تكنولوجيات مازن

يهدف موقعنا هذا لإفادة طلاب البحث في المناهج وتكنولوجيا تدريس العلوم والثقافة العلمية وتبسيط العلوم

البنائية المعرفية

Cognitive Constructivism

مقدمة:

شهد البحث التربوي خلال العقدين الأخيرين تحولات رئيسية في النظر للعملية التعليمية من قبل الباحثين، وتضمن ذلك التحول من إثارة التساؤل حول العوامل الخارجية المؤثرة على التعلم مثل متغيرات المعلم كشخصيته ، ووضوح تعابيره ، وحماسته، وطريقة ثنائه، إلى إثارة التساؤل حول ما يجرى يداخل عقل المتعلم مثل معرفته السابقة، وفهمه الساذج، وقدرته على التذكر، وقدرته على معالجة المعلومات، ودافعيته وانتباهه، وأنماط تفكيره، وكل ما يجعل التعلم لديه ذا معنى، وقد أسهم الباحثون بمساهمات كبيرة وواضحة في هذا المجال، وظهر ذلك من خلال تركيزهم على كيفية تشكيل هذه المعاني للمفاهيم العلمية عند المتعلم، ودور الفهم السابق في تشكيل هذه المعاني، واستند الباحثون في هذا التوجه إلى مدرسة فلسفية تسمى بالنظرية البنائية Constructivism Theory (خليل الخليلي،1996، ص 255)0

النظرية البنائية :   Constructivism Theory

    يمكن القول بأن النظرية البنائية هي فلسفة تربوية تقول بأن المتعلم يقوم بتكوين معارفه الخاصة التي يخزنها بداخله فلكل شخص معارفه الخاصة التي يمتلكها، وأن المتعلم يكّون معرفته بنفسه إما بشكل فردى أو مجتمعي بناء على معارفه الحالية وخبراته السابقة، حيث يقوم المتعلم بانتقاء وتحويل المعلومات وتكوين الفرضيات واتخاذ القرارات معتمداً على البنية المفاهيمية التي تمكنه من القيام بذلك0

    كما يمكن القول أن البنائية هي نظرية تعلم وليست أسلوب تدريس أو توجيه. يمكن أن يدرّس المدرسون بطرق تعرف "بالبنائية" عندما يكونوا مدركين لها ويدرسون بطريقة تتوافق مع كيفية تعلم الطلاب. تستلزم طرق التدريس المتوافقة مع كيفية التعلم إستراتيجيات مختلفة عن تلك التي تتبع غالباً في الفصول الدراسية. والطريقة الوحيدة لكي يتعلم المدرسون كيفية التدريس بالطريقة البنائية هي أن يتعلموا بالطريقة البنائية.

وتهتم ا لنظرية البنائية بالعمليات المعرفية الداخلية للمتعلم أي ما يجري داخل عقل المتعلم عندما يتعرض للمواقف التعليمية كمعرفته السابقة ومدي تقبله للتعلم ومدي دافعيته وقدرته علي معالجة المعلومات وبالتالي يكون دور المعلم تهيئة بيئة التعلم لتجعل المتعلم يبني معرفته بنفسه0(مني عبد الصبور شهاب ، 2004 ، ص ص96- 98)0

نشأة البنائية المعرفية

   لكي نتعرف علي نشأة البنائية يجب معرفة الفترة التي انبتثقت فيها البنائية فقد تباينت نظريتان تهتمان بالعملية التعليمية وهما نظرية التعلم ونظرية التعليم وكل نظرية منهما أخذت منحي مختلف  فيري (حسن سلامة ، 1995 ، ص15، حسن سلامة ، 2003 ، ص ص5-6 ) أن نظريات التعليم تهتم بالطريقة التي يؤثر بها التعلم في طريقة تعلم أشخاص آخرين ، أي بما يفعله المعلم داخل حجرات الدراسة، وبالتالي فهي توصيفية أي تهتم بالطريقة التي تساعد علي إحداث الحدث بأفضل طريقة ممكنة ، بينما تهتم نظريات التعلم بطريقة تعلم الكائن الحي وما يفعله المتعلم ، وبالتالي فهي وصفية أي تهتم بوصف الحدث كما يحدث 0

وفي ظل تلك الفروق بين نظريات التعلم ونظريات التعليم يتضح عدم كفاية أي من الاتجاهين بمفرده في تحقيق التعليم والتعلم الأفضل ، لذا ظهر اتجاه ثالث يربط بين الاتجاهين ٌعرف بنظريات التدريس

