دكتور السيد إبراهيم أحمد

 

 

   يتحير قارىء سيرتها من أين يبدأ .. فكل فصل من فصول حياتها يستحق التأمل والإشادة ..هل يبدأ معها منذ أعلنت اسلامها وهاجرت مع زوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ابن عمة الرسول  صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة إلى الحبشة فراراً بدينهما ، لتعانى الغربة ، والحياة الصعبة ، وهى بنت سيّد من سادات قريشٍ المعدودين ، من المشهورين بالكرم وشدّة السخاء حتى لُقّب بـ : " زادُ الراكب " ، إذ كان يمنع من يرافقه في سفره أن يتزوّد لرحلته ويكفيه مؤونة ذلك .
  
    أم يبدأ معها من هجرتها وزوجها إلى المدينة واقتتال قومها بنو المغيرة مع قوم زوجها بنو عبد الأسد ، فهؤلاء يمنعون ابنتهم من السفر مع زوجها ، وهؤلاء يصرون على الاحتفاظ بابنها لأنه ابن ابنهم ، ويتجاذبون الولد بينهم حتى خلعوا يده ، ويفوز به بنو عبد الأسد ويرحلون ، لتبقى هى وحيدة تعانى فراق الزوج الراحل بعيداً عنها ، والشوق إلى الولد وهو قريب منها المحرومة من رؤياه .

   أم يبدأ معها بعد انطلاقها للمدينة ومعها ابنها بعدما رأف أهل زوجها بحالها ؛ فكانت أول امرأة تدخل المدينة مهاجرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم استشهاد زوجها بعد شهور من إصابته فى غزوة أحد بجرح عميق ، ليفارقها وحيدة حولها أربعة من أولاده هم : برة ، وسلمة ، وعمر، ودرة .

    ينتهى بوفاة أبى سلمة القسم الأول من حياة أم المؤمنين أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية ، ليبدأ القسم الثانى من حياتها بسؤال كبير منها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ’’ ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ’’ ، فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
     
      وتأتيها الإجابة بعد أن استرجعت من مصيبتها ؛ فيرسل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبها له ، فقالت : إني كبيرة السنّ ، وأنا غيور، وذات عيال ، فقال صلى الله عليه وسلم : ’’ أنا أكبر منك ، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل ، وأما العيال فإلى الله ورسوله ’’ . 

    والحديث عن أم سلمة كالبحر أنى تبلغ أطرافه .. فهل نتحدث عن علمها ، عن عقلها وقد بلغت القمة فى المشورة بالقول السديد ، وليس على أدل على هذا ، ولا أعظم بركة حلت على المسلمين حين صحبت رسول الله في رحلته إلى مكة المكرمة معتمراً، فمنعته قريش من دخول مكة وأصحابه ، فعقد صلح الحديبية معهم ، هذا الصلح الذى لم يرض عنه الصحابة رضوان الله عليهم ، لأنه غلب على ظنهم أنه يبخسهم حقهم ، وفيه قبول الدنية على دينهم ، وهنا أمرهم  الرسول صلى الله عليه وسلم: ’’ قوموا فانحروا واحلقوا وحلّوا ’’، فلم يجبه أحد إلى ذلك، فرددها ثلاث مرات فلم يفعلوا.. فدخل على أم سلمة وهو شديد الغضب، فقالت: ما شأنك يا رسول الله..؟ ، قال: ’’هلك المسلمون! أمرتهم فلم يمتثلوا!’’ ، فقالت: يا رسول الله، لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح، ورجوعهم بغير فتح، ثم أشارت عليه أن يخرج ولا يكلم منهم أحداً، وينحر بدنه ويحلق رأسه، فخرج صلى الله عليه وسلم فلم يكلم أحداً حتى قام فنحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا .

     كانت رضى الله عنها جميلة خُلقاً وخِلقةً ، مدرسة كبيرة من شتى المناحى ، فهى المحدثة ، المفتية ، الفقيهة ، السديدة والمصيبة فى الرأى والمشورة ، الصابرة ، الزوجة الصالحة ، الأم الطيبة ، الحازمة ، القائمة بأمر وتربية أولادها ، المتتلمذة فى جامعة النبوة ، وآخر من مات من أمهات المؤمنين، عمرت إذ انتقلت إلى جوارالله تعالى سنة اثنتين وستين هجرية عن عمر بلغت فيه نحوًا من تسعين سنة ،وقد  أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ؛ خشية أن يصلي عليها مروان بن الحكم ، ودفنت بالبقيع إلى جوار أخواتها أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن جميعاً .



 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 2 سبتمبر 2012 بواسطة elsayedebrahim

ساحة النقاش

السيد إبراهيم أحمد

elsayedebrahim
الموقع يختص بأعمال الكاتب الشاعر / السيد إبراهيم أحمد ، من كتب ، ومقالات ، وقصائد بالفصحى عمودية ونثرية ، وكذلك بالعامية المصرية ، وخواطر وقصص و... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

68,250