مكارم الاخلاق

المقدمــة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد. فإن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان مؤلفا من ثلاثة عناصر هي:.
 1- العقل الذي به شرفه على سائر الحيوانات-2          والجسم الذي هو من تراب
 3- والروح التي هي نفخة غيبية من أمر الله
وكل واحد من هذه العناصر الثلاثة قابل للتربية والنماء والزكاء والروح نماؤها وزكاؤها إنماهو باكتسابها للأخلاق الحميدة ومجانبتها للأخلاق السيئة وحسن أخلاق الإنسان دليل
 على تهذيب روحه وصفاء طبعه، وسوء أخلاقه دليل على خبث طويته وعلى خبث روحه نسأل الله السلامة والعافية. ولأهميةالأخلاق فقد عدها الدين ركن من أركانه لا يقوم إلا به
 فقد سئل الرسول (ص) ما الدين ؟ فقال " حسن الخلق وقد كان العرب في جاهليتهم يتحلون ببعض الأوصاف الحميدة، التي أقرها الشرع وهي من حسن الخلق، فكرم الضيافة
 والشجاعة والعفة هي من الأخلاق الحميدة، ولذلك فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأمر بتحفظ أشعار العرب لما فيها من المروءة فمثلا قول عنترة بن شداد العبسي في وصف نفسه وعفته:
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد ** لا أتبع النفس اللجوج هواها
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ** حتى يواري جارتي مأواها
فبين عفته وتحليه بهذه الأخلاق الحميدة مع شجاعته وكرم نفسه، وكذلك ما قال الآخر في وصيته لابنه:
أبني إن أباك كارب يومه           **          فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
والله فاتقه وأوف بنذره             **         وإذا حلفت مباليا فتحلل
واستغن ما أغناك ربك بالغنى     **          وإذا تصبك خصاصة فتجمل
وهكذا وقد كان كثير من الحكماء يوصون بكثير من الأخلاق الحميدة حتى في العصر الجاهلي وقد أقر ذلك الإسلام، ولا شك أن وصايا زهير بن أبي سلمى ولبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه كلها تدل على أن الأخلاق الحميدة محبوبة لدى جميع الناس من مسلمهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم، فكلهم يحبون الخلق الحسن ويكرهون الخلق الذميم، وذلك فطرة فطر الله الناس عليها جميعا، فكل من كان سيئ الخلق كان بغيضا لدى الناس حتى لو كان مسلما، وكل من كان حسن الخلق يحبه الناس في تعاملهم معه حتى لو كان كافرا، وقد كان عدد من المتصفين بالكفر على خلق فأحبهم الناس من أجل ذلك، فهذا عبد الله بن جدعان التيمي من بني تيم بن مرة من قريش كان كريم الخلق فأحبه الناس حبا شديدا، وقد أثنوا عليه ثناء عطرا، ومن ذلك ثناء أمية بن أبي الصلت الثقفي عليه وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا منه، وكذلك تمادحهم بالأخلاق الحميدة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ويقره، وذلك يدل على أن المروءة والشهامة والخلق الطيب محمود حتى لو كان في أهل الجاهلية ولو كان في الكفار، فالوفاء الآن صفة حميدة محبوبة لدى الناس حتى لو صدرت من كافر لا يجمعك معه قناعة، وتكبرها فيه وتجلها لديه، وكذلك الصدق فإذا جربت الصدق على إنسان فإنه سيصبح محل ثقة لديك حتى ولو كانت قناعتك مختلفة عن قناعته في كثير من الأمور و بحثنا هذا يدور حول الحديث عن حسن الخلق ومكارم الأخلاق . و سيكون الكلام في النقاط التالية :
(1) :
مفهوم الأخلاق الإسلامية .    (2) : أنواع الأخلاق .   (3) : مجالات حسن الخلق . (4) : فضل حسن الخلق   (5) :نماذج ممن حسن خلقه .   (6) : فوائد حسن الخلق

 (7): سهام للصيد .   (8) : هل يمكننا تغيير الأخلاق؟               
! (9):
كيفيه اكتساب حسن الخلق       (10) : مكارم الاخلاق فى الشعر .