      حيث ينظر (إسماعيل محمد الأمين ،1995 ، ص64)  لنظريات التدريس علي أنها حالة خاصة من نظريات التعلم ولذلك فهي تعتمد اعتمادا كبيراُ عليها إلا أن نظريات التدريس تعتبر أسلوب المدرسين هو العامل الأساسي في تعلم التلميذ وليس العامل الوحيد ، كما تقوم نظرية التدريس بوصف الطرق التي يؤثر فيها سلوك المدرسين علي تعلم الطلاب والتنبؤ بها وضبطها0

   ومن نظريات التدريس نظريتان هامتان هما النظرية البنائية والنظرية السلوكية وكلاهما له تطبيقات في التربية فالنظرية البنائية تهتم بالعمليات المعرفية الداخلية للمتعلم أي ما يجري داخل عقل المتعلم عندما يتعرض للمواقف التعليمية كمعرفته السابقة ومدي تقبله للتعلم ومدي دافعيته وقدرته علي معالجة المعلومات وبالتالي يكون دور المعلم تهيئة بيئة التعلم لتجعل المتعلم يبني معرفته بنفسه0(مني عبد الصبور شهاب ، 2004 ، ص ص96- 98)0

      ويؤكد هذا (عبد الرحمن السعدي، ثناء السيدعودة ،2006 ،  ص115) بقوله أن النظرية البنائية من أحدث الاتجاهات في تدريس العلوم نتيجة التحول الكبير في البحث التربوي خلال العقود  الثلاثة الماضية ، فقد تحول التركيز من العوامل الخارجية التي تؤثر علي المتعلم مثل متغيرات  المعلم والمدرسة والمنهج والأقران وغيرها من العوامل ، إلي التركيز علي العوامل التي تؤثر داخلياً علي هذا التعلم 0 أي التركيز علي ما يحدث داخل عقل المتعلم حينما يتعرض للمواقف التعليمية المختلفة كمعرفته السابقة وفهمه السابق للمفاهيم وقدرته علي التذكر وقدرته علي معالجة المعلومات ودافعيته للتعلم ، وأنماط تفكيره وكل ما يجعل التعلم ذا معني0

ويري أصحاب النظرية البنائية أن المعلومات المتوفرة في المصادر المختلفة تشبه المواد الخام ، لا يستفيد منها المتعلم إلا بعد قيامه بعمليات معالجة لها ، مثل الطعام غي المهضوم ، والطعام المهضوم الذي يتفيد منه الإنسان فبعد وصول المعلومة للطالب يبدأ بالتفكير فيها ويصنفها في عقله ، ويبوبها ويربط طها مع مشابهاتها إن وجدت وهكذا إلي أن يصبح ما تعلمه ذا معني ومغزي وفي هذه اللحظة يكون الطالب تعلم شيئاً ، وأصبح قادراً علي استخدام ما تعلمه في حياته أو توليد معرفة جديدة ، وهكذا يتحول الطلاب والافراد من مستهلكين للمعلومات إلي منتجين لها(طه علي أحمد علي ، 2005، ص19) 0

البنائية نظرية في المعرفة Theory of Knowledge     

    كيف يأتي لنا أن نعرف ما نعرفه ؟ وما المعرفة ؟ وما الحقيقة ؟ هذه الاسئلة المهمة ليست فقط لعلماء المعرفة أو الفلاسفة الذين يدرسون نظرية المعرفة ، لكن كذلك للذين يهتمون بالعلوم  واللغة والقيم وعلم النفس التعليمي0 هل ما نشاهده من معرفة مطلقة تكون منفصلة عن الفرد أو مطابقة للحقيقة ؟ أو ما نشاهده من معرفة هو جزء من تكوين الفرد وليست خبراته وتجاربه مع البيئة ، هذه الأسئلة ومشابهها يتناول مفهوم البنائية كنظرية معرفية (منال احمد محمدين منصور،2007، ص19)

وكان جان بياجيه شديد الاهتمام بمبحث المعرفة ، وكانت تشغل ذهنه في تلك الأثناء تساؤلات كثيرة مؤداها: ما معنى المعرفة ؟ وكيف يكتسب الإنسان المعرفة ؟ وهل يكتسبها عن طريق حواسه أم عن طريق عقله؟ وكيف تنمو معرفة الطفل عن العالم المحيط ؟ ، كانت تلك الأسئلة وغيرها بمثابة البوتقة التي انصهرت فيها طاقة بحثه محاولا الإجابة عنها0وربما كان السؤال الذي يدور حول كيفية اكتساب الإنسان للمعرفة ، وكيفية نموها لديه بمثابة المحور الأساسي لذلك البحث ورأي بياجيه أنه للإجابة علي هذا السؤال يجب تتبع النمو المعرفي للأطفال منذ ميلادهم0(حسن زيتون ، كمال زيتون ، 2003، ص 82)0

