مداخل بناء المنهج

أ / محمود الفرماوى

بصرف النظر عن صور المنهج وأنواعه فان لكل منهج مدخله لمعالجة محتواه والذي يحدد إطاره العام ومحاوره الأساسية ومع أن هناك مداخل متعددة للمنهج إلا أن هذا لا ينفي التداخل بين هذه المداخل

 

أولا : المدخل المنطقي :

يعد هذا المدخل من أقدم المداخل وأكثرها شيوعا وذلك لأنه يتماشي مع الأسس المنطقية لتنظيم المعرفة الإنسانية من وجهة نظر العلماء في ضوء التصور العام السائد ولما كان هذا التصور العام قد يختلف من مجال إلي آخر فبالتالي يختلف هذا التنظيم من مادة إلي أخري

 

خصائص المنهج المنطقي

 


1. من القديم إلي الجديد :

يقوم هذا المدخل علي أساس البدء من القديم إلي الحديث ولعل من ابلغ أمثلته تنظيم التاريخ بحيث تبدأ من بداية الإنسان ونسير قدما خلال الحقب التاريخية المتتالية حتى نصل إلي الحاضر ولعل من أهم ما يؤخذ علي هذا المدخل انه يبعد الشقة بين الماضي والحاضر والمستقبل الأمر الذي يقلل من دافعية التعلم ويفقد الهدف الرئيسي من دراسة التاريخ .


2. من البسيط إلي المركب :

ويستند هذا المدخل علي القول بان كل شيء يتكون من أجزاء متجمعة معا , وإذا درست كل هذه الأجزاء فهم الكل ومن أمثلة هذا المدخل التنظيم المأخوذ عند البعض في دراسة الكيمياء من العناصر إلي المركبات والتاريخ الطبيعي من الكائنات الدقيقة إلي الحيوانات والنباتات المعقدة ولعل أهم ما يؤخذ علي هذا المدخل أمران أولهما أن الكل ليس مجموع أجزاء بل هو نظام لهذه الأجزاء يتحدد لا بسمات هذه الأجزاء بل أيضا بنوعية العلاقة بينهما وثانيهما أن هذا المدخل لا يتيح الفرصة أمام المتعلمين لمعايشة المواقف والظواهر الحقيقية كما تري في الواقع الفعلي


3. من المسلمات إلي النظريات :

والمثال الواضح في هذا المجال هو الرياضيات حيث يبدأ النظام الرياضي من مجموعة من المسلمات ثم يأتي بعد ذلك النتائج المترتبة عليها من نظريات مثل المسلمات التي بنا عليها إقليدس هندسته المعروفة بالهندسة الاقليدية ومع أننا لا نعارض مثل هذا المنطق الذي يطلق العنان للفكر الإنساني إلا أننا نري صعوبة استخدامه في المراحل التعليمية المبكرة كما انه قد لا يتيح للمتعلمين فرصة التعرف علي التطبيقات الواسعة لهذه النظم الشكلية في الحياة العملية

 

 

ثانيا : مدخل المشكلات

ويعني هذا المدخل بان تدور الوحدة الدراسية حول مشكلة قد تكون شخصية أي متعلقة بما يعانيه المتعلم في حياته اليومية أو مشكلة اجتماعية تنبع من ظروف المجتمع أو قد تكون مشكلة علمية تواجه التطور العلمي في المجال المهني وخلال معالجة هذه المشكلة يتعلم المتعلمون الحقائق والمفاهيم والقوانين والمهارات ويكتسبوا الاتجاهات المرتبطة بموضوع المشكلة ويمتاز هذا المدخل بأنه يجعل التعليم ذا وظيفية في حياة الأفراد في نفس الوقت الذي يعلمه منهج التفكير العلمي ويدربهم علي كيفية مواجهة الحياة في صورتها الواقعية.
إلا انه ما لم نعن في هذا المدخل بان يكتسب المتعلمين الحقائق والمفاهيم والقوانين العامة والقدرة علي استخدام منهج التفكير في الحياة بصرف النظر عن نوعية المشكلة فان هناك خشية بان يقتصر التعلم علي مواجهة المشكلات التي يعالجها المنهج الدراسي فقط مع العلم بان مشكلات الحياة عديدة ومتجددة وما يواجه المتعلم في الحاضر قد لا يواجهه في المستقبل الذي يحمل مشكلات جديدة نحن غير قادرين علي التنبؤ بها وبالإضافة إلي هذا أن المنهج الدراسي أضيق من أن يتسع ليشمل جميع المشكلات التي يحس بها المتعلمون وبالتالي قد نغفل بعض المعارف والمهارات والاتجاهات الهامة في حياة المتعلمين

