صناعة الدواجن في مصر
تحديات وآمال
أ.د صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي
مايو 2016
تُعد صناعة الدواجن أحد أهم الصناعات الديناميكية المؤثرة اقتصاديًا واجتماعيًا بل وثقافيًا في الدولة المصرية، حيث يبلغ رأس المال العامل في تلك الصناعة ما يقرب من 30 مليار جنيه سنويًا، فضلاً عن طاقة بشرية عاملة تبلغ حوالي 3 مليون شخص كعمالة مُباشرة بالإضافة إلى ما يزيد عن مائة مهنة أخرى ذات صلة بتلك الصناعة بشكل غير مُباشر. تبلغ جملة الاستيراد سنويًا من خامات ومُستلزمات إنتاج تلك الصناعة ما يقرب من 7 مليار دولار. تجدر الإشارة إلى أن قطاع الدواجن يُعد القطاع الغذائي الوحيد الذي استطاع تحقيق الاكتفاء الذاتي لمدة 15 عام خلال الفترة من 1990 وحتى عام 2006 وهو عام الإصابة بوباء الأنفلونزا القاتل والذي أطاح بالملايين من جدود وأمهات وكتاكيت الدواجن مُخلفًا عقبات وعثرات لم نسلم منها حتى الأن. لا يخفى على أحد ما تواجهه صناعة الدواجن في مصر هذه الأيام ومُنذ وقت من تحديات وصدمات لا نعرف مُنتهاها وأي السيناريوهات سوف يُكتب لها، هل سوف نُشاهد تفاقم للأزمة أم انفراجها، حيث ارتفع سعر كيلو لحم الدجاج الأبيض ليتراوح بين 22- 25 جنيه في المناطق متوسطة الحال بينما في المناطق الراقية بلغ السعر 30 جنيه، كما ارتفع سعر الكيلو من لحم الصدر (البانيه) ليتجاوز الستون جنيه، مع توقعات بالمزيد خلال شهر رمضان المبارك، ما لم يشاء الله أمرًا أخر رحمة بالمواطن المصري البسيط والذي كان يرى منذ وقت ليس بالبعيد أن الدجاجة هي غذائه المُقرب نظرًا للارتفاع المُستمر في أسعار اللحوم الحمراء دون هواده.
أولاً التحديات:
أسباب الارتفاع الجنوني في أسعار دجاج اللحم:
<!--تفشي العدوى المرضية في قطعان الأمهات (يبلغ عدد قطعان أمهات اللحم المُنتجة محليًا في مصر 8 مليون، مضافًا إليها 2 مليون أم مُستوردة) مما أدى إلى ارتفاع نسب النفوق بها فضلاً عن انخفاض قدرتها المناعية وما لذلك من آثار سلبية على أعداد وصحة الكتاكيت المُنتجة منها، مما أدى ذلك إلى انخفاض الكميات المعروضة من الكتاكيت عند عُمر يوم.
<!--ارتفاع أسعار كتاكيت اللحم عند عُمر يوم لندرتها، والذي أدى إلى خروج الكثير من المُربين والاحجام عن التربية نتيجة لضعف قدراتهم المادية لمُجابهة هذا السعر الجنوني للكتاكيت، وبالتالي انخفضت الكميات المعروضة من دجاج اللحم عند التسويق والذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الدجاج لدى تجار التجزئة. فعلى سبيل المثال، بلغ سعر كتكوت اللحم عند عُمر يوم لتسعة جنيهات في قفزة لم يشهدها هذا القطاع من قبل (مُتوسط سعره في السابق تراوح بين 3- 4 جنيه).
<!--تفشي العدوى المرضية بين دجاج اللحم في مزارع التربية (الأنفلونزا من النوع H9 وبعض الأمراض التنفسية الأخرى)، حيث ارتفعت نسبة النفوق لتصل إلى 40% مُتخطية النسبة الطبيعة والتي تتراوح بين 5- 8%. تجدر الإشارة إلى أن تفشي الأمراض وانتشارها بين مزارع الدواجن (ما يقرب من 70% منها مزارع عشوائية) يحدث نتيجة لعشوائية انتشارها، مع غياب الرقابة البيطرية والمُتابعة من قبل الجهات المعنية فضلاً غياب دور الارشاد الزراعي للتوعية بالأساليب الصحيحة في تربية ورعاية القطعان تحت كافة الظروف والأجواء. تجدر الإشارة أيضًا أن إجمالي عدد مزارع الدواجن في مصر يبلغ حوالي 80 ألف مزرعة يوجد منها فقط 22 ألف مزرعة مُرخصة.
