الترامادول خطر داهم
25/7/2012
إنتشار عقار الترامادول في مصر
وجهود مكافحته
من أخطر الكوارث التي تهدد المجتمع المصري اليوم في أمنه وصحة أفراده وسلامة إقتصاده إنتشار عقار الترامادول بين أفراد المجتمع, ولعله يكفي للدلالة على ذلك ما أعلنته وزارة الداخلية مؤخرا من تمكن أجهزتها الأمنية من ضبط إثنين مليونا من الأقراص المخدرة بالبلاد, ولا ينبغي أن نغفل أنه إذا كان هذا الرقم الكارثي هو ما تم ضبطه فعلا إلا أنه هناك أرقاما أخرى أشد ضخامة لم تصل إليها بعد أيدي الأجهزة الأمنية, ولعل هذا الخطر الداهم الذي تزايدت خطورته حدة مع إندلاع ثورة الخامس والعشرون من يناير بما ترتب عليها من إنفلات أمني بالبلاد كان مؤداه إغراق البلاد بأرقام خيالية هائلة من الأقراص المخدرة, و هو ما دعا إلى سرعة تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة من مسئولي إدارة التشريع بوزارة العدل والإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة والإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية لبحث سبل مكافحة هذا الوباء ووسائل وقف إنتشاره, وقد تمخضت أعمال هذه اللجنة عن مقترح تشريعي لوقف إنتشار عقار الترامادول بالبلاد حيث إنتهت إلى ضرورة إدراج هذا العقار بالجدول الأول من جداول المخدرات الملحقة بالقانون رقم 182 لسنة 1960 وتعديلاته بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم إستعمالها والإتجار فيها, وعلى أثر ذلك أصدر السيد الدكتور وزير الصحة قراره رقم 125 لسنة 2012 المنشور بالجريدة الرسمية في 1/3/2012 والذي نصت مادته الأولى على أن يضاف إلى القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق بقانون مكافحة المخدرات مادة الترامادول (Tramadol ) وإستراتها وإيثيراتها وأملاح نظائرها وإستراتها ومستحضراتها, كما نص القرار في مادته الثانية على حذف مادة الترامادول وأملاحها من الفقرة (د) من الجدول رقم (3) الملحق بقانون مكافحة المخدرات .
وقد ترتب على قرار وزير الصحة المشار إليه أنه أصبح محظوراً على الصيدليات صرف هذا العقار بتذاكر طبية عادية مما كان يصدرها الأطباء العاديين في الماضي, وأصبح صرف هذا العقار من تلك الصيدليات قاصرا فقط على تذاكر طبية صادرة مباشرة من وزارة الصحة, كما ترتب عليه أيضاً أن أصبح إستيراد الترامادول وتصديره وإنتاجه وإستخراجه وصنعه وفصل مكوناته والإتجار فيه وكذلك تعاطيه بدون تذكرة طبية طادرة مباشرة من وزارة الصحة جناية متدرجة العقوبة وفقا لصورة السلوك الجنائي فيها وحسب توافر الظروف المشددة, وذلك بعد أن كان جنحة عقوبتها الحبس من ستة أشهر وحتى ثلاث سنوات قبل نقله إلى القسم الثاني من الجدول رقم (1) .
أسباب تعاطى البعض لعقار الترامادول :
يتعاطى بعض المواطنين عقار الترامادول لأسباب مختلفة يرتد بعضها إلى التلذذ بالأثر المخدر للعقار من دوخة ونعاس ودوار و هلوسة ظناً منهم أن ذلك قد يساعدهم على الهروب من بعض المشكلات التي تواجههم, أو بالأقل يوقف الصراع الفكري بشأنها, وأن ذلك يحد أو يهدئ من آلامهم النفسية ويساعدهم على الإسترخاء النفسي والعصبي, والبعض الآخر يتعاطى هذا العقار كعلاج لسرعة القذف وإطالة مدة العملية الجنسية .
خطورة عقار الترامادول صحياً وجنائياً :
الحقيقة أن عقار الترامادول له آثار شديدة الخطورة على صحة متعاطيه على نحو ما ثبت لنا من خصائصه وأعراضه الطبية, و من أهم هذه المخاطر أنه إذا زادت الجرعة اليومية منه على 400 ملليجرام للشباب, و300 ملليجرام لكبار السن فوق 75 سنة, أو تم تعاطي العقار بغير الإشراف والمتابعة الطبية, فإنه يمكن أن يؤدي بخلاف الدوخة والدوار والنعاس والهلوسة إلى غثيان وإرتباك وصعوبة في التنفس وتشنجات وخلل بوظائف الكبد وكذلك يؤدي أحيانا إلى الرغبة في الإنتحار, ويمكن أن تؤدي الجرعات الزائدة منه إلى حالة هبوط في الجهاز العصبي و التنفسي والإغماء وتوقف القلب و الوفاة, كذلك فإن تعاطي الترامادل من قبل السيدات الحوامل يسبب مشاكل عديدة للجنين, مثل التشنجات, أو أعراض الإنسحاب, أو الوفاة, لذلك لا ينبغي إستعماله أثناء الحمل أو بعد الولادة خلال فترة الإرضاع, ويضاف إلى ذلك جميعه أن تكرار تعاطي عقار الترامادول يسبب الإدمان .
