Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

ظاهرة الإرهاب وأثاره

 

    د.  حلمي الألفي

يعد الإرهاب ظاهرة خطيرة في حياة المجتمعات الإنسانية وليست له هوية ولا ينتمي إلى بلد وليست له عقيدة وقد وردت لفظة (رهب وأرهب) في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف في مواضع عديدة , فمن القرآن الكريم:
1-
قوله تعالى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
فمعنى قوله تعال وَإِيَّايَ فَارْهَبُون أي خافون، والرُّهْبُ والرَّهْبةُ: الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد
2-
قوله تعالى وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ فمعنى قوله تعالى تُرْهِبُون أي تخيفون
فسر ابن الأثير الرهبة الواردة في الحديث بأنها: الخوف والفزع ومن هنا يتضح: أن كلمة (رَهَب وأرْهَب) التي وردت في القرآن الكريم، والسنة النبوية لا تخرج عن معناها في اللغة العربية وهو: الخوف والفزع والخشية.

وتعريف الأمم المتحدة الإرهاب بأنه : تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو تهدد الحريات الأساسية أو تنتهك كرامة الإنسان وفي القانون الدولي بعرف الإرهاب: جملة من الأفعال التي حرمتها القوانين الوطنية لمعظم الدول

وتنظر الاتفاقية العربية للإرهاب علي أنه : كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به، أياً كانت دوافعه أو أغراضه، يقع تنفيذه لمشروع إجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم وأمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق أو الأملاك ( العامة والخاصة) أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر

أيضا يعرفه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بأنه هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغياً وإفساداً في الأرض. ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم أن تبحث عن المجرمين وأن تقدمهم للهيئات القضائية لكي تقول كلمتها العادلة فيهم . كما يعرف المجمع الفقهي الإسلامي الإرهاب بأنه عدوان يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى، والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم ، أو تعريض حياتهم أو حريتهم، أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها.

وفي اعتقادي أن تعريف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي هو من أفضل التعاريف وأقوها ، حيث يوضح أن الإرهاب يشمل كل صور الفساد    فِي الْأَرْضِ . وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد، وعده محاربة الله ورسوله : في قوله تعالى إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظراً لخطورة هذا الاعتداء الذي يعد في الشريعة الإسلامية حرباً ضد حدود الله وخلقه

ويشير  المجمع الفقهي الإسلامي أن من أنواع الإرهاب: إرهاب الدولة، ومن أوضح صوره وأشدها شناعة الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين، وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا، ورأى المجمع أن هذا النوع من الإرهاب من أشد أنواعه خطراً على الأمن والسلام في العالم، وعد مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس

 والإرهاب ليس لـه دين أو وطن أو جنسية معينة فهو يصيب الجميع حيث لا توجد حدود جغرافية لـه فمسرح عملياته يشمل كل أجزاء الكرة الأرضية كما لا يوجد شكل معين لجرائم الإرهاب فيمكن أن يأخذ خطف طائرات وتغيير مسارها بالقوة أو تدميرها أو أخذ ركابها رهائن أو قتلهم أو تتخذ شكل تفجيرات للمباني وغيرها أو احتلال مواقع واستعمال السموم أو الغازات الضارة، وإجمالاً كل ما يُعتدى فيه على الأشخاص من اغتيالات وغيرها والأموال ووسائل النقل بأنواعها المختلفة ,

ولا شك أن التقدم العلمي والتقني الذي يشهده العالم اليوم أدى إلى زيادة خطورة جرائم الإرهاب وتعقيدها سواء من حيث تسهيل الاتصال بين العناصر الإرهابية وتنسيق عملياتها أو من حيث المساعدة على ابتكار مواد وأساليب إجرامية متقدمة أو زيادة مرتكبي تلك الجرائم مما أدى إلى ازدياد الإرهاب على جميع المستويات وأصبح من أهم الأخطار التي تواجه المجتمع الدولي,

وما يجب الإشارة إليه أن   الكفاح المسلح للشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي من أجل تحرير أرضها المحتلة والحصول على حقها في تقرير مصيرها واستقلالها لا يعد إرهابا ، وقد  نصت المادة الثانية من  الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقعها وزراء الداخلية العرب الاتفاقية (لاتُعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي) 

 كما أن رابطة العالم الإسلامي أكدت في بيان مكة الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة في الفترة ما بين 21–26/10/1422هـ الحق للجميع في الدفاع عن أوطانهم وأعراضهم ضد المحتلين الغاصبين وأن هذا الحق مشروع في كل الشرائع الإلهية والقوانين الوضعية.