<!--ارتفاع أسعار الأعلاف ليتراوح سعر الطن ما بين 4900 إلى 5400 جنيه، وذلك نظرًا لاستيراد مكونات الأعلاف من الخارج (الذرة الصفراء وكُسب فول الصويا وبعض الإضافات الأخرى)، وتأثر أسعار تلك المُكونات بالسعر المُرتفع للدولار الأمريكي. يتراوح الاحتياج الفعلي من الذرة الصفراء (تصل نسبتها في علائق الدواجن إلى 75%) في مصر بين 8- 9 مليون طن سنويًا، حيث تقوم مصر بإستيراد حوالي 8 مليون طن من الذرة بقيمة تصل إلى 1.7 مليار دولار سنويًا (الإنتاج المحلي لا يتجاوز 1.3 مليون طن) كما تقوم أيضًا بإستيراد حوالي 1.5 مليون طن كُسب فول صويا سنويًا. تجدر الإشارة إلى أن تكلفة تغذية الطيور تُمثل حوالي 70% من تكلفة العملية الإنتاجية.
ثانيًا الأمال:
<!--التأكيد على الدور الهام الذي يلعبه ما يُعرف بالأمن الحيوي Bio-Security في مزارع الدواجن والذي يكفل من الإجراءات عند إتباعها تجنب دخول المرض وانتشاره بين القطعان وإتباع برامج التحصين المُناسبة (مع التأكيد على سلامة نقل وتخزين اللقاحات المُستخدمة) وكافة الإجراءات الصحية المنوط بها منع ظهور المرض بداية من اختيار موقع التربية والمسافات البينية بين المزارع مرورًا بكافة مراحل التربية وكل من يُساهم فيها من عامل بشري أو مُعدات، ولا ننسى التخلص الآمن من الطيور النافقة بالحرق أو الدفن، وليس كما نرى برميها على الطرق السريعة لتكون سببًا هامًا وخطيرًا في انتشار واستيطان الكثير من أمراض الدواجن. وفي هذا الشأن فإن نقل مزارع الدواجن العشوائية إلى الظهير الصحراوي أمرًا لابد منه، وهو ما صرحت به الحكومة المصرية بتخصيص 180 ألف فدان بها كافة المرافق غرب وشرق بني سويف والمنيا ووادي النطرون وطريق 6 أكتوبر الواحات لإقامة مزارع ومحطات للدواجن تُراعي كافة الظروف والاشتراطات الصحية ومعايير الأمن الحيوي.
<!--استخدام اللقاحات المُناسبة للعدوى المرضية الموجودة بالمزارع من خلال عمل لقاحات محلية كما تم عمله بالفعل في لقاح الأنفلونزا المصري Egy-Flu والذي أعطى نتائج جيدة خلال عامي 2014/2015، ولكن توقف إمداد المزارع به بعد ذلك لأسباب غير معروفة. وتجدر الإشارة إلى أن الجرعة التي تتكلف 18 جنيهًا نتيجة لإستيرادها تتكلف في بلد الإنتاج 3 جنيهات فقط، لذا فإن الاستثمار في مجال إنتاج اللقاح محليًا له عدة فوائد أولها توفير العملة الصعبة مرتفعة الثمن نتيجة للحد من الإستيراد، وثانيها إنتاج لقاح يناسب نوعية الإصابات الموجودة فعليًا بمزارعنا، فضلاً عن خلق المزيد من فرص العمل في هذا المجال.
<!--تفعيل دور الرقابة البيطرية والارشاد البيطري (الهيئة العامة للخدمات البيطرية) والارشاد الزراعي (وزارة الزراعة)، لزيادة توعية وارشاد صغار المُربين نحو الطرق الصحيحة للتغلب على الأمراض وتوفير البيئة المُثلى للإنتاج.
