<!--الحقيقة الصادمة :
في دراسة ميدانية قام بها مجموعة من الاخصائيين النفسيين تبين ان ما سبق و ان تعرضت له من اوصاف
و سمات. غياب المتعة و الكسل و عدم الرغبة في العيش
و قلة الانتاج تعتبر من مظاهر الاكتئاب الوجودي وهو نفسه نفس الاكتئاب المرضي في اعراضه. الا ان الاكتئاب المرضي يكون داخلي المصدر ناتج عن خلل في احدى الوظائف او لانعدام في توازن الهرمونات خلقي .
اهل كوكبي اذا قوم يسبحون في بحر الاكتئاب الوجودي.
و الاكتئاب الوجودي يكون خارجي المصدر. ناتج عن القهر او الهدر الذي يتعرض له المرء في فترات متفرقة من عمره ابتداء من الطفولة مرورا بالشباب حتى الرشد . فيتحول هذا الاكتئاب الوجودي اذا لم يعالج في حينه الى اكتئاب مرضي .
إذ ان هذا الانسان الذي تعرض لوابل من السب و الشتم و القهر بشتى تلاوينه حتى مسخت فطرته و مسخت كينونته هو في الغالب لا يدري انه كذلك لأنه لا يزال تحت طائلة القهر و ان توقف على المستوى الخارجي فقد تحول بفعل البرمجة الى اعماقه ليشكل كيان داخلي يمارس عليه القهر .
هذا الكيان المشكل من الافكار و المعتقدات التي صنعته الظروف و البيئة المحيطة و غدت هي القائد الذي يتحكم بزمام الامور المسير لحياته مستجيبا للوحش الذاخلي الذي بنته تراكمات المشاعر السلبية التي تلقاها في فترات متفرقة من حياته.
قد تكون بدايته منذ نعومة اظافره من طرف اقرب الناس اليه في اسرته التي لم تسلم منه هي ايضا. فالمقارنة و الاستهزاء و العقاب البدني و اللفظي و الاحتقار و ما الى ذلك من المعاملات المشينة التي يعاني منها الاطفال في البيت او المدرسة او الشارع و التي أدت الى ظهور منظمات دولية و قوانين لحمايته من الاخر سواء داخل البيت او المدرسة او المجتمع بصفة عامة. هذه السلوكات المشينة هدمت كيان هذا الموجود البريء الذي خلق ليستمتع بالحياة و بهجتها.
و احيانا تكون مصادر القهر عليه متعددة و مختلفة باختلاف الزمان و المكان.و قد تمتد الى مراحل اخرى من عمره وينتج عن هذا القهر المتراكم و المركب ظهور تركيبة الانسان المقهور كما اسماه الدكتور مصطفى حجازي في كتابه سيكولوجية الانسان المقهور. ذاك المغلوب على امره الذي تعرض لفرض السطوة عليه من قبل المتسلط عنوة .فافقده السيطرة على مصيره .
فاصبح بفضل الهدر و الذي هو اوسع مجالا من القهر لكونه اهمال لانسانية الانسان و استبعاده عن المشاركة في اتخاذ القرار و صناعة المصير . فأصبح مستخدما لتأجيج الصراعات و خدمة اغراض العصبيات باعتباره الوقود الذي يغذي بندول الطاقات السلبية. و يشكل اداة لتوطين الفساد و رعايته.
وهكذا يتحول الهدر الى طابع ذاتي مرضي تجعل من الانسان المهدور قابلا لهدم ليس كيان المجتمع فقط ولكن يهدم قبل ذلك كيانه نفسيا و معنويا او حتى جسديا . و يحصد بطاقته اليابس و الاخضر من انجازاته و مكتسباته. و من انجازات و مكتسبات مؤسسات دولته.
فدراسة ظاهرة "الهدر الانساني" التي قام بها الدكتور مصطفى حجازي مع مجموعة من المهتمين بينت انه أي الهدر تمكن من ضرب مشروع وجود المرء ككيان ذو قيمة قائما بذاته قادرا على صناعة مصيره و هذا ما يوضح حقيقة انعدام او قلة الانتاجية و الرغبة في الكسل و الميول الى الخمول الذي تتحلى به فئة عريضة من شعوب وطننا العربي.
فما نشاهده من خمول او كسل و قلة الانتاجية و الاكتفاء بالاستهلاك و التنافس فيه . بالاضافة الى تبني منهج العنف او الادمان بشتى ألوانه .او القتال لأتفه الأسباب .او الاستعداد للموت لاجل شيء ما .ماهي الا حيل من حيل الدفاع النفسي السلبية هروبا من الهدر او القهر الذي طال الفرد او لا زال يتعرض له. لتحقيق التوازن المرضي .
فلا غرابة اذا في تحلي البعض بشكل ملحوظ بظاهرة الانشطار الذاتي التي اصبحت هي الطابع العام لدى فئة لا يستهان بها من سكان كوكب الاشباح. بحيث يتصرف الفرد مع اصدقائه او زملائه في العمل بصورة تستجلب مدح الناس و حبهم و في البيت بصورة اخرى تستهجنها عليه اسرته. و يكاد قلب اهله ينفطر لفرط جهلهم بهذا المعطى الذي استشكل عليهم لعدم فهمهم للظاهرة و اسبابها . فتجدهم يحتارون و يبحثون عن اجابة حقيقية عن السؤال الذي شيب الكثيرين: ما الدافع وراء هذا النفاق السلوكي؟ جاهلين انها الازدواجية في الشخصية او ما اسماه بعض علماء النفس بالانشطار الذاتي او الداخلي ليس الا.
وماهو في الواقع الا نتيجة حتمية لسلسلة من جرعات القهر و الهدر الذي طاله على مدى سنين طويلة جعلت منه انسان فاقدا لسمات الاتزان و السكينة و الطمأنينة التي سرقت منه منذ نعومة اظافره. أو في فترة من فترات حياته. وليس هذا بالشيء الهين بحيث تسببت هذه الحالة من اللاتوازن الذاتي الى ظهور شرخ على المستوى الاسري و الاجتماعي و المؤسساتي..و السياسي.
لست هنا لأتحدث عن هذه الظاهرة بشكل مستفيض انما جاءت في معرض الحديث لكونها كارثة وجودية لابد من الوعي بها و الحد منها على الاقل على المستوى الذاتي و هذا هو المقدور عليه بالنسبة لكل فرد .
فالعناية بالذات و تحقيق التوازن بها كفيل بتحقيق التوازن و الانسجام الداخلي و منه الاسري ثم الاجتماعي و منه الى المستوى العالمي. و هذا بالضبط ما اجده متناسبا مع قول الله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم".
فأية محاولة لايجاد التوازن الاجتماعي او على مستوى الانظمة دون اعتناء الفرد بنفسه او اعتناء المؤسسات الحكومية ببنائه ستبوء بالفشل .
اذ لا ينفع بناء الصور في شيء اذا كان الحارس لا يتحرج من اخذ الرشوة .