كل عام وأربعاء والجريدة وطاقمها بكل خير
يفرحني وجود الجريدة في بريديَ الإلكتروني
فراس حج محمد/ فلسطين
كثيراً ما تصيبني الدهشة عندما أتأمل عملية النشر العربية في البلاد غير العربية، ولي في ذلك تجارب متنوعة، في بلادٍ عديدة، ذات لغات وأعراق محتلفة. والسؤال الجوهري الدائم هو: ما جدوى هذه العملية؟
يبدو أن الأمر على غير ما كنت أتصور فعلا، فالعرب، واللسان العربي، والإنسان العربي موجود في كل بقاع الكرة الأرضية، شرقا وغرباً، وشمالا وجنوب، بحيث أصبح العالم يشهد في كل بقاعه تنوعاً لغويا، هو بالضرورة تنوع ثقافيّ، وتنوع إثني، لاعتبارات تتعلق بمن يتحدث هذه اللغة، ويعتز بها ويتخذها هوية ولسانا من غير أبناء القومية العربية، وبذلك يصح القول المشهور: "كل من تحدث العربية فهو عربيّ"، عدا أن للغة العربية ارتباطاً دينياً إسلامياً عند كثير من الجاليات في الدول الأجنبية، ما يدفعهم هذا إلى ضرورة وجود مصدر ثقافة عربي يستندون إليه في التواصل مع الثقافة الإسلامية المعاصرة، عربية المنشأ والحضارة.
وإضافة إلى هذا وذاك فإن اللغة العربية لغة معتبرة في الأمم المتحدة منذ عام 1973، وهذا يرسخ وجودها لغة حية عند أبناء الجاليات العربية والإسلامية والقادمة من دول الشرق الأوسط الأخرى. كل تلك العوامل وفّرت الأرضية الطبيعية للإصدارات العربية في الدول الأجنبية، ومن هذه الإصدار جريدة "العراقية الأسترالية" التي زاوجت في عنوانها بين العراق بلد الحضارة الموغلة في التاريخ المتنوع ثقافة وحضارة ولغة وديناً وبين أستراليا، بوصفها بلدا أجنبيا مغايرا في ثقافته لجاليات عربية، وعراقية على وجه الخصوص.
لا شك في أن الجريدة لم تقف عند حدود عراقيتها، ولم تنغلق على الموضوع العراقي، وتحد نفسها بالكاتب العراقي، بل إنها فتحت صفحاتها وأتاحتها لجمع غفير من الكتاب والكاتبات حول العالم، عرباً وغير عرب، وبتنوع لافت بين كل صنوف الكتابة الإبداعية والنقدية والبحثية.
إن الجريدة بهذا المساحات التي توفرها للكتاب، وعدم تدخل هيأة تحريرها بالآراء وتعديلها، تاركة كل صاحب كتابة أن يتحمل مسؤولية كتابته، إن هذا النهج هو التكريس الحقيقي لحرية التعبير، واحترام الآخرين، وتقدير إنجازاتهم وأفكارهم، دون أن تمارس الصحيفة وصاية على أحد من الكتاب.
لعلّ سبع عشرة سنة قضتها "العراقية الأسترالية" في النشر بهذا التنوع ليوفر للباحثين في المستقبل دراسة الحالة الثقافية العربية عبر امتداداتها في الزمان والمكان، لتكون "الجريدة" هي "الموئل" الطبيعي والحقيقي لدراسة المزاج العام للكتاب بشكل عام، هؤلاء الكتاب الذي كسروا الطوق وتحرروا من أسر الجغرافيا ليحلقوا مع الجريدة في فضاءات رحيبة، وتحرروا من "تابوهات" مدّعاة، لتحقق من وجهة نظر أخرى "الحرية" المطلوبة للكاتب التي هي شرط لازم للكتابة الجيدة المتحررة من كل القيود.
لقد شكل دخول كتاباتي إلى هذه الجريدة مكسبا ذاتيا مهماً، وقد وفر لي فرصة أن أكون مقروءا في بلد غير بلدي فلسطين، وفي غير البقعة العربية، ليتعرف إلي وإلى أفكاري كثير من القراء والزملاء الكتاب الذين كنت أجهل كتاباتهم كما كانوا هم أيضا يجهلونني وكتاباتي، لقد شكلنا معاً نحن الكتاب عائلة كتابة واحدة تجتمع كل أسبوعين على صفحات "العراقية الأسترالية"، جريدة عابرة للحدود، وتصر هيأة تحريرها أن تصل إلى قطاع كبير من القراء، موفّرة لهم مادة أدبية رصينة وجادة ومتنوعة وحديثة وحداثية.
كما أنه ليس من السهل أو اليسير أن تقطع سبع عشرة سنة في عمل مرهق كمثل هذا العمل الذي يحتاج إلى طاقات وجهود جبارة، لقد فعلتها "العراقية الأسترالية" متحدية كثيرا من الظروف، لتدخل السرور إلى قلوب أفراد الجاليات العربية، وتبهج أفرادها الذين يسعدهم أن يجدوا في بلاد الغربة ما يؤنس وحدتهم اللغوية من خلال هذه العائلة الممتدة من كتاب الجريدة، لتقضي على شعور الاغتراب الممضّ الذي يصاحب الإنسان كلما وجد نفسه وحيدا مختلفا في محيط ينظر إليه على أنه "لاجئ" أو "مغترب" على أقلّ تقدير.
لا شك في أن العمل عظيم، ويستحقّ الاحتفاء ليس بإشعال الشمعة السبعة عشرة من عمر الجريدة فقط، بل إن وجودها وصدورها بشكل دوري دون تأخير كل أسبوعين صباح يوم الأربعاء لهو حدث جدير بالاحتفاء والتقدير والنظر إليه بعين الإجلال. فكل عام بل وكل أربعاء وجريدة "العراقية الأسترالية" بكل خير، لتكتنز بها معلوماتنا، ويفرحنا وجودها في بريدنا الإلكتروني صباحاً ليكون صباحاً مختلفاً ونحن نتصفح موادها، ونقرأها لتحدث في حياتنا فرقاً ذا دلالة ثقافية ووجدانية غاية في الجمال.