وعليه يجب التعرف علي مفهوم المعرفة  عن التربويين والفلاسفة ، وما هي أدواتها

معني المعرفة :

    إن مفهوم المعرفة ٍ لم يستقر بعد علي معني محدد فالأدبيات الفلسفية التي عُنيت بتناول المعرفة عبر فترة من الزمن تصل لنحو 2500 عام ٍكثيرة جداً ،ومن هؤلاء الفلاسفة والإبستمولوجيون من ذوي المذاهب المختلفة مثل أرسطو وأفلاطون وديكارت ، فجميعهم لم يتفقوا علي تعريف محدد للمعرفة فكل منهم قدم تصوراً مغايراً بعض الشئ ومن التعريفات العديدة للمعرفة : أن المعرفة هي الخبرة 0حيث تمثل البيئة التي يعيش الإنسان فيها جملة من الخبرات وقد رمز البعض للعلاقة بين الإنسان وبيئته  بأنها عبارة عن مثير واستجابة (إرنست، 1999)0

بينما يري (حسنين الكامل،2002) أنه من الافضل التحدث عن ظروف المعرفة لا عن مصادرها ، لأن الإنسان له اهتماماته ورغباته ، ونتيجة تفاعله مع العالم المحيط تتيح الخبرة ، لذلك ينبغي ألا تنعزل عملية المعرفة عن الحياة والتفاعل معها عن الحياة والتفاعل معها فى مواقف تعليمية حيوية0

ويؤكد هذا (Krollk,2004بقوله إن المعرفة هي نموذج للحقيقة  Model وليست الحقيقة ذاتها ولذلك يجب علي المعرفة أن تمثل عالماً حقيقاً، ويري أن المعرفة تنظيم عام يمكن تكوينه من خلال خبراتنا وتفاعلاتنا مع الواقع والبيئة الاجتماعية التي نحياها0

عناصر المعرفة

           علي الرغم من عدم اتفاق الكثير من علماء النفس والفلاسفة علي تعريف محدد للمعرفة لكنهم اتفقوا نوعا ما علي أمر واحد يخص المعرفة وهو "عناصر المعرفة "  وهي العناصر الواجبة لحدوث المعرفة والتي تتمثل في (حسن حسين زيتون ،كمال زيتون ،2003، ص21) ( حسن زيتون ،كمال زيتون ،1992، ص6 ) هي :

1)    الذات العارفة أوالشخص Epistemic Subject  وهو الشخص الذي يسعي لإكتساب المعرفة0

2)    موضوع المعرفة        Epistemic object هو الموضوع الذي تسعي لإكتسابه0

3)    العلاقة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة  Epistemic relation 0

 واختلف الفلاسفة كلاً حسب مذهبه في العلاقة بين موضوع المعرفة وصلته بالذات العارفة

 فأصحاب المذهب الواقعي يرون أن موضوع المعرفة وجوداً مستقلاً عن الذات التي تدركها ، وأن المعرفة صورة مطابقة لحقائق الأشياء في العالم الخارجي ، فالعالم الخارجي كما هو مدرك في عقولنا ليس إلا صورة للعالم الموجود في الواقع0

أما أصحاب المذهب الواقعي النقدي فالمعرفة عندهم إدراك صورة معدلة بفعل العقل الذي يمكن أن يتجاوز الجزئيات الي الكليات ، فالواقعية تبحث في إمكان معرفة الإنسان للموضوعات الخارجية وتحديد الشروط العلمية اهذه المعرفية0

أما المثاليون فينقسمون الس ثلاث فئات :

(1)  فالمثالية عند "أفلاطون" تري أن العقل المدرك يلتزم بموضوع الإدراك ولا يؤثر فيه ، بل إن الموضوع هو الذي يؤثر في عقل المدرك 0

(2)  المثالية عند "باركي" فتري أن الوجود يرجع إلي الإدراك فوجود الأشياء معناه أننا ندركها ، فلا وجود لغير المدرك فالوجود سابق للادراك0

(3)  المثالية عن "كانت" تميز بين الظواهر الاولية السابقة علي كل تجربة والظواهر التي تكتسب بالتجربة ن ووظيفة العقل هنا أن يكشف لنا عما يجئ من الخارج وما يضيفه الفكر من معاني تجعل التجربة ممكنة0

وعليه فإن المعرفة بالنسبة للبنائية في مفهومها هي الموضوع المعرفي الذي يبحث عنه الطالب

