أ.د/ صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي Prof. S.A. El-Safty

كلية الزراعة جامعة عين شمس- موقع علمي متخصص في علوم الدواجن - مقالات علمية وثقافية Faculty of Agric

من المُمكن أن يؤثر غذائنا في جيناتنا الوراثية: أشارت دراسة على الخميرة إلى هذه الحالة

ترجمة: د. صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي

الأستاذ بكلية الزراعة جامعة عين شمس

تم نشر المقال الأصلي بتاريخ 19/2/2016

 

          طبقًا لأحدث الدراسات المنشورة في مجلة Nature Microbiology فإنه تقريبًا تتأثر كافة جيناتنا الوراثية بما نتناوله من غذاء، حيث أجريت تلك الدراسة على الخميرة، والتي من المُمكن استخدامها كموديل لبعض عمليات الجسم الأساسية، حيث أظهرت النتائج أن النشاط الجيني يؤثر في عمليات التمثيل الغذائي بالجسم وفي نفس الوقت فإن العكس صحيح، بمعنى أن العناصر الغذائية المُتاحة بالخلايا تؤثر هي الأخرى على السلوك الجيني.

          تم تقدير سلوك خلايا الجسم عن طريق التوافق بين النشاط الجيني والتفاعلات الكيمائية المطلوبة للحفاظ على الخلايا فيما يُعرف بالتمثيل الغذائي. من المعروف أن التمثيل الغذائي يعمل من خلال مسارين: تكسير الجزيئات الغذائية لإمداد الجسم بالطاقة، وإنتاج كافة المُركبات المطلوبة لبناء الخلايا.

          إن معرفة الجينوم أو المُخطط التفصيلي للمادة الوراثية DNA داخل الكائن الحي قد أمدنا بالمعلومات الجوهرية حول كيف سيبدو ويتجلى كائنًا بعينه، ومع ذلك فإن هذا لم يُعطينا صورة كاملة فيما يتعلق بتنظيم عمل الجينات بواسطة جينات أخرى أو مناطق بعينها على المادة الوراثية DNA بواسطة مُعدِلات الوراثة التطورية 'Epigenetic' modifiers- التصاق جزيئات صغيرة بالمادة الوراثية DNA والتي تُغير أو تحول الجين من جين فعال إلى جين غير فعال. وقد أظهرت الدراسات السابقة أن لاعبًا أخر ربما يلعب دورًا في عملية تنظيم عمل الجينات المؤثرة في السلسلة المُتشابكة لعملية التمثيل الغذائي والتفاعلات البيوكيماوية الحادثة داخل الكائن الحي. وتعتمد تلك التفاعلات بشكل رئيس على العناصر الغذائية المُتاحة بالخلية مثل السُكريات والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية والفيتامينات والتي هي ناتجة عن تكسير الجزيئات الغذائية المُتناولة.

          للتأكد من تلك النتيجة، قام فريق بحثي دولي قاده دكتور ماركاس راسلر Markus Ralser من جامعة كمبريدج بالتعاون مع معهد فرانسيس كريك Francis Crick Institute بلندن بدراسة الدور الذي يقوم به التمثيل الغذائي في الوظائف الأساسية بالخلية، باستخدام خلايا الخميرة، حيث تُعد الخميرة نموذج مثالي للكائن الحي في العديد من التجارب واسعة النطاق، وذلك لما تتميز به من سهولة وبساطة في التناول مُقارنة بالنماذج الحيوانية الأخرى، فضلاً عن أن العديد من جينات الخميرة الهامة والأليات الخلوية الأساسية بها تُعد مُشابهة بشكل كبير لما هو عليه في الحيوان والإنسان. تناول الباحثون المُستويات الهامة لعناصر التمثيل الغذائي ونواتج التفاعلات التمثيلية في خلايا الخميرة، واختبار كيف يؤثر ذلك على السلوك الجيني والجزيئات المُنتجة من جراء ذلك، حيث أظهرت النتائج تأثر عدد تسعة جينات من أصل عشرة جينات ومُنتجاتها بواسطة التغيرات الحادثة في عملية التمثيل الغذائي داخل الخلية.   

كما أشار د. راسلر للدور الديناميكي الهام والكبير الذي يلعبه التمثيل الخلوي داخل الخلايا، حيث تتأثر كافة جينات الخلية تقريبًا بالتغيرات في العناصر الغذائية بها. وفي الحقيقة، فإنه في الكثير من الأحوال تكون تلك التأثيرات كبيرة لحد بعيد، والتي بدورها قد تُغير من المظهر التمثيلي للخلية، والذي معه قد يتغيرسلوك الجين بشكل كامل.            

          إن النظرة الكلاسيكية القديمة كانت تُظهر أن الجينات هي التي تتحكم في كيفية تكسير العناصر الغذائية وتحويلها إلى جزيئات هامة وبسيطة، ولكن وجد العلماء أن العكس صحيح أيضًا، حيث أوضحوا كيفية تأثير تلك العناصر الغذائية في سلوك الجينات. يعتقد الباحثون أن النتائج ربما تحوي الكثير من المُدخلات، والتي قد تشمل كيفية الاستجابة إلى عقاقير مُحددة من عدمه. فمثلاً في حال الإصابة بالأنواع السرطانية، فإن الخلايا السرطانية تعمل على إحداث العديد من الطفرات الجينية Genetic mutations، والتي تعمل بدورها على تغيير آلية التمثيل الغذائي داخل الخلايا، وهذا يؤثر بالتبعية على السلوك الجيني، وقد يُفسر ذلك فشل بعض العقاقير الدوائية في أداء دورها العلاجي في بعض الأشخاص.

          إن الواجهة الهامة الأخرى لنتائجنا هي الواجهة التطبيقية، حيث أوضح "راسلر" أن التجارب البيولوجية غالبًا لا يُعاد إنتاجها بين المعامل البحثية، وهذا ما يجعلنا نلوم الباحثين على هذا الأمر بشكل كبير. ومن الواضح أن الاختلافات في عملية التمثيل الغذائي ولو بشكل ضئيل تؤدي إلى تغيير نتائج التجارب العلمية. لذا فنحن بلا شك في حاجة إلى تأسيس إجراءات معملية جديدة لها القدرة على التحكم بشكل جيد في الاختلافات الناتجة عن التمثيل الغذائي، والذي سوف يُساعدنا بلا شك على تصميم تجارب علمية جيدة يُمكن الاعتماد على نتائجها. 

المصدر: ONTORES
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 270 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,117,319