لم يكن هذا هو البرلمان الذي أرغبه ، ولم تكن هذه الوجوه والأسماء التي أحببت أن تمثلني وتنوب عني ، لأن البرلمان تشكل من وجوه معظمها يعود من الماضي الذي ظننا أننا طوينا صفحته بمن فيه ، والوجوه الجديدة قليلها هو المخلص والمستقل ، لكن غالبيتها جاءت بهم القوى السياسية الفاشلة التي تكتلت في قوائم وأحزاب عبثية ، ينفق عليها رجال أعمال فجرة ، معظم أموالهم منهوبة ومسلوبة من الشعب .
ورغم هذا يظل السؤال الكبير: لماذا لم يخض الانتخابات البرلمانية من يرى في نفسه النزاهة والوطنية والقدرة على تمثيل الشعب ، خاصة وأن الباب كان مفتوحا على مصراعيه لكل من أراد الترشح ؟ ولماذا تقاعس غالبية المصريين وقعدوا في بيوتهم أو على المقاهي وغابوا عن التصويت تحججا بأن القوائم وأتباعها ومن وراءها يشترون الأصوات والناخبين – وهذه حقيقة مؤكدة – لكن لماذا لم يخرجوا لإبطال خطتهم واختيار مرشح شريف بعيد عن تلك القوى وبعيد عن أي شبهة يظنونها ؟
لقد كان السباق مفتوحا أمام الجميع ، لذا فلا يبكين أحد ممن تقاعس على حاله ولا يندبن حظ البلاد ولا يندبن حظه العاثر ، ولا يلومن إلا نفسه ولا يعاقب إلا ذاته ، لأنه جلس في بيته منتظرا أن تمطر عليه السماء برلمانا من الملائكة المطهرون ، أو اعتقد أن الملائكة نفسها من حبه لشخصه الكريم ستختار نيابة عنه .
رغم أن الرشى كانت حاضرة بقوة وببجاحة أيضا في هذه الانتخابات ، إلا أنه يجب علينا الإقرار بأن الرشى الانتخابية قديمة قدم البرلمان المصري ، وقد مارستها كل القوى السياسية على اختلاف توجهاتها وإيدلوجيتها ، حتى الأحزاب السياسية التي تتدثر عباءة الدين ، مارستها بقوة مثل الآخرين ، كل ما في الأمر أن الإنفاق (الرشى) في هذه الدورة كان متبجحا وكان مستفزا للمشاعر لأن من ينفق رجال أعمال جاءوا من حقبة مبارك الفاسدة التي ثار الشعب عليها وعليه ، ولا زالوا متهمين من قبل الشعب بالتربح والإثراء والتكسب غير المشروع وبالاستيلاء على ممتلكاتهم وشركاتهم عن طريق قوانين مشبوهة سهلت لهم فسادهم .
و رغم هذا فلا يستطيع أحد لوم الحكومة ، أولاً لأن الانتخابات هي انتخابات الشعب وليست انتخابات الحكومة ، ثانيا لأن الحكومة وقفت على الحياد ووفرت كل السبل والوسائل والإمكانيات التي حمت ويسرت العملية الانتخابية ، ثالثا أنها لم تتدخل مثلما كانت تفعل في عهود سابقة لصالح أحد ولم ترتكب التزوير الذي كان عرفا معتادا منها .
علينا ألا نسفه أو نسخر من الآخرين أو من اختياراتهم أومن أرائهم ، وعلينا ألا نسفه من اختاروا عكاشة أو مرتضى أو غيرهم ، لأنه مهما كانت درجة رضاءنا وقبولنا أو رفضنا لهؤلاء الأشخاص ، يظل هناك ناخب له مطلق الحرية وكامل الإرادة في أن يقرر وأن يختار من يشاء ، دون قيد أو حجر على قراره أو اختياره .
أما عن الرشى الانتخابية التي جرت فالمنوط بها هو القضاء ، هو من يحكم ويفصل فيها .
وعلينا جميعا أن ننتظر ما ستسفر عنه الأيام والأحداث القادمة لنرى توجه واتجاهات هذا البرلمان وكيفية ممارساته لواجباته المنوطة به ، وعلينا أن نتوقع مفاجآت قد تحدث في أي لحظة ، فهناك قضايا عدة مرفوعة أمام المحكمة الدستورية وأمام القضاء الإداري ، ولا نستبعد صدور حكم عنها يتسبب في حل هذا البرلمان , وكان من المفترض أن يتم البت في كل القضايا المرفوعة قبل إجراء عملية الانتخابات ، فلا يعقل أن ننتخب برلمان ثم تصدر لاحقا أحكاما بحله .
ديسمبر5201512:05:05 مـصفر221437جريدة شباب مصرحامد الأطير
نشرت فى 31 مارس 2016
بواسطة elatiar
عدد زيارات الموقع
11,369
ساحة النقاش