أدوات المعرفة :

    هي الأدوات التي تعرف بها الذات العارفة الموضوع المعرفي ، وتتعدد طرق الوصول إلي المعرفة وتتنوع وتسمي أدوات المعرفة ، ومن أهم أدوات المعرفة  :

1-  أخبار الغير : ويشمل كل ما تقرأه من أخبار في الكتب والمجلات والصحف ومعلومات ، وما نسمعه من الآخرين مباشرة أو عن طريق أدوات الاتصال الحديثة كالإذاعة والتليفزيون وغيرها (كمال زيتون ،2002) 0

2-  الحواس والعقل معاً: فالشخص العارف يري أو يلمس أو يحس بالموقف المشكل أو الموضوع المعرفي من خلال حواسه ، ويتنبأ ويصل إلي المعرفة الجديدة من خلال إعمال العقل ، فعملية المعرفة لا تتم علي مرحلتين منفصلتين  ، إنما دور الحس ودور العقل فيها متداخلان ومتشابكان ويكمل أحدهما الآخر ، فبدون العقل لا تتم المعرفة وبدون الحواس لا يجد العقل ما يشتغل به، وبذلك يتأكد لنا أنه لا معرفة بدون عقل ولا فكر بدون خبرة حسية (حسن زيتون ،كمال زيتون ،2003، ص23) (حسن زيتون ،كمال زيتون،1992، ص10)0

أماكن المعرفة وحدودها وصحتها :

      محور هذه القضية الأساسي هو مشكلة المعرفة بين الشك واليقين ، وهي ما قد تسمي بمشكلة الحقيقة Truth وعلى نحو مبسط فإن هذه القضية تختص بمسألة وهي : إلي أي مدي تتطابق معرفتنا عن موضوع معين (موضوع المعرفة) مع حقيقة الشئ المطلق ؟  )حسن زيتون ،كمال زيتون،1992، ص ص8-9( 0

وتختلف الآراء حول هذه المسألة ، فنجد أصحاب مذهب اليقين (المذهب العقلي، المذهب التجريبي ، المذهب النقدي) علي تنوعهم يرون أن كل معرفة سواء أكانت عقلية أم حسية هي صادقة  علي الإطلاق ، وليس هناك  ما يدعو الي اختبار صحتها0Susan hanley,2001) ( 0

   أما أصحاب مذهب الشك علي تنوع فرقهم فيقفون موقفاً معارضاً من أصحاب مذهب اليقين فإنهم ينكرون اليقين المطلق ، ولا يعتقدون بموضوعية المعرفة ، إذ أنههم يجعلون الفرد مقياساً للمعرفة فإذا كنا نشك في المعرفة فإنه ليس بهدف الشك أو الهدم وإنما الشك بهدف الحذر واليقظة وعدم القبول الأعمي0وذلك بهدف الوصول إلي اليقين)حسن زيتون ،كمال زيتون،1992، ص ص8-9 . (

ومن ذلك يتضح أن البنائيين علي اختلاف مذاهبهم ينكرون مبدأ صدق المعرفة أو الحقيقة الموضوعية المطلقة ، ومن ثم فالبنائيون يتفقون مع الذين يرون إمكانية قيام معرفة صحيحة ويقينية وذلك لسلامة الوسيلة التي يستخدمها الفرد في تحصيل هذه المعرفة وهي الحواس والعقل 0

موقف البنائية بالنسبة إلي أنواع المعرفة :

تنقسم المعرفة بالنسبة لدي البنائيين إلي أنواع عديدة)حسن زيتون ،كمال زيتون،1992، ص ص37-39 (:

1-  المعرفة الكامنة     Knowledge  Inert                                                             وهي المعرفة المستقرة في العقل والتي لا تظهر إلا إذا تم استدعائها بصورة مباشرة عن طريق سؤال مثل المفردات السلبية أي التي يعرفها الفرد ولكنه لا يستخدمها في الحياة اليومية بصورة منتظمة0

2-  المعرفة الروتينية Knowledge     Ritual                                                    وهي المعرفة التي نستخدمها بصورة روتينية دون أن ندرك معني واضحاً لها مثل الأسماء والتواريخ والقواعد الروتينية في العلوم والرياضيات0

3-   المعرفة الأجنبية       Foreign Knowledge                                                      وهي المعرفة التي تأتي إلينا من منظور يتعارض مع منظورنا الخاص ، مثل ما يحدث في التاريخ حيث ينظر المتعلمون للأحداث التاريخية من منظور المعرفة الحالية وليس من منظور المعرفة السابقة0

بينما يري بياجيه أن المعرفة تنقسم لنوعين (كمال زيتون،2002، ص168)هما :

