الكاتب الفلسطينى سماك العبوشى فى مقاله ( السودان اليوم والبقية غداً!!) الذى يأتى ضمن سلسلة مقالاته المعنونة : مسامير وأزاهير والتى تنشرها دنيا الرأى يتسائل عن الدور المصرى المفقود فى مسألة تفتيت وتقسيم السودان الذى كان أمراً بديهياً ـ بحسب وجهة نظره ـ في ظل حالة التجزئة العربية التي نعيشها اليوم وما نتسربل به من هوان وخنوع وذل وتخاذل، تلك العوامل التي قيـّدت الإرادة العربية وغللت لنا اليد، فما تحرك شقيق عربي للدفاع عن شقيقه العربي السودان، وإذا كان النظام الرسمي العربي مكبلاً عاجزاً عن أداء دوره القومي، فلـِمَ لم يرتق الأداء المصري إلى ما كان يجب أن يكون عليه لاسيما وأن السودان هو امتداد جغرافي طبيعي لمصر، كما ويربطهما تاريخ قومي وحضاري موغل في القدم، في حين اكتفى وزير خارجيته بعبارات دبلوماسية طالب فيها بضرورة التهدئة وأهمية الالتزام بتنفيذ استحقاقات اتفاق نيفاشا للسلام؟!!
وربما لوقدر للكاتب الكبير قراءة مقالنا المتواضع ( أرميتاج .. ووهم التغيير) لكان حل له بعض الاشكالية فى سؤاله بالاتساق مع تعجبه بمقاله السابق عن ذنب البرادعى فى ترشيح نفسه ، الأمر الذى يجعلنى ـ تأدباً ـ أن أحوم حول ما فيه لا أن أحيلكم على قراءته .
أن ما يحدث للسودان والعرب يتفرجون هو بعينه ما حدث للعراق والعرب يتفرجون بعد أن أعطوا الاشارة بالضوء الأخضر بالموافقة ، بل أن بعضهم سارع فقال أن ماكان من انقضاض أمريكى على عراق / صدام ما كان ليحدث لولا أن الذى حث أمريكا على هذا قطار الاعتدال العربى وهو بذاته الذى أنار الضوء الأخضر مرة أخرى بالانقضاض على حزب الله سواء اتفقنا أو اختلفنا معه ، غير أن مكمن الخطورة هنا هو ما أشرت إليه وهو البعد الأمنى المصرى المحاصر من فلسطين بنصف القوس ليأتى انفصال الجنوب السودانى ليكمل مسيرة وضع القوس الثانى وبينهما مصر وصولاً فيما بعد قريباً أو بعيداً بانفصال الجنوب المصرى ذاته عن شماله ، والخريطة مرسومة من تسعينيات القرن المنصرم بذلك وهم مازالوا يخططون وينجحون ونحن ننظر وكأن الأمر لايعنينا بدعوى أن ( مصر بقيادتها الحكيمة ) وكل العرب عند كل المشاكل العربية تنعتهم الصحافة الأمريكية بالحكمة وتوصيهم بضبط النفس .
ولعنة الله على تلكم المقولة الفاسدة التى يتبجح بها كل نظام عربى وهو يشاهد أخيه العربى يذبح بدمٍ بارد ، والأعراض تنتهك ، والمقدسات تغتصب ، ويمارس اللوبى الأمريكى / اليهودى أقسى وأقصى عمليات الضغط على زعماء بعض البلدان العربية بعامة وقادة الدولة الفلسطينية بخاصة فيقف المسئول أمام الميكرفونات والكاميرات العالمية وكأنه ينفض يديه من كل التزام فيقول بابتسامةٍ بلهاء : أنه شأن داخلى ونحن لا نتدخل فيه .
أن الذى لم يسمح لأمريكا بالانقضاض على إحدى الكوريتين هو الجوار الدولى لهما من روسيا والصين واليابان فأعطوا لأمريكا الضوء الأحمر بالامتناع عن مجرد المحاولة ، ذلك الضوء الذى لم نضغط ـ نحن العرب ـ على ذِرِهِ ولا مرة حتى علاه الصدأ واليأس.
لقد بات حلم التوريث هو الحلم المثالى لمعظم الأنظمة العربية فيما يسمى بالجملوكيات ومنها دولتان تحيطان بالسودان دولة تدعى الحكمة والأخرى زعيمها ثورى .
والانفصال والوحدة شأن داخلى للسودان ، وأما التفتيت والتشظى فهو كلام مثقفين حالمين ـ هكذا سيقولون ـ ولكن بعد أن يكون قد وصل قطار الانفصال إلى محطة قطار مصر الجنوبية لزعيمها جرجس عطية دميان.
ساحة النقاش