أما من حيث خطورة هذا العقار جنائياً فإنه يُعد من قبيل الجواهر المخدرة المنصوص عليها في القسم الثاني من جدول المخدرات, و بهذه المثابة فإن المادة الثانية من قانون مكافحة المخدرات قد حظرت على أي شخص جلب أو تصدير أو إنتاج أو تملك أو إحراز أو شراء أو بيع كافة الجواهر المخدرة بما فيها الترامادول, وكذلك حظرت التنازل عنها بأية صفة, كما حظرت التدخل بالوساطة في الجلب أو التصدير أو البيع أو الشراء أو أي شئ مما تقدم, فالوسيط في هذه العمليات يعاقب عليها كالجاني تماماً
تعاطي الترامادول دافع خطير لإرتكاب الجرائم الماسة بأمن المجتمع والمواطنين :
وفضلا عن مخاطر المساءلة الجنائية السابقة, فإن هناك نوع آخر من الجرائم يتسبب في وقوعها الجوهر المخدر عموما وعقار الترامادول بصفة خاصة, ومن قبيل ذلك جرائم القتل والإصابة الخطأ التي يرتكبها قائد السيارة متعاطي العقار, وذلك لما يسببه العقار من دوخة وزغللة في الأعين وعدم وضوح الرؤية والنعاس أثناء القيادة, فضلا عن إرتكاب متعاطي هذه لمادة لجرائم السرقة والقتل العمد بغية الحصول على الأموال اللازمة لشراء العقار, وكذلك ما يرتكبه من جرائم إغتصاب وهتك عرض وزنا وخلافه تحت الأثر المخدر للعقار والذي قد يفقده إدراك طبيعة أفعاله وخطورتها على الآخرين, وهو ما يهدد بالخطر والضرر أمن المجتمع والفرد على السواء, وينعكس سلبا في النهاية على إقتصاد المجتمع نتيجة تراجع القدرة على العمل وإنتشار الجريمة بشتى صورها بما يؤثر على النشاط الإقتصادي .
العقوبات الرادعة للجنايات المتعلقة بالترامادول المخدر :
والحقيقة أن قانون المخدرات حدد عقوبات رادعة تختلف بحسب الفعل نفسه, وصفة مرتكبه, والقصد منه, فمثلا إعتبرت المادة (33) أن تصدير المخدرات وجلبها للبلاد بما فيها الترامادول هو جناية عقوبتها الإعدام والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه, وهي نفس العقوبة التي تطبق على جنايات إنتاج هذه المادة أو إستخراجها أو صنعها أو فصل مكوناتها متي كان ذلك بقصد الإتجار . وتطبق هذه العقوبة أيضاً على كل شخص يؤلف عصابة ولو بالخارج أو كان يدير تلك العصابة أو تداخل في إدارتها أو تنظيمها أو إنضم إليها أو إشترك فيها متى كان من بين أغراض تلك العصابة الإتجار في الجواهر المخدرة أو تقديمها للتعاطي أو إرتكاب هذه الجرائم داخل البلاد . وتطبق العقوبة السابقة أيضا على كل من إرتكب جرائم الحيازة أوالإحراز أو الشراء أو البيع أو التسليم أو النقل لهذه المخدرات بما فيها الترامادول, أو تقديمه للتعاطي, طالما كان القصد من ذلك هو الإتجار . وتطبق العقوبة ذاتها أيضاً على من يدير أماكن لتعاطي المخدرات بمقابل, ومن يرخص له بحيازتها لإستعمالها في غرض معين كشركات الأدوية والصيادلة ثم يستعملها في غير هذا الغرض, وكذلك تطبق على كل من يستغل سلطته أو حصانته في إرتكاب تلك الجرائم, كضابط الشرطة الذي يستغل سلطته في نقل المخدرات, وكالقاضي أو نائب البرلمان الذي يستغل حصانته في جلبها أو نقلها إلى آخر ما نص عيه القانون من جرائم أخرى, وإتجه المشرع إلى تخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد والمؤقت في الحالات التي لا يتوافر فيها قصد الإتجار أو الظروف المشددة السابقة .
حالات إعفاء متعاطي الترامادول من المسئولية الجنائية والعقاب:
والجدير بالذكر أن المشرع قد منع إقامة الدعوى الجنائية ضد من يتعاطى أية مادة مخدرة إذا تقدم من تلقاء نفسه إلى اللجنة المشكلة بكل محافظة بمقتضى المادة (37) مكرر بطلب العلاج, أو إذا تقدم بذلك نيابة عنه زوجه أو أحد أصوله أو فروعه, فيودع إحدى المصحات العلاجية بموافقته ويعفى من المسئولية الجنائية والعقاب عن جناية التعاطي .
بقلم :
دكتور : حسام جادو
مستشار علوم الجريمة
ساحة النقاش