 

مفهوم الأخلاق الإسلامية .
الأخلاق فى اللغة جمع خلق ، والخلق بضم الخاء وسكونها الدين والطبع والسجية
والخلق صورةالإنسان الباطنةأي أنةصفةنفسيةداخليةوأماالمظهرالخارجي لهذةالصفةالنفسي فيسمي سلوكاًأومعاملة

أنواع الأخلاق .
الخلق خلقان 1- خلق فطري (طبع) يفطر عليه الإنسان ويتعودعليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقدم عليكم أهل اليمن هم أصفى أفئدة وأرق قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية. -2 خلق مكتسب (تطبع) وهو ما يتعود الإنسان عليه فيجاهد نفسه حتى يحصل له
 الخلق ولذلك قال الني صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس ) إن فيك لخلقين يحبهما الله :
 الحلم والأناة (قال يا رسول الله , أهما خلقان تخلقت بهما , أم جبلني الله عليهما , قال بل جبلك الله عليهما ) فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله ( . فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا وهنا مسألة وهي : أيهما أفضل رجل جُبل على خلق حميد،ورجل يجاهدنفسه على التخلق به,فأيهماأعلى منزلة من الآخر؟  قال الامام العثيمين الطبع بلا شك أحسن من التطبع,لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار
 سجية للإنسان وطبيعة له,لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف, ولا يحتاج في استدعائه إلى عناءومشقة,ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء وأما الآخرالذي يجاهدنفسه ويروضهاعلى حسن الخلق،فلا شك أنه يؤج علىذلك من جهةمجاهدةنفسه,هوأفضل من هذه الجهة ,لكنه من حيث كمالُ الخلق أنقص بكثيرمن الرجل الأول .ومن وجةآخرى تنقسم الأخلاق الى
-1
أخلاق محمودة :وهي التي اتصف بها عباد الله الصالحون و على رأسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي كالأخذ بالحق أو الخير وإن خالف الهوى وترك الباطل والشر والقبح وإن وافق الهوى أو الشهوة .
2
- أخلاق مذمومة من كالأخذ بالباطل أو الشر أو القبح ، وترك الحق أو الخير أو الجمال ، اتباعاً للهوى أو الشهوة .

 مجالات حسن الخلق .
يقول الدكتورجمال محمدالزكى إن مجالات حسن الخلق  باعتبارعلاقاتهاـ تنقسم إلىأربعة :
أ ـ حسن الخلق فى الصلة القائمة بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى . فالفضيلة الخلقية تفرض على الإنسان كثيراً من السلوك الأخلاقى تجاه خالقه منها
-1
 تلقى أخبارالله تعالى بالتصديق.قال الامام العثيمين بحيث لايقع عندالإنسان شك,أوتردد في تصديق خبرالله تبارك وتعالى,لأن خبرالله تعالى صادرعن علم,وهو سبحانه كمال قال تعالى عن نفسه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (
-2
 تلقى أحكام الله تعالى بالقبول والتنفيذ والتطبيق-3  يقول ايضا العثيمين .
-4
 معنى هذاأنه لايردشيئاًمن أحكام الله,فإذارد شيئاًمن أحكام الله فهذاسوء خلق مع الله عز وجل,سواءٌردها منكراً حكمها,أوردها مستكبراًعن العمل بها،أوردها متهاوناً بالعمل بها,فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل .
-5
 تلقى أقدار الله تعالى بالرضا والصبر . فأقدار الله تعالى منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم ،ولذلك
 فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره،هو أن يرضى الإنسان ويستسلم ويطمئن ولهذا امتدح الله الصابرين بقوله وَبَشِّرالصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌقَالُواإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاإِلَيْهِ رَاجِعُونَ
ب ـ حسن الخلق فى الصلة بين الإنسان وغيره من الناس.وهى كماقال الحسن البصرى كف الأذى،وبذل الندىـالكرم والجود ـ ،وطلاقة الوجه .
ففى كف الأذى
وكف الأذى:أساسه الحياء والمروءة الفاضلةالتي تمنع الإنسان من أذيةإخوانه.فقدأعلن الرسول حرمة أذية المسلم بأى نوع من أنواع الأذى فقال:"إن دماءكم وأموالكم،وأعراضكم حرام،كحرمةيومكم هذافى شهركم هذا،فى بلدكم هذا
وبذل الندى : الندى هو الجود والسخاء، يعنى أن تبذل الكرم والجود . وهى خلق أصيل من أخلاق الرسول. عن جابر بن عبد الله قال : " ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال " لا "
أما طلاقة الوجه وهوإشراقه حين مقابلة الخلق وهو ضد العبوس ولذلك يقول الرسول لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق وقد نظمه بعض الشعراء فقال: بني إن البر شيء هين *** وجه طليق ولسان لين
حـ ـ حسن الخلق فى الصلة بين الإنسان ونفسه.ومنهاالصبرعلى المصائب،والأناةفى الأمور،واتقان العمل ، وعدم استعجال الأمور ....
د ـ حسن الخلق فىالصلةبين الإنسان وغيره من المخلوقات.فحسن الخلق فى الإسلام يمتد ليشمل كل الكائنات الحيةولذلك غفرالله لبغى من بنى إسرائيل سقت كلباً يلهث من العطش ، ودخلت امرأةالنارفىهرة حبستهالاهىأطعمتهاوسقتهاولاهىتركتهاتأكل من خشاش الأرض.
 فضل حسن الخلق .
وحسن الخلق مطلوب شرعاومن المهمات العليا،و تتبين مكانةحسن الخلق في الإسلام

