبة وكذا الواجبات الملقاة على عاتقهم اتجاه الدولة

المطلب الثاني: مواضيع القانون الدستوري.

تهدف قواعد القانون الدستوري الى تنظيم الحياةالسياسية للجماعة حيث أن قواعده توضح مدى صلاحية النظام السياسي لشعبي معين، حيثتتأثر هذه القواعد بعوامل تقنية قانونية الى جانب العوامل السياسية والاعتباراتالسائدة لدى شعب معين في زمن معين.
ولذالك يكون لزاما على واضعي الدستور اعتبارجميع المقومات حتى تتلاءم قواعده مع حاجات وتطور المجتمع، ومن هذا المنطلق فان الوثيقة الدستورية يتأثر محتواها بفعل العوامل السابقة الذكر فيختلف من بلد لآخر. فنجدها تحتوي الى جانب القواعد التي تشكل تنظيم الدولة على أحكام التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والتصريحات وإعلانات الحقوق بالإضافة إلى أحكام مختلفة تعكس خصوصية كلدولة ومميزاتها لباقي الدول

وخلاصة القول فان قواعد القانون الدستوري تعتبر مرآة لتطلعات المجتمع من حيث النظام العام الذي يسعى إليه، وبالتالي فانقواعد القانون الدستوري تمثل الإرادة العليا للمجتمع مما يترتب عن خرقها اختلالالتوازن داخله الشيء الذي يكسبها صفة القواعد الآمرة التي لا تترك للفرد أو الجماعةخيار مخالفتها. فعندما ينص الدستور المغربي مثلا على أن "الإسلام دين الدولة ..." فإننا نكون بصدد قاعدة دستورية آمرة تحرم انتهاك حرمة الدين الإسلامي باعتبارهالخيار المقدس للمجتمع المغربي. ومن المسلم أن القاعدة الآمرة يصاحبها جزاء ماديمحسوس توقع السلطة العامة على المخالفين، وهو ما لم تتطرق إليه القاعدة الدستوريةفي شتى جوانبها مما أثار جدلا بشان إلزامية قاعد القانون الدستوري وطبيعتهاالقانونية .وهو ما يف النقطة الموالية من هذه الدراسة.

المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
من المسلم به أن كل قاعدة قانونيةتتعلق بالنظام العام فهي قاعدة آمرة يترتب عن مخالفتها جزاء مادي توقعه السلطةالعامة على المخالف، وعلى ذالك فان القواعد الدستورية ما دامت تمثل إرادة المجتمعالعليا وتوجهاته في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فان تجاوز هذهالقواعد يصنف في خانة المحرمات.
ولأنه لا وجود لسلطة عامة توقع الجزاء لقهرالإرادات العاصية للقواعد الدستورية حسب بعضهم فان هذه الأخيرة لا تتصف بالخاصيةالإلزامية (المطلب الأول). ولكن الجزاء المعنوي حسب بعضهم يمكن الاعتداد به ممايكسب القواعد الدستورية صفة القواعد القانونية الكاملة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: نظرية انتفاء الصفة القانونية لقواعد القانون الدستوري (المدرسة الانجليزية).
تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعدالقانونية والزاميتها على مدى تفر عنصر الجزاء المتبدي في الاكره المادي contrainte matérielle الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل ومن هنا يقل زعيم هذهالنظرية الفقيه Austin أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد آدابتحميها جزاءات أدبية بحتة، ذالك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عملهبأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا للقانون بالمعنى الصحيح، مما عدم صفه بأنه غيرقانوني، وهذا ما دفع Austin أن يطلق على قواعد القانون الدستوري بأنها " قواعدالأخلاق الوضعية".

المطلب الثاني: نظرية اكتساب القاعد الدستورية للصفةالقانونية.(المدرسة الفرنسية).
ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزاءالمعنوي، لان كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي Contrecoup social على حد قول زعيم المدرسة Duguit.
وبهذا فان كل قاعدة لها جزاءها وان كانالاختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذالك الجزاء الذي يبدأ منالمعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطةالعامة في الدولة، وعليه فان أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانونالدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح

الـــــخـــاتـــمـــة:

وخلاصة القول إن الفقه اختلففي تناول إشكالية الجزاء في القانون الدستوري، حيث ذهب جانب منه إلى القول بانتفاءالصفة القانونية لقاعد القانون الدستوري نظرا لانتفاء عنصر الجزاء عنها مما لا يجعلمنها أكثر من قواعد آداب وأخلاق وضعية.
فيما يذهب الجانب الأخر إلى أن الجزاءالمعني كاف لإثبات الصفة القانونية لقواعد القانون الدستوري.
وبين هذا وذاك يمكن القول أن قواعد القانت الدستوري هي قواعد قانونية كاملة تحتل قمة الهرم القانوني للدولة، وتبقى القواعد القانونية الأخرى مرتبطة بها ارتباطا وثيقا بل وبعضها جاءلينظم بعض مقتضيات القانون الدستوري، وبالتالي فان مخالفة أي من القواعد القانونيةالأخرى يعتبر مخالفة لقواعد القانون الدستوري وان أي تشريع مخالف للدستور يلحقهجزاء مقرر في هذه القاعدة أو تلك.

•الدكتور محمد يحيا: الوجيزفي القانون الدستوري للملكة المغربية- الطبعة الخامسة 2008
•الأستاذ سعيدبوالشعير: القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة. /الجزء الأول، الطبعةالسابعة ديوان مطبوعات الجامعية، الجزائر 2005
•الدكتور إبراهيم أبو النجا : محاضرات في فلسفة القانون. الطبعة 3/1992
•الدكتور فاضلي إدريس: الوجيز في فلسفةالقانون.

منقول
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 1036 مشاهدة
نشرت فى 26 إبريل 2011 بواسطة foxrever

ساحة النقاش

عبدالوهاب اسماعيل

foxrever
»

عدد زيارات الموقع

812,578

تسجيل الدخول

ابحث