<!--للتغلب على ارتفاع أسعار الأعلاف، التوجه نحو التوسع الأفقي وذلك بزيادة الرقعة الزراعية من مكونات العلف الرئيسة وهي الذرة الصفراء (المساحة الحالية لزراعة الذرة الصفراء نصف مليون فدان، ونحن نحتاج إلى أن تصل هذه المساحة لما لا يقل 2 مليون فدان) وفول الصويا، للحد من عملية الاستيراد وتحديات ارتفاع سعر الدولار، وذلك من خلال عمل استراتيجية قومية لزراعة تلك المحاصيل الهامة وإدراجها ضمن المحاصيل التي من المُخطط زراعتها في مشروع المليون ونصف المليون فدان، فضلاً عن دعم وتشجيع الفلاح لزراعة الذرة وذلك بتوفير الهُجن عالية الإنتاجية من التقاوي (التوسع الرأسي) والأسمدة بسعر مقبول وشراء المحصول بسعر مُرضي ومُشجع (كما تم فعله في محصول القمح المحلي)، حيث يؤدي ذلك بدون شك إلى توفير مبالغ طائلة من النقد الأجنبي. وفي اتجاه أخر، التوجه نحو استخدام مكونات الأعلاف غير التقليدية مثل مُخلفات الحقل في تغذية الدواجن مع إضافة ما يلزم لها من عناصر غذائية هامة أثناء التصنيع كإضافات أعلاف لتوفير الاحتياجات الغذائية كاملة للطيور.
<!--التحول من تسويق الدجاج الحي في محلات بيع الدواجن (والذي يقوم وحده بتصريف حوالي 85% من الإنتاج الداجني، بينما الـ 15% الباقية يتم ذبحها في المجازر) إلى تسويق الدجاج المُجهز حفاظًا على الصحة العامة فضلاً عن تجنب انتشار العدوى نتيجة عملية النقل والعرض بالأسواق، علمًا بوجود قانون يُجرم بيع الدواجن الحية أصدره وزير الزراعة عام 2009 ولكنه لم يُفعل حتى الأن.
<!--تعظيم دور البحث العلمي الزراعي في مجال إنتاج الدواجن والعلوم المُرتبطة به والعمل على ربط نتائج البحث العلمي بالإنتاج، من خلال الاستعانة بالنتائج التطبيقية ذات المردود الاقتصادي لبحوث علماء الجامعات والمراكز البحثية فضلاً عن رسائل الماجستير والدكتوراه في مجالات تربية وتغذية وأمراض الدواجن والتي هي حبيسة أدراج المكاتب والمكتبات، وذلك عن طريق إقامة ندوات ومؤتمرات دورية ومُتابعة وتفعيل ما تُثمر عنه من توصيات تُفيد وتُطور صناعة الدواجن بمصر تحت رعاية وزارات الزراعة والتعليم العالي والبحث العلمي في حضور مُمثلين عن الشركات الخاصة والجمعيات ذات الصلة، وذلك كخطوة أولى نحو دعم وتبني القطاع الخاص للمراكز البحثية في مصر لحل كافة مُشكلات الصناعة باسلوب علمي صحيح، وذلك أسوة ببلدان العالم المُتقدم.
للعلم وفقط:
يبلغ متوسط استهلاك الفرد من بيض المائدة في مصر حوالي 90 بيضة في السنة بينما يبلغ استهلاك نظيره الأمريكي 330 بيضة، كما يبلغ متوسط استهلاك الفرد من لحوم الدواجن في مصر حوالي 9 كجم سنويًا، يبنما يبلغ استهلاك نظيره الأمريكي 60 كجم. وقد أشارت الأبحاث العلمية الحديثة إلى أهمية التغذية على البروتين الحيواني لما له من أهمية في النمو العقلي والذهني للإنسان وخاصة في المراحل العُمرية الأولى... ولادنا أمانة في رقابنا...فالنسعى لمُستقبل أكثر صحة لأولادنا وإشراقًا لبلدنا الغالية مصر...تحيا مصر بأبنائها المخلصين.
ساحة النقاش