 

ثالثا : مدخل المفاهيم الكبرى

 


يستند هذا المدخل علي أن التطور المعرفي قد أدي إلي تجمع الجزئيات حول كليات كما أن الحقائق والمعارف قد ازدادت بحيث من غير الممكن احتواء المنهج الدراسي عليها جميعا ومن ثم ينبغي علينا أن نسعى إلي تعلم المفاهيم التي تمثل الخصائص المشتركة بين العديد من المعارف والمواقف كما أوضحنا من قبل ولما كانت المفاهيم تنتظم في صورة هرمية أي كل مجموعة من المفاهيم قد تنتظم حول مفهوم اكبر فقد يكون من المفيد أن نتخذ من هذه المفاهيم الكبرى محاور أساسية في المناهج الدراسية بحيث يمكن من خلالها أن يفهم المتعلمون الحقائق والمفاهيم المندرجة تحتها بل يمكن أيضا أن يعرف تلك الحقائق والمفاهيم التي قد لا يتعلموها في التعليم النظامي ولكن تواجههم في حياتهم الحاضرة والمستقبلية فمثلا يمكن أن نبني منهجا حول مفهوم الاتزان وهو احد المفاهيم الكبرى التي توصل إليها العلم ومن خلال تعلم هذا المفهوم يفهم المتعلمون الاتزان البيئي والاتزان في الكائنات الحية والاتزان الكيميائي والاتزان في الظواهر الطبيعية وهكذا بالنسبة للعديد من المفاهيم الكبرى مثل مفهوم العدد في الرياضيات ومفهوم الجدل في العلوم الاجتماعية ويحتاج الأخذ بهذا المدخل في بناء المنهج إلي عناية كبيرة في وضع استراتيجيات تعلم هذه المفاهيم بحيث يمكن للمتعلمين الإفادة منها في تفهم الحياة والكون واستنباط الحقائق التي تفيدهم في مواجهة حياتهم اليومية وإلا حدثت فجوة بين ما يتعلمه المتعلمون ويبن التعامل مع المواقف الحياتية المختلفة

 

رابعا : المدخل الوظيفي

( مدخل العمليات )

 


ويستند هذا المدخل علي أن كل فرد له ادوار متعددة في حياته فهو عضو في أسرة وعضو في مجتمع له نظام يحدد حقوق الفرد وواجباته ويؤدي عملا أو وظيفة ما يكسب منها يعيشه ولما كان التعليم يهدف إلي إعداد الأفراد للقيام بهذه الأدوار وما يرتبط بها من عمليات فان أنصار هذا المدخل يرون أن يكون مدخلنا لبناء المنهج هو تحليل ما يتطلبه كل من هذه الأدوار من خصائص معرفية أو مهارية أو وجدانية
وبالتالي توجيه المحتوي لكي ينمي هذه الخصائص ولعل أكثر المناهج أخذا بهذا المدخل هي مناهج الإعداد المهني

( التعليم الفني والكليات الجامعية المهنية )
حيث يبدأ بناء المنهج بتحليل العمل المطلوب الإعداد له إلي مكوناته ثم وضع المعارف والمهارات والاتجاهات المرتبطة بهذه المكونات ولعل الخشية الأساسية من الأخذ بهذا المدخل تأتي من إدراكنا أن الوظائف والمهن والعمليات دائمة التطور بتأثير العوامل العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية وبالتالي فان التقيد التام بتحليلنا لمتطلبات المهنة أو العمل أو الدور الفردي والاجتماعي في صورته الحاضرة يعني تجميد الحياة أو عدم إعداد الأفراد للمستقبل .
ومن هنا تأتي أهمية النظرة المستقبلية من جانب وإعداد الأفراد لمواصلة التعلم من جاني آخر وهذا يقتضي المزاوجة بين هذا المدخل وبعض المداخل الأخرى مثل مدخل المفاهيم الكبرى .

خامسا : المدخل البيئي

 