أن الله سبحانه يحبه معالي الأخلاق ففي الحديث "أن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق و يكره سفسافها".
الأمربحسن الخلق:فقد أمرالله به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
-1
أثنى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، بحسن الخلق،فقال:"وإنك لعلى خلق عظيم" وأيضا عن عطاء رضي
 الله عنه قال:قلت لعبدالله بن عمروأخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال:أجل والله إنه لموصوف في التوراةبصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراًوحرزًاللأميين،أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفوويغفر،ولن يقبضةالله حتى يقيم بةالملةالعوجاء،بأن يقولوالاإله إلاالله،ويفتح بهاأعينًاعميًاوآذانًاصمًا وقلوبًاغلفًا
 -2
بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل حسن الخلق ومنزلة صاحبه، فقال: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا
-3
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال"إنمابعثت لأتمم مكارم الأخلاق وفي لفظ"صالح الأخلاق فكأنه صلى الله
 عليه وسلم حصر البعثة في إتمام مكارم الأخلاق . لكن المقصود بالحديث أحد أمرين : إنما أن يكون هذا خرج مخرج
 التأكيد على أهمية الأخلاق كما فى قول الرسول عليه :" الحج عرفة "أى أن الوقوف بعرفة من أركان الحج،ولايتم الحج إلا بها ،وإماأن يكون المقصود بالأخلاق معنى أشمل مماهو متعارف عليه بين الناس،فيكون معنى الأخلاق يعنى معاملةالعبد مع ربه ،ثم معاملته مع نفسه ، ثم معاملته مع الخلق ،أى : معاملته مع الحق ،ومعاملته مع الخلق، وبهذاالمعنى يكون الرسول لم يبعث فعلاً إلا لتقويم أخلاق الناس مع ربهم أولاً:اعتقاداً ، وعبادة ، ثم مع الخلق ثانياً .
*-4
قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا : " من أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق "
قال العلامة محمد بن محمد المختار الشنقيطى
قال بعض العلماء: قلَّ أن تجد إنساناً كريم الخلق إلا وجدته نقي الصدر؛ لأن مكارم الأخلاق لا تكون إلا بسلامة الصدور، وقلَّ أن تجد إنساناً فظاً غليظاً كثير الجفاء للناس، وكثير الأذية لهم، إلا وجدت في قلبه من الضغينة والبغضاء ما يحمله على ذلك -نسأل الله السلامة والعافية-
وقال بعض العلماء: لا تكون محاسن الأخلاق إلا برحمة من الله جل وعلا، وأول ما تكون محاسن الأخلاق وكريم الخلال للإنسان برحمة يقذفها الله في القلوب، ومصداق ذلك في قوله تعالى يخاطب نبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني: أن الإسلام ليس فيه إلا السماحة والعفو ولين الجانب، ولذلك وصف الله المؤمنين مع بعضهم فقال: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54] فإذا كمل إيمان العبد أصبح لا يستطيع أن يؤذي أحداً من إخوانه المسلمين، لا ترى منه إلا خيراً، بمجرد أن تلقاه أول ما ترى كريم الخصال وطيب الخلال
*-5
وقال أحد الحكماء بالخلق تملك العالم.
وقال آخر
وكل جراحة فلها دواء و سوء الخلق ليس له دواء
وقال ثالث
بلوغ الآفاق بسمو الأخلاق
ومن الحكم التي قيلت في شأن الحياء: ( من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه)
*
ويقول الشاعر:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت........... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
*
إذن
من كان حسن الخلق فإنه لا بد أن يوفق للطاعات العلى، وكذلك يختار لجوار النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجات العلى من الجنة،
ومن كان سيء الخلق نسأل الله السلامة والعافية لا يوفق للطاعات الكبرى، ولا يستطيع كذلك أن يكون من العابدين لأن سوء خلقه مقتض منه للنفرة والطرد عن الحضرة والمقام الرفيع .

