حامد الأطيرجريدة شباب مصر 22/10/2014

المصريون هم خير أجناد الأرض ، وهذا يقين لا شك فيه ولا كذب ، لأن هذا ما أبلغنا به نبينا الكريم محمد صل الله عليه وسلم ، والجيش المصري جيشاً عريقاً يضرب بجذوره وعراقته في أعماق التاريخ ، له من البطولات والفتوحات والمعارك ما خلده وجعله من أقوى وأرقى جيوش العالم فى التاريخ القديم وكذلك فى القرنين الأخيرين ، لقد كان الجيش المصري في عصر الأسرات من أقوي الجيوش قاطبة ، هزم الحيثيين والرومان والإغريق في سلسلة من الحروب الشرسة ، وقد أدرك أعداء مصر منذ القدم قوة العقيدة القتالية لدى المصريين ، ولم تغب عنهم تلك الحقيقة أبداً ، لذا لم يتخذوا من المصريين جندا في عصور ضعف الدولة المصرية أثناء خضوعها للاحتلال ، لعلمهم بقوتهم وبسالتهم وخشيتهم أن ينقلبوا عليهم لتحرير بلادهم ، فعملوا على صرف المصريين الى الزراعة والحرف والصنائع ولم يمكنوهم من الجيش ، وقد اعتنق وتوارث المحتلون لمصر هذا المنطق وتلك السياسة على مر العصور ، إلى أن عادت العسكرية المصرية لجلالها ومجدها في العصر الحديث على يد العبقري محمد علي ( 1805م – 1848م) باني مصر الحديثة ، ومؤسس جيشها الوطني الحديث رغم ما كان سائداً من فوضى وفقر وسيطرة قوات عسكرية خليط من الأكراد الألبان والشراكسة لا يملكون الشعور الوطني الذي يشعر به المصريين تجاه بلدهم – رغم ذلك كله استطاع هذا العبقري تكوين جيشاً مصرياً قوياً أبياً عزيزاً كما كان على مر تاريخه ، وقد أنشأ المدارس العسكرية المتخصصة واستجلب الخبراء والمعلمين وسرعان ما عاد الجيش لسيرته الأولى من الإبهار والإعجاز والقوة والإنجاز بسرعة البرق ، وقد زاد عداد الجيش إلى 235880 مقاتل فى سنة 1839م بعد أن كان تعداده 70000 مقاتل فى سنة 1831م ، وعاد الجيش المصري لفتوحاته فوصل إلى السودان ومنابع النيل والجزيرة العربية والشام وفتح عكا ودمشق وحمص واليونان والأناضول وقونية حتى أنه أصبح على مقربة مسيرة ستة أيام من الاستانة ، وهذا ما يفسر سر حقد ونقمة وبغض وعداء الرئيس التركي أردوغان لجيشنا المصري العظيم والتحريض عليه واستعداء الخونة ضده ، فهو لم ينس أنه هازم الإمبراطورية العثمانية التي احتلت مصر ونهبت ثرواتها وعلمائها وصناعها المهرة على مدار أربعمائة سنة بدأت من سنة 1517م
ولم يكن يتصور أحد أن يأتي اليوم الذي نرى فيه بعض المصريين -خاصة من اليافعين والشباب - يهاجمون جيش بلادهم وهو النسيج الوطني ، وخالص المصرية قلباً وقالباً على مر العصور ، قوامه من المصريين فقط ، قيادة وجنود ، لا مكان فيه لعنصر أجنبي ، عدا من يقدم خدماته كمعلم أو مستشار أو خبير لمدة محدودة كما هو حادث في وقتنا الحاضر ، وهو ما تفعله حتى الدول الكبيرة ومنها من ترسل أبناءها للدراسة لدينا بعض العلوم العسكرية ، وأبداً لم يكن في يوماً ما جيشاً من المرتزقة الأجانب أو المجنسين .