1-  المعرفة الشكلية وتهتم بمعرفة المثيرات0

2-  المعرفية الإجرائية وهي التي تصدر من المحاكاة العقلية وتهتم بالكيفية التي تتغير عليها الأشياء0

الجذور المعرفية للبنائية :

  أولا :عند المسلمين

         علي الرغم من أن البنائية تعد نظرية فلسفية حديثة في التعلم المعرفي إلا أن لها جذوراً تاريخية عميقة 0 فيذكر (عبد الرحمن الزبيدي ،1992، ص499) ( ذكي عدل الدين، عاطف العراقي، 1994 ، ص77) أن الإسلام جعل الادراكات  الحسية أساسا تقوم عليه المعارف ولكن الحواس فقط لا تحقق بمفردها المعرفة المطلوبة لأن هذه مهمة العقل من خلال مبادئه الفطرية ، واعتماد الإنسان علي الحواس فقط في الوصول للمعرفة جعله عَرضة لخداعها ولولا كفاية العقل ورجاحته لالتبس في عقول العلماء والناس معتقدات فاسدة عن الخالق0

بينما اهتم البعض الآخر بطبيعة المعرفة وتقسيماتها فمنهم من قسمها إلي توفيقية ومكتسبة ، ومنهم من قسمها إلي معرفة نقلية ومعرفة حسية ومعرفة تقليدية ،ومنهم من قسمها إلي معرفة لدنية كما في قوله تعالي (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا) آية 99من سورة طه، ومعرفة وثقي التي تصدر عن كبار العلماء والمختصين كالفتاوى ، والمعرفة العقلية التي تصدر عن طريف العقل والتأمل الفكري، والمعرفة الحسية التي تأتي عن طريق الحواس ولا يمكن الاعتماد علي نمط واحد من هذه الأنماط في اكتساب المعرفة وإنما الاعتماد عليها كلها0

ثانياً :عند فلاسفة الغرب

       للنظرية البنائية جذور تاريخية قديمة تمتد إلي عهد سقراط ، لكنها تبلورت إلي صيغتها الحالية علي ضوء نظريات وأفكار كثير من المنظرين أمثال أزوبل ، وبياجيه وكيلي ، وغيرهم 0

  وهناك العديد من الفلاسفة الذين تناولوا جذور البنائية :-

1- فتحدث الفيلسوف الإيطالي جيامبتسا فيكو Giambattisa Vico عام1710م تقريبا عن عملية البناء المعرفي في أطروحته ، وأقترض أن عقل الإنسان يبني المعرفة وأنه لا يعرف إلا ما يبنيه بنفسه 0

2-  أصحاب المذهب الشكاك أمثال أكسانوفا وديكارت Dekart اللذان شككا في كفاية الحواس وكفاءة العقل في بلوغ اليقين إزاء طبيعة الأشياء 0

3-  أصحاب المذهب النقدي من أمثال كانت kant  اللذين ذكروا أن العقل ينشىء المعرفة وفقا لتصوره ومقولاته إلا أن هذه الصور والمقولات التي تنطبق على عالم التجربة لا تنطبق علي عالم الشيء بذاته 0

4- أصحاب مذهب الدارونية ومنهم بيير موري P.Moreau ، وايلير E Hilaire ، وروبرت تشمبرز R Chambers ، وتشارلز لييل C Lyell وتشارلز دارون Charles Darwin إذ أوضحوا أن فكرة الموائمة بين الكائن الحي، والبيئة تمثل أساسا للتكيف 0

5- أصحاب المذهب البراجماتي من أمثال وليم جيمس William James وجورج ساميل George Simmel  وجون ديوي John Dewey's والذين أشاروا إلي أن المعرفة آلة وظيفية في خدمة مطالب الحياة0

6- صاحب نظرية الابستمولوجيا الارتقائية جان بياجيه Jean Piaget  والذي قدم نظريته عن النمو المعرفي عند الأطفال وكيفية اكتساب المعرفة لديهم0(حسن زيتون ، كمال زيتون ، 2003، ص ص27- 30)0

مما سبق نخلص إلي أن فلاسفة الغرب أيضاً شككوا في كفاية الحواس للوصول للمعرفة ، وأكدوا علي أهمية التفاعل بين العقل والحواس للوصول الصحيح إلي المعرفة وهذا هو الأساس الذي قامت عليه النظرية البنائية0

وتعد نتائج البحوث التي أجراها جان بياجيه في نمو المعرفة وتطورها عند الإنسان بمثابة الأساس للفلسفة البنائية بمفهومها الحديث، فقد وضع بياجيه نظرية متكاملة ومنفردة حول النمو المعرفي لدي الاطفال0(محمد عبد الله عبيد ، 2007، ص433)0