وبالرغم من أن المجتمع الإنساني قد تطور من خلال التفاعل الدائم والمستمر بين الإنسان وبيئته , وان التربية كانت وما زالت وظيفتها الأساسية إعداد الأفراد لهذا التفاعل , إلا انه لظروف وعوامل متعددة كانت وما زالت مناهج التعليم المقصود تبتعد بدرجة أو بأخرى عن تحقيق هذه الوظيفة , أو علي الأقل يتم هذا بدون وعي بأبعاد ومضمون هذا التفاعل .
ومن هنا بدا كثير من المربيين في الاهتمام بما يسمي بالتربية البيئية . فظهرت مناهج خاصة بالتربة البيئية أخذت بصورة متعددة مثل دراسة البيئة من خلال الخروج إلي البيئة الخارجية ( المعسكرات , الرحلات ) ومقررات صيانة البيئة وحمايتها وفي بداية الستينات , ظهرت حملة عالمية للتصدي للمشكلات التي نجمت عن التقدم العلمي والتكنولوجي وما أحدثته من خلل في مكونات البيئة مثل مشكلة التلوث البيئي بأنواعه والسكان والتصحر ونقص الطاقة والغذاء ولعل أول واهم مؤتمر عالمي تناول هذه القضايا هو المؤتمر الذي عقدته هيئة الأمم المتحدة في استكهولم بالسويد سنة 19772.
ومنذ ذلك الوقت عقدت العديد من المؤتمرات العالمية والمحلية وتكونت العديد من المنظمات التي تهتم بالتربية البيئية .
وبالتالي لم يعد الأمر قاصرا علي بعض المقررات البيئية بل امتد بحيث شمل هذا الاتجاه جميع المواد والمقررات الدراسية في مختلف أنواع المؤسسات التعليمية .
ونحن نري من جانبنا أن هذا الاتجاه يمكن أن يكون مدخلا لجميع مناهج التعليم يعيد للتربية وظيفتها الحقيقية .

ولكن نود أن نشير في هذا المجال إلي أمرين رئيسيين :
1. أن للبيئة أبعادها المختلفة الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما أن لها مستوياتها المتعاقبة التي تبدأ من البيئة المحلية المحيطة بالطفل , وتتدرج إلي بيئة المجتمع القومي , ثم المجتمع الإنساني إلي أن تصل إلي الكون كله ومن هنا يمكن أن تتسع نظرة المتعلم إلي البيئة خلال مراحل تعليمه ويمكن أن نستعين في ذلك بكثير من الدعائم التي تقوم عليها المداخل السابق الإشارة إليها
2. أن الأهداف التي ينبغي أن نسعى إلي تحقيقها من خلال المناهج الدراسية هي معرفة وفهم عناصر البيئة ومكوناتها في أبعادها المختلفة
القدرة علي التعامل مع هذه العناصر والمكونات بصورة سليمة
القدرة علي تطوير البيئة عن طريق حل مشكلاتها والسيطرة علي مكوناتها واستخدام مصادر جديدة من اجل حياة أفضل .

سادسا : مدخل الأهداف


تأسس مدخل الأهداف علي المنجز الفكري للمدرسة السلوكية والتي تري أن التعليم سبب التعلم ويعتبر سلوك المتعلم بمثابة الاستجابة لمثير ومن ثم يتم التعلم بناء علي وجود مثير دائما ما يكون هو المعلم وبقدر استثارة المعلم لدوافع التعلم لدي التلاميذ بقدر ما تكون الاستجابة في السلوك التعليمي وأما التعلم حدوثه يتم متمثلا في المعرفة والمهارة وتكون الوجدان وعلي هذا الأساس تتمحور الأهداف التعليمية في المدخل السلوكي حول جملة من الأهداف المعرفية وأخري وجدانية وثالثة مهارية يتم تقديمها وعرضها من قبل المعلم إلي المتعلمين ويتعين علي المتعلمين حفظها واختزانها في عقولهم ليتم قياسها والتأكد من تحققها من خلال أساليب تقويم عادة ما تعتمد علي الاختبارات بأنواعها لرصد مدي تحقق عمليات التعلم وعادة ما تعتمد الحفظ والاستظهار مقياس لهذا التحقق وفي السنوات الأخيرة وجهة عدة انتقادات للمدرسة السلوكية بأجيالها الثلاثة ومن أهم هذه الانتقادات ما يلي :
- المدخل السلوكي يعمل علي تجزئة وتفتيت عملية التعلم إلي أن يصبح التلميذ عاجزا عن تبيان المراد منه
- المدخل السلوكي يركز علي عمليات التعليم دون الاهتمام بالتعلم .
- عمليات التقويم والنجاح تتم علي أساس الاستظهار والحفظ والاسترجاع لما تم استقباله وتلقيه مسبقا ولا مجال لعمليات الإبداع وتنمية التفكير بمهاراته المختلفة .
وان كان المدخل السلوكي يعزي له انه أسهل المداخل في التعامل مع بناء المناهج ربما نظرا لخبرة القائمين علي التربية بشأنه وطول زمن التعامل معه إلا انه لا تزال تواجه بالفعل إشكاليات علي مستوي التطبيق الميداني في الحقوق التربوية ولم يزل هناك قصور لدي كثير من المعلمين بدء من صياغة الأهداف وانتهاء بتقويمها إضافة إلي أن تقسيم الشخصية إلي مهاري ووجداني ومعرفي قد يشوبه كثير من الصعوبة إن لم تصل إلي الاستحالة وبخاصة إن عمليات التعليم والتعلم لا تحدث وتكون منفصلة عن بعضها البعض وإنما علي نحو متكامل نسبيا
ويلاحظ علي هذه المستويات جميعا أنها تعتمد التصنيف الهرمي هو تعلم سابق للذي يليه ولاحق للذي قبله بما فيها من تصنيف للأهداف المعرفية بالاعتماد علي محاكاة العمليات العقلية وتصنيف للأهداف المهارية النفسحركية وتصنيف كراثول للأهداف الوجدانية