نماذج ممن حسن خلقه .
نماذج ممن حسنت أخلاقهم:
إن النصوص السابقة لا تستمد أثرها إلا إذا كان هناك من طبقّها بالفعل. والآن نحاول النظر في سيرته صلى الله عليه وسلم
جاءت أوصافه فى القرآت الكريم بصفات بلغت درجة الكمال البشرى كيف لا وهو المقدم في كل صفه حميدة عرفت شرعاً أو طبعاً .
ومن هذه الصفات :
أ ـ الخلق العظيم . ب ـ ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) . حـ ـ التواضع ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .
د ـ الصبر ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ )
هـ ـ الشجاعة ( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) .
و ـ العفو ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) . ز ـ الجود والكرم ( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .
ح ـ الزهد ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ ) .
أ ـ الخلق العظيم .
فى قوله تعالى :( وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
روى البيهقى بسنده عن زيد بن بابنوس قال : قلت لعائشة : كيف كان خلق رسول الله قالت : كان خلق رسول الله قالت القرآن ثم قالت:أتقرأ سورة المؤمنون ؟ اقرأ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) إلى العشر.قالت:هكذا كان خلق رسول الله .
فلقد صار امتثال القرآن أمراً ونهياً خلقاً له ، فما أمره به ربه فعله و ما نهاه عنه تركه و ما ذكر سبحانه له من خلق حسن إلا و اتصف به و ما ذكر له من خلق سيئ إلا ابتعد عنه.
ب ـ ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) .
فى قوله تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )
وصف صلى الله عليه وسلم فى الايه بوصفين
الأول : عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ .أى (يشق عليه عنتكم ومشقتكم مما فى قلبه من رأفة ورحمة نحوكم )
الثانى : حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ . أى (لا يلقى بكم فى المهالك ولا يدفع بكم إلى المهاوى فكون الرسول حريصاً على المؤمنين يدل على أنه شديد إرادة النفع وابتغاء الخير لهم وصيانتهم من كل ما يصرفهم عن طريق الجنة .(
وجاء ذكر هذين الوصفين توطئة لتحليته بالدرتين الخلقيتين العظيمتين هما أنه : ( رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )
حـ ـ التواضع ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .
مما أدب الله به رسوله أن يتحلى بخلق التواضع وخفض الجناح للمؤمنين واللين لجانبهم ولذلك كان الأمر الإلهى بهذا الخلق العظيم للنبى بقوله ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) وقوله تعالى ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )
وكان لا يتعالى على أصحابه ولا يترفع عليهم . فعن عثمان بن عفان فى خطبة له " إنا والله قد صحبنا رسول الله فى السفر والحضر ، وكان يعود مرضانا ، ويتبع جنائزنا ، ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير "
وكان متواضعاً فى بيته :فعن عروة بن الزبير قال : سأل رجل عائشة رضى الله عنها : " هل كان رسول الله يعمل فى بيته ؟ قالت : نعم كان رسول الله يخصف النعل ، ويخيط الثوب ، ويعمل فى بيته كما يعمل أحدكم فى بيته " .
وكان متواضعاً فى طعامه وشرابه : فكان لا يرد من الطعام موجوداً ، ولا يتكلف مفقوداً ، فما قرب إليه شئ من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، وما عاب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه . فعن ابن عباس قال : " كان رسول الله يجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض ، ويعقل الشاة ، ويجيب دعوة الملوك على خبز الشعير " وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد 
فكان أبعد الناس عن الكبر ، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
د ـ الصبر ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان..
فقد أخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال : ( رأيت إبراهيم وهو يجود بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)
هـ ـ الشجاعة ( وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) .
وقد سئل البراء بن عازب أفررتم عن رسول الله يوم حنين ؟ فقال : ولكن رسول الله لم يفر ، كانت هوازن رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ، ولقد رأيته على بغلته البيضاء ، وأن أبا سفيان آخذ بزمامها وهو يقول : " أنا النبى لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " (5)
و ـ العفو ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) . مكرمة العفو
لقد تمثلت هذه المكرمة بجلاء بين فى رسول الله فقد روى أبو هريرة أن النبى لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شديداً : لو دعوت عليهم ! فقال " إنى لم أبعث لعاناً ، ولكن بعثت داعياً ورحمة . اللهم أهد قومى فإنهم لا يعلمون "
قال القاضى أبو الفضل : انظر ما فى هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان ، وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم ، إذ لم يقتصر النبى على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ، ثم أشفق عليهم ورحمهم ، ودعا وشفع لهم ، فقال : " أغفر " أو " اهد " ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله " لقومى " ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال " فإنهم لا يعلمون "
ز ـ الجود والكرم ( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .
قال جابر بين عبدالله رضي الله عنهما ما سئل رسـول الله صلى الله عليه وســلم قط فقال( لا
وأيضا
من كرمه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم
قال مسلم بن الوليد
يجودُ بالنفس إن ضنّ البخيلُ بها
والجودُ بالنفس أقصى غايةَ الجودِ
ح ـ الزهد ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ ) .
قال الامام محمد صالح العثيمين فى كتابه " مكارم الاخلاق "
كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة , خيره الله تعالى بين أن يكون ملكاً نبياً أو عبداً نبياً , فاختار أن يكون عبداً نبياً , وخيره بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وبين ما عند الله فاختار ما عند الله .
قال أنس : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمل بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف , فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر , فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير عمر بين جنبيه وبين الشريط ثوباً , وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( ما يبكيك يا عمر ؟ ) قال : والله إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على الله عز وجل من كسرى وقيصر , وهما يعبثان في الدنيا فيما يعبثان فيه , وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ ) قال عمــر : بلى , قال ( فإنه كـذلك .
هذه درر من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذوها نبراساً لكم تأتمون به وتأخذون بهديه وتسيرون على منهاجه فتهتدوا , فإن الله جبله على مكارم الأخلاق , وأمرنا بالاقتداء به . قال الله تعالى " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتََدُون َ"