إذاً وطالما الأمر كذلك ، فلماذا تحاول ثلة من المصريين مهاجمة الجيش الوطني وهو العين الساهرة واليد القوية الحارسة والأمينة ، وهو الذي يتخندق جنوداً وضباطاً في الثغور على الحدود وفي أعماق الصحراء وفي البحار ويعيشون ظروفاً قاسية من أجل الذود عن مصر وشعبها غير ضانين بأرواحهم الغالية فداء لنا ؟
الحقيقة أن تلك الثلة المهاجمة للجيش يمكن حصرها في فئتين ، الفئة الأولى: قلة ضالة منحرفة الفكر مشوشة العقيدة خاطئة في فهم ديننا ، قد أضلهم كبيرهم الذي أوجده الاستعمار ودعمه لتكوين جماعته ، التي عملت وروجت هي وما تفرع عنها من جماعات لخطط الاستعمار وأهدافه الخبيثة التي وجههم أليها وكلفهم بتنفيذها ، وتمثلت في المطالبة بإقامة خلافة إسلامية لا تتحقق إلا بالقضاء على الجيش والدولة القائمة – وكأن الخلافة الأولى كانت مثالية خالية من سفك الدماء والتقاتل والتناحر على الحكم ، وكأنها شئياً مقدساً وليست نظاماً للحكم – وقد أراد الاستعمار بتلك الجماعة وبهذه الدعوة وبهذا التحريض أن يصرف المصريين والدول العربية القابعة تحت نير الاحتلال عن المطالبة باستقلالها وشغلهم بأمر تلك الخلافة ، كما أنه كان على ثقة أن مطلب الخلافة هذا صعب المنال والتحقق ومُفجر للصراعات الطائفية والعقائدية والإثنية ، وهذا ما سعى ويسعى لتحقيقه والوصول أليه ، لقد كانت وستظل هذه الجماعة وفروعها أداة تخريب طيعة صنعها الاستعمار واستخدمها وسيظل يستخدمها بفكرها المنحرف المثير للشقاق من أجل القضاء على الإسلام نفسه ، لذا فإن محاربتها بلا هوادة والقضاء عليها وعلى فروعها أمر محتم لا رجوع عنه ولا تهاون فيه .
أما الفئة الثانية: فهي الفئة المتضررة والناقمة بسبب الظلم والتهميش والإهمال وإهدار حقوقها في أبسط صورها ، بسبب فساد وظلم أنظمة الحكم المتوالية ، التي دفعتها قصراً إلى الوقوف في ذات مربع الجماعة المنحرفة ، ليس لقناعتها بأفكارها وأهدافها ، بل وقوفاً في وجه من يحكم بسبب ما جرى عليها من ظلم ، وهذه الفئة يجب استعادتها إلى حضن الوطن ولن يتأتى ذلك إلا بنظام حكم يكون دينه وديدنه القضاء على الفساد وتمكين القانون وفرضه على رقاب الجميع بلا استثناء ، رئيساً وغفيراً ، وتطبيق العدالة في شتى صورها وتحقيق المساواة بين المواطنين في كل شئ ، والقضاء على التمييز الفئوي والطبقي البغيض الذي عاشه ولا زال يعيشه المصريون في أسوأ صوره ، والذي أتاح لفئة قليلة احتكار السلطة والنفوذ والثروة وترك الغالبية العظمى من الشعب تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة أو من أجل الوصول إلى الحد الأدنى لتلك الحياة .
ومن أجل زرع و تنمية حب الوطن في نفوس الشباب المصري ولإدراك معناه وقيمته وعظمة جيشه ، أطالب الرئيس السيسي بعدم إعفاء أحد من التجنيد الإلزامي ، وبالتخلي الفوري عن سياسة الإعفاء السنوي الجماعي لبعض الشباب ممن لا يشملهم القانون بالإعفاء ، خاصة وأن البلاد تواجه أخطاراً عاصفة داخلية وخارجية ، ومهما كانت الأعباء المالية لهذا القرار فإنها تهون وترخص أمام بناء الوجدان الوطني لكل شاب مصري وإكسابه الرجولة الصلبة و مهارات إضافية ليكون ذخراً وذخيرة وعتاد للوطن الغالي وقتما يحتاج اليه.
من المهم أن يرى كل شاب مصري الوجه الآخر من مصر الجادة ، ويعيش الحياة الخشنة القاسية التي يحياها إخوته ورفاقه في الجيش ، حتى لو تم تجنيده لستة أو ثمانية أشهر فقط ، ليتعلم كم هي غالية مصر وكم هو حجم عطاء وبذل رجال القوات المسلحة وتضحياتهم.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 13 مشاهدة
نشرت فى 21 سبتمبر 2015 بواسطة elatiar

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,397