والهزيع الأخير من ليلِ حالك السواد يلفظ أنفاثه الأخيرة، هب من نومه فزعاً على صرخات أمه، هرول إلى غرفتها ، وجدها تحتضن جثة أبيه بشده مواصلة العويل ولطم خديها، تجمد مكانه غير مُصدق، جلس القرفصاء فى أحد أركان الصالة الواسعة واستغرق فى نوبة من الأنين، كيف يتركنا أبينا ولم أُكمل الخمسة عشر عاما وسابعنا لم ير النور بعد، لا زال فى رحم أمي المكلومة، أفاق على أيادي أقاربه وجيرانه العديدة وهم يربتون على كتفيه ويحتضنونه باكين، لا يغيب عن ذاكرته مشهده هو وأمه حين تعلقا بالنعش عند وضع الجثمان عليه، يترجيان أهله ألا يأخذوه ، ظل يصرخ فيهم: من سيزود عنا؟ من سيوقظنا كل ليلة ليطعمنا بيده الحلويات والمسليات والفاكهة ؟ من سيصحبني معه الى المُنتديات؟ أتركوه أتركوه ، دعوه لنا، حرام عليكم، أُقبل أيديكم، لا تفرقونا، الدنيا بدونه ظلام، لا تلقوا به وحيداً فى ظلمات القبر، لكنهم حملوه إلى حيث اللاعودة، لم تشفع عندهم توسلاته هو وأمه وأخوته الصغار الواقفين في شرفات أقاربهم، دخلت عليه زوجته حين سمعت نحيبه، جثت على ركبتيها في مواجهته، أحزنتها دموعه المنهمرة من عينيه وقسماته المسكونة بالألم وعينيه المندفق منها الوجع ونظراته الهائمة تستجدي عطفاً وئيداً فى القلوب وحباً ضاع في الدروب، قبلت رأسه قائلة: أيها الخمسيني لا تحزن، غداً سيأتوك، إنهم أبناءك وليسوا إخوتك.
حامد الأطيرجريدة شباب مصر 11/10/2015
المصدر: http://www.shbabmisr.com/t~98597
نشرت فى 21 سبتمبر 2015
بواسطة elatiar
عدد زيارات الموقع
11,391
ساحة النقاش