 فوائد حسن الخلق .
لحسن الخلق فوائد كثيرة أهمها:
-
أنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه و سلم وامتثال لأمره و انتهاء عن نهيه عن سوء الخلق.
_
أنها سبب لجلب الرزق قال يحي بن معاذ "في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق "
_
أن حسن الخلق يزيد في العمر كما في الحديث "حسن الخلق و حسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.حسن الخلق أيضا مقتض للتأثير على الآخرين، فمجرد حسن خلق الإنسان يمنع الوقوع في كثير من الأمور بين يديه، لأنه يستحيا منه، فمن كان حسن الخلق استحيي منه، ومن كان سيئ الخلق لم يستحي منه أصحاب الفجور، وقد قال أحد العلماء في رثائه لأحد أخوانه من أهل العلم حين مات قال
فيغري بفعل المكرمات انبساطه ****ويحميك أن تأتي القبيح احترامه
_
من فوائد حسن الخلق أنه مقتض أيضا لإحسان العشرة واستمرارهافكل من كان حسن الخلق ستستمر علاقته بمعاشريه، وكل من كان سيئ الخلق فلن يصبر عليه أحد وسيشق التعامل معه
_
وحسن الخلق كذلك دليل على وفرة العقل وتمامه، فالإنسان الذي لديه عقل وافر لا يمكن أن يكون سيء الخلق مع الناس، لأن له من التفكير ما يستطيع به الوصول إلى ما يحبه الناس، وبذلك يؤثر عليهم، ولا يحتاج إلى إساءة الخلق في التعامل معهم لأنه ينال بالرفق ما يريد نيله الناس بما سواه
_
حسن الخلق أيضا يقتضي من الإنسان اجتناب كثير من الرذائل والسمو بنفسه عنها، وبذلك تعلو منزلته ويرتفع قدره، فالإنسان إذا كان سيء الخلق سينغمس في كثير من الرذائل بسبب سوء خلقه وسوء معاملته للناس، وإذا انغمس فيها فإنها تدعوه للانخفاض وهي منافية لرفع الدرجات، أما إذا حسن أخلاقه فإنه سيرضي الجميع، ولذلك فقد جاء: إنك لن تسع الناس بمالك فلتسعهم بحسن خلقك، يستطيع الإنسان أن يوزع حسن خلقه على الناس، فيكتسبهم جميعا ولو كان ماله قليلا، ولو كان ضعيف ذات اليد، فحسن خلقه كفيل بإرضاء الناس عنه .