كما أن بياجيه لم يقتصر علي وصف التعلم  بل وصف عملية تراكم المعرفة في ذهن المتعلم عند تشكيل البني المعرفية لديه ، ويؤكد ذلك (خليل الخليلي ، 1996 ص 58) بقوله إن نتائج تحليل الدراسات التي جاءت تحت مظلة الفلسفة البنائية انتهت إلي أن بياجيه كان قد سبق له التوصل إلي ما توصلت إليه البحوث المعاصرة حول نمو المفاهيم العلمية وتطورها عند المتعلمين وبهذا تكون بحوث بياجيه هي التي وضعت الأساس  للفلسفة البنائية0

الملامح الابستمولوجية للبنائية  (ملامح المعرفة من وجهة النظر البنائية) :

     فيما يلي مجموعة من الخطوط العامة التي قد تعبر عن الملامح المعرفية للبنائية (حسن زيتون ، كمال زيتون ، 2003، ص ص30-31) (حسن زيتون ،كمال زيتون،1992، ص ص28-29) :-

1-   البنائية عبارة عن رؤية معرفية تري أن الواقع يدرك بواسطة الذات العارفة0

2- نشاط المتعلم (الذات العارفة) يُعد أمراً جوهرياً لبناء المعرفة ، حني أن بعض منظروا البنائية اعتبروا أن نشاط المتعلم والمعرفة شيئاً واحداً0

3-  إن معيار الحكم علي المعرفة لدي البنائيين ليس في كونها مطابقة للواقع ولكنها في كونها عملية ، بمعني أنها تعمل علي تسيير أمور الفرد وحل المشكلات المعرفية ، فهي وسيلة لحل المشكلات0

4-    إن المعرفة لا توجد مستقلة عن الذات العارفة بل ترتبط بها وتلازمها0

      وتضيف (منال احمد محمدين منصور، 2007 ، ص24) علي ذلك

5-     يبني الفرد معرفته من خلال عملية تفاوض اجتماعي مع الآخـرين ومع البيئة المحيطة0

            ويتفق هذا مع ما ذهب إليه "فيوجوتسكي"في أن العمليات العقلية يمكن أن تنمو من خلال عمليات            

            التفاوض الاجتماعي (Woolfolk,Anita.E,1995,P82)0

       ويضيف كاننجهام (Cunningham,1991,p15) أن دور المعلم هو تعليم المتعلمين كيفية بناء   

        المعرفة وأن يعزز لديهم التعاون مع الآخرين لكي ينسبوا تعدد الرؤى المختلفة تجاه أي مشكلة مطروحة0

  الافتراضات المعرفية للبنائية:

اتفق منظروا ومؤيدوا البنائية أمثال   (Vygotsky,1983(V.Glasserfeld,1989)    (Wheatly,1991, pp 9-18) ،  (Perkins,1991,pp19-21)، (Cunningham,1991) 

 (Jonassen,1992)(Spiro,1991) (Merrill,1991)، (Saunder,1992,pp139-140)     (حسن زيتون ، كمال زيتون ، 1992، ص ص 18-22) ، ( حسام مازن ، 1993، ص ص 45-49)        ( Appleton,1997,pp303-318) ، (مني سعودي،1998، ص ص780-783)  ،( محمد ربيع حسني ، 2000 ، ص ص9-13)، (خليل رضوان خليل ، عبد الرازق سويلم ،2001 ، ص ص112-113)، ( عفت مصطفي الطناوي ،2002، ص ص11-12)، (أمين فاروق فهمي ،2002، ص22)، (حسن زيتون ، كمال زيتون ، 2003، ص ص32-45) علي أن البنائية تقوم علي افتراضين أساسين هما:-                               أولهما : يختص باكتساب المعرفة                           وثانيهما : يختص بوظيفة المعرفة وصحتها

 

الفــــــــــرض الأول

 " يبني الفرد الواعي المعرفة اعتماداً علي خبرته ، ولا يستقبلها بصورة سلبية من الآخريــــــن"

   ويذكر ساند رز أن المعرفة تتشكل بداخل عقل المتعلم كنتيجة لتفاعل حواسه مع العالم المحيط ، ولا يمكن أن يتشكل هذه المعني أو الفهم عنده إذا قام المعلم بسرد المعلومات له ، أي أن المعرفة تكون متأصلة في عقل المتعلم وليست كياناً مستقلا يجري نقله إلي عقله من الطبيعة أو من المعلم ، والتعلم هنا عملية مستمرة يعيد خلالها الفرد تنظيم ما يمر به من خبرات بحيث يسعي إلي فهم أوسع وأشمل من ذلك الفهم الذي توحي به الخبرات التي تمكنه من ربط المعلومات  الجديدة بما لديه من معرفة سابقة ، تمكنه من إعادة تشكيل المعاني السابقة لديه بما يتفق مع المعاني العلمية السليمة0