عناصر وأهداف الإرهـاب:


يمكن القول أن عناصر الإرهاب هي : القوة - العنف – الرعب – الأسلحة - وسائل الإعلام  ، ويهدف إلي عدد من الأهداف المباشرة وغير المباشرة هي :

أ ـ الأهداف المباشرة:
وهي التي تعلنها المنظمة في أثناء تنفيذ العملية الإرهابية وتتمثل في الآتي:
1-
الحصول على الأموال لتمويل نشاط المنظمة وتجنيد أفراد جدد للعمل فيها.
2-
إطلاق سراح المعتقلين.
3-
القيام بعمليات الاغتيال للخصوم سواء الاغتيالات المكشوفة أو المستترة.
4-
تأمين خروج الأفراد القائمين بتنفيذ العملية الإرهابية بعد الانتهاء من التنفيذ.
5-
عملية الدعاية اللازمة للمنظمة.


ب ـ الأهداف غير المباشرة:
هي التي لا تعلنها المنظمات الإرهابية ، ولكنها تسعى إلى تحقيقها،ويمكن ان تكون أهميتها بالنسبة للمنظمة اكبر وأهم من الأهداف المباشرة وتتمثل الأهداف غير المباشرة في الآتي:
1-
إضعاف سلطة الحكومة ،وإظهارها بالعجز نظرا لعدم نجاح الحكومة في الكشف عن العملية قبل تنفيذها وعدم القدرة على مجابهة الموقف الناجم عن العملية الإرهابية.
2-
الحصول على اعتراف رسمي من الدولة الهدف بوجود المنظمة، أو الحصول على اعتراف دولي بوجودها نتيجة لإعلان بيانات تفرض المنظمة الإرهابية إعلانها وإذاعتها.
3-
إجبار الدولة على الإتيان بأعمال موجهة ضد المواطنين بما يؤدي إلى فقد الثقة في الحكومة نظرا لعدم قدرتها على تحقيق الأمان للمواطنين ومواجهة المنظمة الإرهابية والقضاء عليها.
4-
خلق متعاطفين مع المنظمة من رعايا الدولة المستهدفة والعمل على قلب نظام الحكم أو تحقيق أغراض المنظمة.
5-
ضرب السياحة واقتصاديات الدول والأمن فيها بل ويمتد إلى مرتكزات القوة وعواملها لدى الدول التي تمنحها الشرعية كالدين والاقتصاد والأمن.


و يصنيف مؤتمر واشنطن عام 1976م  الإرهاب إلي الأنواع التالية:
1/
إر هاب عقائدي وديني
2/
إر هاب وطني: ويشمل العمليات التي تستهدف إخراج المحتلين أو تدمير آلياتهم ومصالحهم أو اغتيال رموزهم .
3/
إر هاب مرضي: وهو الناتج عن اعتلال عقلي أو نفسي .
كما يقسمه البعض إلي : الإرهاب الفردي والإرهاب الجماعي.


وقد تتخذ العمليات الإرهابية الأشكال الآتية:
1/
الاختطاف واحتجاز الرهائن:
ويقوم على مفهوم احتجاز أو أسر شخص أو أشخاص معينين في مكان سري ،وقد يكون الاختطاف للطائرات بكامل ركابها
2/
الكمائن:
وهي نوع من أنواع الهجوم المباغت والمفاجئ يتم بمقتضاه الاستيلاء على الهدف بعيدا عن أنواع الحماية أو الحراسة التي تخصص له أو يحيط بها نفسه في مكان إقامته وعمله.
3/
أسلوب الاغتيال: الأسلوب المعروف بالعنف الإرهابي ويتم عادة للسياسيين والإعلاميين والمسئولين، وقد يتم لبعض المشايخ والعلماء والدعاة المعارضين لفكر الإرهابيين.
4/
أسلوب العنف الطائفي:
ويتمثل في مهاجمة بعض المجموعات لبعض المواطنين إضافة إلى ممتلكاتهم الخاصة، كذلك مهاجمة المساجد أو الكنائس أو المعابد.
5/
التفجيرات
وهي عادة تتم لأماكن عبادة أو أماكن إيواء لأشخاص ينظر إليهم على أنهم أعداء أو من مواطني دول معادية أو يمثلون دول معادية رغم أن منهم ضحايا لسياسات معينة، ومسالمين أبرياء، وقد تحمل تلك التفجيرات رسالة للدولة التي نفذت فيها التفجيرات بهدف الابتزاز السياسي أو الديني أو المالي أو بهدف مواجهة نظام الحكم في تلك الدولة .وهناك عمليات أخرى كالقنص، والتهديد بالإرهاب والحرب النفسية باستخدام البلاغات الإرهابية الكاذبة.

