* خيبة
لم تكن كسابقتها من الليالي فاليوم هو اللقاء الموعود، اشترى الشموع والزهور والحلوى والعطور الزيتية للفواحات، أغرق البيت في الأضواء والطيب، أشرف بنفسه على كل التفاصيل، اختار أطقم فناجين الشاي والقهوة والأطباق وصواني التقديم، صنع بانوراما من أواني الزهر والشمعدانات والفواحات، دبت الحياة بالمكان وعمته البهجة، ارتدى أفخم ملابسه، جلس فرحاً يسترجع ذكرياتهم منذ الصغر، قطع عليه شروده جرس الباب، انتفض مهرولاً، اصطدم بوجه البواب، إنها الثانية صباحاً لم أعهدك سيدي مستيقظاً لمثل هذا الوقت تاركاً كل هذه الأنوار، شكره بإيماءة، انهمرت دموعه فأطفئت المكان.
* صرخة
أفاقته لطمات ولكمات متوالية على وجهه وركلات في خصيتيه ، كلما صرخ زاد الضرب، فى توسل غير معهود طلب تفسير لما يجري، صرخ فيه صوت طافحاً بأنات السنين:
تباً لك، من منحك هذا الجبروت وتلك الحقوق؟
من أخبرك:أن الأرض لك وحدك؟ وأني من الجنة أخرجتك؟ وأنك سيد الكون وأنا جاريتك؟ وأنك الملاك وأنا الشيطان؟ وأنني الضلال وأنت الهداية؟ وأنك النور وأنا الظلام؟ وأنك القيد وأنا المعصم؟ وأنك الصدق وأنا الكذب؟ وأنك الحقيقة وأنا الوهم؟ وأنك الكلمة وأنا الصمت؟ وأنك العزة وأنا الذل؟ وأنك الإنسان وأنا الأدنى؟ وأنك الطهر وأنا الدنس؟ وأنك الشرف وأنا العار؟ وأنك الجوهر وأنا الظل؟ وأنك الورد وأنا الشوك؟ وأنك العسل وأنا المر؟ وأنني محطة لاستقبال إرسالك؟
من أمرك أن تخنق صوتي في صدري وتوأد عقلي؟ أن تسبي نفسي وتنتهك جسدي؟ أن تسجنني خلف ألف جدار؟ وأن تكفنني في مائة ثوب أسود؟
هدها التعب، فبصقت في وجهه وبصوت مُتهدج قالت: إن كنت أنا مثيرة لفحولتك فأنت مثير لغريزتي، إن كنت أنت البذرة فأنا الأرض، إن كنت أنت السيل فأنا المجرى ، إن كنت أنت النهر فأنا البحر، إن كنت أنت الشراع فأنا المركب، إن كنت أنت الكوكب فأنا السماء، إن كنت أنت العقوق فأنا الوفاء.
* مغدور
ألقت برأسها في صدره، تشممته، تحسست وجهه، بيدها داعبت ذقنه وشفتيه وأنفه ووجنتيه وجبهته، مسدت شعره، اعتصرته في أحضانها، امتزجت دموعها بدمائه، أسكتت الحاضرين وقالت وهي رافعة الهامة رابطة الجأش: عزائي كل رؤوس الدجالين.
حامد الأطيرجريدة شباب مصر 24/3/2015
نشرت فى 21 سبتمبر 2015
بواسطة elatiar
عدد زيارات الموقع
11,393
ساحة النقاش