وبالنظر إلي هذا الفرض يمكن اكتشاف بعض النقاط الهامة المتصلة باكتساب المعرفة من منظور البنائية وهي:-

1-   يبني المتعلم المعرفة الخاصة به بنفسه عن طريق استخدام عقله 0

2-   معرفة المتعلم دالة لخبرته ، أي أن المعرفة ذات علاقة بخبرة المتعلم وممارسته ونشاطه في التعامل مع معطيات العالم المحيط به0

3-   تأخذ الأفكار والمفاهيم والمبادىء معني داخل كل متعلم قد يختلف عن المعني لدي متعلم آخر0

ويعّبر عن ذلك ويتلي (Wheatly,1991,p11) بقوله : إن الاتصال الذي نجربه مع الآخرين لا يؤدي إلي انتقال أفكارنا إليهم بنفس المعني الموجود في عقولنا ، بل إن تعبيرنا يثير معانِ مختلفة لدي كل فرد من الأفراد0

كما يتفق (وديع مكسيموس ، 2003 ، ص 51) مع ويتلي بقوله : يجب علي المعلم تشجيع التلاميذ علي معارفهم بأنفسهم ، وان يقدم لهم أحداث تتحدي هذه الأفكار وتشجع علي تكوين تفسيرات متعددة، كما يجب تشجيع التلاميذ علي القيام بالأنشطة حني يحدث لديهم تعلم ذا معني0

الفــــــــــرض الثانـــــــي

" إن وظيفة العملية المعرفية هي التكيف مع تنظيم العالم التجريبي وخدمته ، وليس اكتشاف  الحقيقة الموجودة المطلــــــقة "

     ويقصد بالعملية المعرفية : العملية التي يصبح الفرد بمقتضاها واعياً بموضوع المعرفة ، وتشمل الإحساس والإدراك والانتباه والتذكر والاستدلال وغيرها، ويقصد بالحقيقة المطلقة : حقيقة الأشياء كما هي معلومة عند الله سبحانه وتعالي0

       وبناء علي ما سبق تتضح لنا وجهة نظر منظري البنائية في مسألة وظيفية المعرفة، إذ يرون أن بناء المعرفة عملية بحث عن المواءمة بين المعرفة والواقع وليس بعملية مقابلة بينهما ، أي أن البنائية تنظر إلي المعرفة علي أنها وسيلية0

     كما تتضح أيضا وجه نظرهم حول الحقيقة المطلقة ، فيؤكد البنائيون أنه ليس في استطاعة الإنسان اكتشاف حقيقة الوجود المطلق للأشياء ، وعبّر عن ذلك (Wheatly,1991,p12) بقوله : إننا لا نملك العيون التي تساعدنا علي إدراك العالم الخارجي الواقعي أو رؤيته في كليته ، ولذلك يمكننا معرفة العالم فقط من خلال حواسنا0

أي أن البنائيون ينكرون فرضية الحقيقة الموضوعية المطلقة حيث أن المعرفة متصلة بنشاط الفرد ولا توجد حقيقة منفصلة عنها0

بياجيه والنظرية البنائية :

      كان جان بياجيه شديد الاهتمام بمبحث المعرفة ، وكانت تشغل ذهنه في تلك الأثناء تساؤلات كثيرة مؤداها :

ما معنى المعرفة ؟ وكيف يكتسب الإنسان المعرفة ؟ وهل يكتسبها عن طريق حواسه أم عن طريق عقله؟ وكيف تنمو معرفة الطفل عن العالم المحيط ؟ ، كانت تلك الأسئلة وغيرها بمثابة البوتقة التي انصهرت فيها طاقة بحثه محاولا الإجابة عنها0وربما كان السؤال الذي يدور حول كيفية اكتساب الإنسان للمعرفة ، وكيفية نموها لديه بمثابة المحور الأساسي لذلك البحث ورأي بياجيه أنه للإجابة علي هذا السؤال يجب تتبع النمو المعرفي للأطفال منذ ميلادهم0(حسن زيتون ، كمال زيتون ، 2003، ص 82)0