خصائص الإرهــاب

خصائص الإرهاب التي تميزه عن غيره من أعمال العنف في العصر الحديث منها:
1/ إستخدام 
العنف أو التهديد به واستمراره لوقت طويل  .
2/
عدم مشروعية الغرض ، وان كان الواضح هو محاولة تقويض السلطة السياسية.
3/ أ
فعال  يتعدى نطاقها مكان وقوعها  وتحدث تأثيرات أوسع وأشمل في التخويف.
4/
إن أعمال الإرهاب لا يقصد بها المواجهة العسكرية، وإنما تقتصر على تكتيكات إرهابية عنيفة سرِّية غير منظورة ،تقوم بها عناصر متطرفة ومناوئة للسلطة ونظام الحكم وتختار أهدافها بدقة .
5/
إن العملية الإرهابية لا تتقيد بالحدود أو الجغرافيا، وتنفذ مخططها في أي مكان يحقق أهدافها
6/
إن العمليات الإرهابية عمادها جذب الانتباه، ولذا تتعمد عملياتها أهداف دولية أو دول كبرى لتحظى بانتشار إعلامي يخدم أهدافها، 

أسباب ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي
1/
نقص التربية الدينية في بعض المجتمعات الإسلامية.
2/
إساءة الطريقة والأسلوب التربوي في توصيل الثقافة الدينية.
3/
الجهل بالدين وبفقه العصر ومقتضياته أدى بالشباب إلى إصدار الفتاوى والأحكام المختلفة للنصوص دون الرجوع للمختصين في العلوم الشرعية.
4/
التطورات على الساحة الإسلامية ، والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
5/
الفراغ الديني لدى الشباب وانشغالهم بمسائل فرعية وخلافية في الدين.
6/
عدم فهم حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن بيده تغيير المنكر بالقوة.
7/
الخضوع التام والطاعة العمياء لقادة الجماعات الإرهابية في بعض المجتمعات الإسلامية وذلك أيضا لسد احتياجاتهم المادية.
8/
عدم المشاركة الإيجابية في الحياة الاجتماعية.
<!--[endif]-->

آثار الإرهاب علي المجتمعات

يفرزه الإرهاب عديد من الآثار تمتد سلبياته على المجتمع سنوات طويلة يذوق ويلاتها ويتجرّع غصصها أجياله القادمة ويمكن إجمالها فيما يلي:

1/ إن العمليات الإرهابية التي وقعت في البلدان الإسلامية وبأيدي من يدعون الإسلام أسهمت إلى حد كبير في رسم صورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين أمام غير المسلمين وفي تشويه صورة كل مسلم وإيجاد علاقة شكلية بين الإرهاب والإسلام
2/
إن العمليات الإرهابية تعتبر من المخاطر غير المشجعة للتجار ورجال الأعمال على التوسع في تجارتهم وفي التبادلات التجارية أو عقد الصفقات مع الدولة التي تعاني من الإرهاب.
3/
أن المناخ العام للاستثمار سيكون غير مشجع لجذب رؤوس الأموال من الخارج.
4/
إن الإرهاب يعمل على عرقلة النشاط السياحي الذي يعد من مصادر الدخل القومي لكثير من الدول الإسلامية.
5/
إن الإرهاب وما ينتج عنه من زعزعة في الأمن وخلخلة في الاقتصاد وتراجع النشاط التجاري يكون سببا قويا في بروز نوع من الاقتصاد الخفي مثل تجارة السلاح والمتفجرات.
6/
إن الإرهاب يأخذ أبعادا خطيرة قد تصل إلى حد الإضرار بميزانية الدولة المبتلية بالإرهاب وذلك من جانبين:
1/
تزايد نفقات الدولة على جهود مكافحة الإرهاب.
2/
زيادة أعباء الموازنة من جراء التعويضات المدفوعة لذوي القتلى وعلاج المصابين وإصلاح ما خلفه الإرهاب من دمار وتلفيات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 288 مشاهدة

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

280,501

ابحث