عندما تأتى النبوءة من الصقور أو الحمائم الأمريكية تجد لها الأذن الصاغية والواعية فعلينا نحن العرب أن نصدقها ، بينما لو جاءت نفس النبوءة من السياسى العربى المجدول بالهم والرؤى العربية لكنا إتهمناه بالشوفينية واللعب لحساب أحد الأطراف أى إتهام قاتل بالعمالة .
وفى هذا الاطار يأتى السيد ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق، وأحد أبرز رموز تيار المحافظين الجمهوريين في الولايات المتحدة بنبوءتين لم تتحققا حتى الآن ، أما الأولى فهى :احتمال وقوع حدث تاريخي فاصل في مصر، معتبرًا أن وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد "صعب بالفعل" والمصريون لا يمكنهم الانتظار للأبد، بحسب تعبيره.
وتوقيت وقوع هذه النبؤة مرتبط بتوقيتها بالنبوءة الثانية وهى على حد زعمه : "إنني أخشى أن اللحظة الفاصلة والحاسمة آتية، وبشكل خاص الآن بعدما انتقل الثقل الاستراتيجي في الشرق الأوسط إلى الرياض، بعيدًا عن القاهرة".
فأما انتقال الثقل السياسى فى الشرق الأوسط إلى السعودية ، وهى الدولة التى تسبح مع مصر والأردن فى نفس السرب المتوافق مع الإدارة الأمريكية وما كان لأمريكا لتسمح بينهما بالصراع لأن المصالح متوافقة ، فحتى هذا الوهم على استلاب الزعامة من احدى الدولتين لصالح الأخرى ، هو تمايز مؤقت ولاينخدع به الخبير بسياسات الشرق الأوسط ، فقد باتت الجمهورية والمملكة مهددتان من قبل لاعبون نشيطون مثل إيران والتى تسعى لتطويق المنطقة بالفكر الشيعى لاسقاطها فى حجر الائمة ، لتشكل من الاتباع الجدد والقدامى حائطاً بشرى داعم لمخططاتها بالتأثيرعلى صانع القرار فى العالم ذلك القابع فى بيته الأبيض ، وكذلك تركيا التى تسعى لقيادة العالم العربى والاسلامى لتلعب بكارت ذلك المتوهج أردوغان ، الذى يعجب العرب بمواقفه الجافة والحازمة قليلاً مع اسرائيل ، وذلك بعد أن خلا سطح الكرة العربية من لاعب محترف مثله متوهج أحياناً ألا وهو صدام ، وبعد أن خبا نجم نصر الله سيد المقاتلين بعد أن خاب أمل المتعلقين بعباءته المقاتلة ، فأصبحوا أكثر حذراً فى متابعته ومشاهدته أصلاً .
أما القول بأن مصر أصبحت وشيكة الانفراج على منعطف ينذر بالتغيير ؛ فأنا أقول لأرميتاج ومن صدقوا نبوءته : نم واطمئن ، فهذا لا ولن يحدث ، فلن يسمح به لا النظام الحاكم المدعوم بالحرس الحديدى البوليسى حارس النظام ، ولن يسمح به الأمريكى سيد العالم ، وذلك ليس حباً فى النظام ولكن لعدة أسباب : منها أن أمريكا لاترى على الساحة المصرية حزباً قوياً يستطيع أن يتسلم الراية من الحزب الحاكم ، فقد أفلح المباركيون فى خلخلة تربة المعارضة داخل الجماعات والجامعات والأحزاب ولم يتبق لهم إلا الإخوان وهم يتسلون بهم منذ زمن لحين تأتى لحظة الانقضاض عليهم وهى التى بدأ الاعداد لها خاصةً فى ظل انقسام إخوانى وقيادة جديدة لم تكد تتسلم منصبها حتى بعثر النظام رجالها بالاعتقال حتى لايدركهم الوقت فى التخطيط وتحريك الجموع المتابعة لهم ونحن على وشك الانتخابات ، ثانياً أن الرجل الأمريكى يجد فى النظام الحكيم كل ما يبغى فهو ينفذ الأجندة بحذافيرها وليس ثمة داعٍ جوهرى للتغيير الآن ، وأمريكا نفسها ليست مستعدة ولا متفرغة لهذا التغيير ، ولا تستطيع فى ظل أزمتها أن تدفع تكلفة ثمنه الباهظ ، كما أن نجاد وحركاته السريعة اللامبالية بالتلويح بالعقوبات تشغل أمريكا عن أن تطرف عينها تجاه ذلك الركن المزعج من العالم .
فرفقاً بنفسك وبنا أرميتاج فالشعب لم يركن ظهره على حائط الصبر يستروح بظله ، وإنما الشعب بات مستسلماً يائساً من التغيير ، بل يشك فى كل قادم يحمل وعود ورايات الحرية ويلوح بها وإن كان (البرادعى) الذى تسرى فيهم شائعة أنه مدعوم من أمريكا أيضاً ، بعد أن سقطت ورقة التوت عن أيمن نور المرشح السابق للرئاسة ، والرجال العقلاء فى مصر لا ينوون على الإقدام بالبوح عن نواياهم وليس بالترشح للرئاسة ، لأن النظام الناعم فى حديثه خشن جداً عندما يلمح فى عين من ينادى أو يلوح بتناوب السلطة ، لأن القادم لابد أن يكون سليل العائلة وحامى النظام والرجال والمدعوم بالرجال الذين يملكون المال السياسى ، النظام الذى دفع ثمناً باهظاً فى سبيل تتويج وتكريس هذا الوعد/ الحلم ، ولن يسمح لأحدٍ أياً ما كان باستلابه منهم ، فقد شتتوا كل الرجال حول الرئيس القادم لتصبح الهالة حول بهائه ، ولتستقر من جديد مقولة الصامتين المستسلمين ( اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش ) وهى مقولة الخانعين الذين يبحثون عن كلمات يمرهمون بها أوجاعهم على سبيل التسكين المؤقت ، وحالهم فى هذا لا يختلف عن شعب خادم الحرمين الشريفين ، لأن الشعوب الساكتة المكلومة تعلم أن الأنظمة المدعومة لا يستطيع أحد زحزحتها بسهولة إلا من قائد جديد ليس مدعوماً لا من الشعب وحسب بل وممن يريدون تغيير النظام من أصحاب البيت اللا أبيض .. فهنأ بطول سلامة يا أرميتاج ...
ساحة النقاش