     وأكتشف أن الفرد يمر بمراحل في التطور العقلي هذه المراحل ترتبط بمجالات عقلية معينة0 والمراحل هي المرحلة الحسية الحركية، ومرحلة التفكير الصوري ، ومرحلة العمليات المحسوسة ، ومرحلة العمليات الشكلية0 ويوجد الأطفال الصغار في مرحلة التفكير الصوري بينما يوجد معظم تلاميذ المرحلة الابتدائية والمتوسطة في مرحلة العمليات المحسوسة ومرحلة العمليات الشكلية،  مع وجود عدد منهم فيما بين المرحلتين0 (زيد الهويدي ، 2005 ، ص300)0

والمراحل العمرية التي حددها جان بياجيه كالأتي:-

1.    مرحلة الحس الحركية (Sensori -motor Stage) تمتد من الميلاد وحني نهاية السنة الثانية0

2.    مرحلة التفكير الصوري(Preoperational Stage)تمتد من سنتين وحني سبع سنوات

3.    مرحلة العمليات المحسوسة (Concrete operational Stage) وتمتد من سبع سنوات وتمتد حني احدي عشر عاماً 0

4.    مرحلة العمليات المجردة (Formal operational Stage) وتمتد من احدي عشر عاما وما بعدها0

ويؤكد بياجيه علي الترتيب السابق لمراحل النمو العقلي إلا أن الفترة الزمنية لكل مرحلة ليست مطلقة ولكن يختلف سن دخول كل مرحلة والخروج منها من شخص لآخر ومن ثقافة لاخري (فايزة مصطفي ، 1991 ، ص462) 0

ومن الملاحظ هنا أن المراحل التي حددها بياجيه للنمو العقلي للإنسان تتماشي مع المراحل التي حددها علماء النفس للنمو وهي (حنان مصطفي احمد ، 2002 ، ص ص22- 23) :

1-     مرحلة المهد (الميلاد - سنتين)                

2-     مرحلة الطفولة المبكرة (2-7 سنوات)

3-     مرحلة الطفولة المتأخرة (7- 12 سنة)

4-     مرحلة المراهقة  (12- 20 سنة)

ويُلاحظ أن بياجيه وصف هذه المراحل بالتفصيل كما أنه قدم وصفاً دقيقا لمظاهر النمو العقلي للمعرفي للإنسان في كل مرحلة من هذه المراحل ، ولكنه لم يقدم ما يفعله المعلم في مواقف التعلم لإحداث التعلم لدي المتعلم في مرحة من تلك المراحل0

 وملخص نظرية بياجيه في التعلم المعرفي البنائى ينص علي أن عملية اكتساب المعرفة عملية بنائية مستمرة ونشطة ، وتتم من خلال تعديل في المنظومات أو التراكيب المعرفية للفرد بواسطة آليات عملية التنظيم الذاتي (التمثيل والمواءمة) بهدف تكيف الفرد مع الضغوط المعرفية البيئية (حسن زيتون ، كمال زيتون ، 2003، ص95)0

ولهذه النظرية شقان أساسيان مترابطان (وديع مكسيموس ،2003 ، ص50) هما الحتمية المنطقية وتختص بمراحل النمو المعرفي ، وبنائية المعرفة وتختص بكيفية بناء المتعلم للمعرفة ويوضح الشكل التالي نموذج تخطيطي لنظرية بياجيه

 

 

نظرية بياجيه في النمو المعرفي

بنائية المعرفة وتختص كيفية بناء المتعلم للمعرفة

الحتمية المنطقية وتختص بالعمليات المنطقية وتمر  بأربع مراحل

 

التفكير الحركي من الميلاد وحني سنتان

ما قبل العمليات من سنتين وحني 7سنوات

العمليات العيانية من 7سنوات وحتي11 سنة

العمليات الشكلية من11سنة وما بعدها

التنظيم

التمثيل

الاستيعاب

التكيف

التوازن

 

 

 

drhosam2010

حسام الدين محمد عبد المطلب مازن

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 1049 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2010 بواسطة drhosam2010

حسام الدين محمد مازن

drhosam2010
الاستاذ الدكتور/ حسام مازن أستاذ المناهج وطرق التدريس، ووكيل كلية التربية بسوهاج للدراسات العليا والبحوث سابقا، والعميد السابق للمعهد العالي للكمبيوتر وتكنولوجيا الإدارة بسوهاج،عضو لجنة ترقيات الأساتذة في تخصص المناهج وطرق التدريس وتكنولوجيا التعليمللفترة2012=2015م ثم 2016/2019م .حائز على جائزة جامعة سوهاج التقديرية 2016م-أرفع جائزة بالجامعة. من المهتمين بتبسيط العلوم ونشرها »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

227,196