جريدة شباب مصر 28/4/2014
القرار الجمهوري الذى يقصر الطعن على عقود الاعمال التجارية والصفقات العقارية التى تبرمها الدولة أو أحد أجهزتها ، على أطراف التعاقد دون غيرهم ، يعنى وبوضوح أن تنحرف الحكومة وتخطأ فى عقودها مع الآخرين كما تشاء ، وتبيع ما تشاء ، وتهب لمن تشاء ، ويتربح من يتربح كما يشاء ، فلا خوف ولا ردع ولا مسائلة بعد هذا القرار المُحصن لتعاقداتها .
أن نشجع ونجذب المستثمر ونوفر الضمانات لاستثماراته ، ونمنحه الطمأنينة فى تعاملاته مع الحكومة المصرية ، فهذا لا غبار ولا اعتراض عليه بالمرة ، وأن تتخذ الدولة الإجراءات الواجبة والمطلوبة لتتجنب خسارة الملايين والمليارات فى صورة غرامات وعقوبات عند لجوء المستثمر للتحكيم الدولي ، فهذا أيضاً مطلوب ومرغوب ، لأننا نريد لمصر أن تكون دولة جاذبة وليست طاردة للاستثمار ، ونريد ألا تتحمل أعباء لا داعي لها ولا مبرر ، لكن أن تمنع و تسد الدولة قنوات الطعن بشكل مطلق على تعاقداتها التى قد يشوبها القصور أو الفساد ، فتلك هي المصيبة ، لأن ذلك وبالعربي الفصيح يعني إطلاق يد الفاسدين والمفسدين لفعل ما يشاءون ، ومد بساط الرشى لآخره ، دون خوف من حساب أو عقاب ، وكذلك يعني دفن وردم كل المصائب والفضائح التعاقدية السابقة ، وإنقاذ مرتكبيها ومنحهم طوق النجاة ليفلتوا بجرائمهم الشنعاء .
يا رئيس الجمهورية المؤقت: مصر ليست دولة ديمقراطية ولن تكون ، وليست دولة القانون فيها هو السيد والفيصل والحكم والرادع ، وليست دولة متقدمة تتسم قوانينها بالوضوح والشفافية ، وليست من الدول التى تقوم بمحاسبة وعقاب المُخالفين والمُتاجرين والمُهدرين للمال العام كما ينبغي ، ولو كانت كذلك ، لكان نصف سكان مصر على الأقل خلف القضبان! وشئنا أم أبينا فسيظل الحاكم فى مصر ولعقود طويلة قادمة ، هو الآمر الناهي صاحب السلطة والسلطان ، وستظل له ولحاشيته الكلمة العليا فى إتمام العقود .
و يجب أن نتذكر أنه بسبب تغييب وغياب الرقابة والمحاسبة والمسائلة الجادة ، تم توقيع عدد من العقود الكارثية الجائرة والمُنتهِكة لحقوق الشعب المصري والمُفرّطة فى ممتلكاته والمهدرة لثرواته ، وقصة الغاز المصري المُهدى بثمن بخس للشعب الصهيوني البغيض ، ماثلة فى الأذهان ، وقصة منح الشركة الكويتية أراضى شاسعة أشبه بالمستعمرة بمحافظة الفيوم بمساندة ودعم و ضلوع رئيس الوزراء الأسبق "على لطفي" وأبنه ، ليست ببعيدة ، ومازالت حاضرة ، وقصة التعاقد والتخصيص مع الأمير السعودي "الوليد بن طلال" و"محمد ابو العينين" وغيرهم فى أرض توشكى ، ليست ببعيدة ، وقصة منح شركة "طلعت مصطفى" أراضى بملاليم ليبيعها فيلل بملايين ، ليست ببعيدة ، وقصة أراضى القرى السياحية المخصصة بجنيهات معدودة ، ليست ببعيدة ، وقصة بيع "عاطف عبيد" وعصابته لشركات القطاع العام بتراب الفلوس ، ليست ببعيدة ، ومسلسل تخصيص أراضى مستصلحة عقارية وشبه عقارية لرجال القضاء ورجال الشرطة والجيش دون غيرهم من فئات الشعب ، ودون سند من الدستور والقانون ، مازالت مستمرة .
علينا تذكر هذه الأمثلة الفجة للتعاقدات والتخصيصات القذرة والفاسدة التى تَربح وأُثري من وراءها وبسببها كثير من كبار القوم وعليتهم ، وما هم بكبار ولا بعلية ، إنما هم لصوص سارقون مُستغِلون فاسدون .
على الدولة المصرية أن تُنشأ هيئة قانونية مستقلة عن السلطة التنفيذية ، أعضائها وجمعيتها العامة ورئيسها من خبراء القانون والدستور ، ومن غير العاملين بالحكومة ، ويكون لها حق مراجعة تعاقدات واتفاقيات الدولة ، ويكون لها سلطة الاعتراض والإبطال لما تراه مخالفاً من عقود ، وعلى الدولة أن تُضمن اتفاقياتها وتعاقداتها وتشملها بنصوص تشير فيها لحق هذه الهيئة القانونية المستقلة فى المراجعة والإلغاء والتعديل إذا ما تطلب الأمر ذلك ، وبحيث لا تصبح الاتفاقية نهائية إلا بعد أن تراجعها وتقرها ، وعلى الدولة أن تتيح إمكانية الطعن للأفراد والمؤسسات ممن يملكون أدلة وبراهين قطعية على فساد وعوار أياً من تعاقداتها واتفاقياتها ، على أن تُوجد وتنظم الآلية الفعالة والمنضبطة لتحقيق ذلك ، دون إحداث بلبلة أو فوضى بسبب هذه الطعون ، ودون الإضرار بالاستثمار أو المستثمرين ودون تخويفهم أو ترهيبهم ، لأن إسقاط الدولة للإشراف المدني والقضائي على العقود وقصر الطعن عليها وعلى مؤسساتها ، هو الفساد بعينه .
كما يجب تضمين الاتفاقيات ما ينص صراحة على أن القضاء المصري هو الجهة القضائية الوحيدة التى يتم اللجوء لها دون غيرها ، وعدم اللجوء للتحكيم الدولي إلا بموافقة طرفي العقد ، هذا مع عدم الإخلال بحق مجلس النواب فى دراسة وإقرار الاتفاقيات ، حسب ما هو منصوص عليه فى الدستور .
السيد رئيس الدولة المؤقت: نعلم أن مناخ الاستثمار يجب أن يكون مناخاً صحياً وجاذباً ومشجعاً ومتحرراً من البيروقراطية العقيمة ، ونعلم أن المستثمر يجب أن تكون أمامه الإجراءات والقوانين واضحة ، ونعلم أن المستثمر يرفض أن يواجه بدعاوى قضائية بين الحين والآخر ، وهذا حقه الأصيل الذى لا ننزعه منه ولا ننازعه فيه ، لكن فى ذات الوقت يجب أن يضمن الشعب المصري صحة وقانونية وجدوى ومنفعة الاتفاقيات والتعاقدات التى تجريها حكوماته ، وهنا بيت القصيد ، فمن يضمن له ذلك؟
نشرت فى 21 سبتمبر 2015
بواسطة elatiar
عدد زيارات الموقع
11,362
ساحة النقاش