سهام للصيد
يقول الشيخ ابراهيم الدويش حفظه الله تعالى
سهام الصيد
أي: صيد القلوب، أعني تلك الفضائل التي تُستَعطَف بها القلوب، وتستر بها العيوب، وتستقال بها العثرات، وهي صفات لها أثر سريع وفعال على القلوب، وإلا فإن فضائل ومكارم الأخلاق كثيرة. إليك أيها المحب! سهاماً سريعةً ما إن تطلقها حتى تملك بها القلوب، فاحرص عليها وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف، واستعن بالله. ......
السهم الأول: الابتسامة
قالوا هي كالملح في الطعام، وهي أسرع سهم تملك به القلوب، وهي مع ذلك عبادة وصدقة، (فتبسمك في وجه أخيك صدقة) كما في الترمذي ، وقال عبد الله بن الحارث : [ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم] أخرجه أحمد و الترمذي وقال: سند حسن.
السهم الثاني: البدء بالسلام
سهم يصيب سويداء القلب، ليقع فريسةً بين يديك، لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة، وحرارة اللقاء، وشد الكف على الكف، وهو أجر وغنيمة (فخيرهما الذي يبدأ بالسلام). قال عمر الندي: [خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه] وقال الحسن البصري: [المصافحة تزيد في المودة]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) كما في صحيح مسلم. وعند مالك في الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم قال: [تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء] قال ابن عبد البر: هذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها.
السهم الثالث: الهدية
ولها تأثير عجيب! فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود، بل ومندوب إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها. قال إبراهيم بن محمد الزهري: خرجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته، ففعلت، فقال لي: تذكر هل بقي أحد أغفلناه؟ قلت: لا. قال: بلى. رجل لقيني فسلم عليّ سلاماً جميلاً صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير. انتهى كلامه. انظروا! أثر فيه السلام الجميل فأراد أن يرد عليه بهدية ويكافئه على ذلك.
السهم الرابع: الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع
وإياك وارتفاع الصوت وكثرة الكلام في المجالس، وإياك وتسيد المجالس، وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة (فالكلمة الطيبة صدقة) كما في الصحيحين ، ولها تأثير عجيب في كسب القلوب والتأثير عليها حتى مع الأعداء، فضلاً عن إخوانك وبني دينك! فهذه عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لليهود: (وعليكم السام واللعنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله) والحديث متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بحسن الخلق، وطول الصمت؛ فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما) أخرجه أبو يعلى والبزار وغيرهما.
قد يخزن الورع التقي لسانـه حذر الكلام وإنه لمفوه
السهم الخامس: حسن الاستماع وأدب الإنصات وعدم مقاطعة المتحدث
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، ومن جاهد نفسه على هذا؛ أحبه الناس وأعجبوا به، بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة، واسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء قال: [إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد].
السهم السادس: حسن السمت وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله جميل يحب الجمال) كما في مسلم . وعمر بن الخطاب يقول: [إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح]. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: إني ما رأيت أحداً أنظف ثوباً، ولا أشد تعهداً لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوباً وأشده بياضاً من أحمد بن حنبل.
السهم السابع: بذل المعروف وقضاء الحوائج
سهم تملك به القلوب، وله تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
بل تملك به محبة الله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس) والله عز وجل يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى كأنك مملوك لكل رفيق.وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً على الكبد الحرى لكل صديق
أيها الإخوة والأخوات! عجبت لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحراربمعروفه، ومن انتشر إحسانه كثر أعوانه.