 

سابعا: مدخل النظم

 


يعد مدخل النظم احد المداخل الفعالة في النظرة الشمولية وتعني المنظومة وجود بنية ذاتية التكامل تترابط ببعضها البعض ترابط بينيا في علاقات تبادلية التأثير في بنية مفتوحة وليست مغلقة بنية متطورة وليست جامدة بنية عنكبوتيه التشابك وليست خطية التتابع هذا إضافة إلي خاصية أخري هي أن البنية المنظومية تكون اكبر من مجموع مكوناتها وهو ما يمكن أن يتضح في نظرية الجشطلت أو المجال عند علماء النفس وفي عمليات التكامل عند الرياضيين وفي نموذج التفاضل المتوالي والتوفيق التكاملي عند التربويين من أصحاب نظرية منظم الخبرة المتقدمة ويتكون النظام عادة من المخلات والعمليات والمخرجات والتغذية الراجعة وهو ما يشير إلي ضرورة تفاعل هذا المكونات مع بعضها البعض من جهة وضرورة تفاعليها في سياق النظام الكلي للمنظومة الأعم والأشمل يري أصحاب التوجه المنظومي أن يكون إصلاح التعليم من خلال الأخذ بمفهوم المنظومة في بناء المناهج من حيث المحتوي وإستراتيجية التدريس وأساليب التقويم انطلاقا من أن هذا التوجه يتناسب مع التعايش مع عالم يتسم بالتعقيد غير المسبوق في التركيب والشكل والوظائف والمواقف اللايقينية والأحداث العشوائية والتتابعات اللاخطية وهو رأي يمتلك القناعات الكافية ذلك أن الواقع يشير إلي أن المنهج الجيد هو الذي يتعامل مع المواقف التعليمية علي أنها أنظمة متكاملة تتكون من مجموعة من العناصر لكل عنصر وظيفة وعلاقات مع العناصر الأخرى وفي المدخل المنظومي تشكل عناصر النظام المهام الأساسية التي علي المعلم أن يقوم بها والتي منها مهام التخطيط المسبق لتعلم المحتوي المراد تعلمه وتحديد أبعاد بيئة التعلم ومكوناتها ثم ترتيب ما يتم تحديده وتنسيقه منظوميا ليس علي مستوي المنهج الواحد أو المقرر الدراسي الواحد وإنما علي مستوي المناهج مجتمعة والمقررات جنبا إلي جنب لبناء منظومة واحدة تصب في نهاية الأمر في متعلم واحد ينبغي أن يتم تدريبه علي التعامل والمشاركة والإنتاج للنظم المحيطة .
إن عملية التخطيط لتنظيم التعلم هي عمليات ضرورة لبلوغ الأهداف التربوية بيسر وفاعلية فالفعل التخطيطي فعل مستقبلي ينطلق من معرفة ووعي بالحاضر واستشراف المستقبل ومن ثم تحديد الأهداف والنواتج التعليمية التي تسمح بتكوين رؤية عامة وشاملة عن المتعلم وعن احتياجاته وعن احتياجات مجتمعه في الحاضر والمستقبل

 

 

 

المصدر: ........
elfaramawy

محمود الفرماوى

ساحة النقاش

AbrarAbdulaziz

شكرا يا استاذ على الطرح الرائع ولكن اذا سمحت هل تستطيع ان تدلني على مراجع استفيد منها في مداخل بناء المناهج

mahmoud elfaramawy

elfaramawy
أ / محمود الفرماوى 1- بكالوريوس تكنولوجيا التعليم كلية التربية النوعية جامعة عين شمس 2009م 2- ماجستير تكنولوجيا التعليم بكلية التربية جامعة العريش 3- باحث دكتوراة تكنولوجيا التعليم بكلية التربية جامعة العريش »

عدد زيارات الموقع

1,988,047

تسجيل الدخول

ابحث