السهم الثامن: بذل المال
فإن لكل قلب مفتاح، والمال مفتاح لكثير من القلوب، خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه؛ خشية أن يكبه الله في النار) كما في صحيح البخاري . صفوان بن أمية فر يوم فتح مكة خوفاً من المسلمين، بعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام، والكيد والتآمر لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان ويرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام، فقال له الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل لك تسير أربعة أشهر) وخرج مع رسول الله إلى حنين و الطائف كافراً، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في الغنائم رأى صفوان يطيل النظر إلى واد قد امتلأ نعماً وشاءً ورعاءً، فجعل عليه الصلاة والسلام يرمقه ثم قال له: (أيعجبك هذا يا أبا وهب ؟ قال: نعم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك وما فيه) فقال صفوان عندها: [ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]. أيها الأحبة! لقد استطاع الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذه اللمسات، وهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه، فلماذا هذا الشح والبخل؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى الفقر أمام عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق.
السهم التاسع: إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم
فما وجدت طريقاً أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه، فأحسن الظن بمن حولك، وإياك وسوء الظن بهم، وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، واسمع لقول المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
عوّد نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك، فقد قال ابن المبارك: [المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم] ومن علامات شقاء الأمة: أن تشغل بنفسها عن أعدائها.
السهم العاشر: أعلن المحبة والمودة للآخرين
فإذا أحببت أحداً، أو كانت له منزلةً خاصةً في نفسك فأخبره بذلك، فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته بمنزله فليخبره أنه يحبه) كما في صحيح الجامع ، وزاد في رواية مرسلة: (فإنه أبقى في الألفة وأثبت للمودة). لكن شرط المحبة: أن تكون لله، وليس لغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال، والشهرة والوسامة والجمال، فكل أخوة لغير الله هباء، وهي يوم القيامة عداء الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] و (المرء مع من أحب) كما قال صلى الله عليه وسلم، يعني: يوم القيامة. إذاً: فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرق للتأثير على القلوب، فإما مجتمع مليء بالحب والإخاء والائتلاف، أو مجتمع مليء بالفرقة والتناحر والاختلاف، لذلك حرص صلى الله عليه وسلم على تكوين مجتمع متحاب، فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أن فلاناً صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيين في قبر واحد بعد استشهادهما في إحدى الغزوات، بل أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشر هذه المحبة، ومن ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) كما في صحيح مسلم . أيها الإخوة! إن المشاعر والعواطف والأحاسيس الناس منها على طرفي نقيض -وللأسف- فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب عقلي جامد جاف مجرد من المشاعر والعواطف، وهناك من يتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق ربما وصل لدرجة العشق والإعجاب، والتعلق بالأشخاص. والموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال والأشخاص، وهو مطلب لا يستطيعه كل أحد لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء.
السهم الحادي عشر والأخير: المداراة
فهل تحسن فن المداراة؟ وهل تعرف الفرق بين المداراة والمداهنة؟ روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة : يا رسول الله! حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه</strong

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 669 مشاهدة
نشرت فى 1 يناير 2014 بواسطة elmorsy62

ساحة النقاش

احمد مرسى مرعى جاد

elmorsy62
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

76,147