العقلية المنغلقة وآثرها علي تحقيق مصالح الناس
أ.د. محمد ماهر الصواف
لقد ميز الله الإنسان بالعقل وحث على إعمال العقل واستخدامه في تحقيق مصالح الناس و جلب المنافع لهم، ودعاه إلى نبذ الجمود والتقليد، وبيّن أنّ الإنسان الذي يغفل استخدام العقل، فإنه ينزل إلى مرتبة دون مرتبة الحيوان، قال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) الأنفال / 22 ويستنتج من الآية الكريمة ان الله قد امرنا بإعمال العقل. فالعقل هو من يخلق العلوم ويصنع ويبتكر ويطور أدوات الإنتاج بما يساعد علي الوفاء بالاحتياجات الإنسانية الأساسية المتزايدة والعيش عيشة كريمة. ومن هنا نتساءل ما هو أسباب تخلف بعض الدول العربية عن مواكبة التقدم العلمي رغم ان الله امرنا بإعمال. العقل
وفي هذا الإطار يجب الإشارة أن استخدام العقل في تقديم مبادرات وأفكار ابتكارية جديدة لا يتطلب فقط ان يكون العقل الإنساني قد تشكل وتدرب منذ الطفولة علي الاستقلال الفكري و عدم الخوف من إبداء الرأي، واكتسب مهارة تقديم النقد البناء بهدف التطوير والتحسين، وإنما يتطلب أيضا توافر قدر من التسامح وقبول النقد ممن يوجه له هذا النقد خاصة إذا ما تضمن كشف لبعض جوانب القصور في فكره وآرائه.
ويعتقد بعض الكتاب والمفكرون ان المجتمعات النامية ينتشر بها ثقافة تربوية ومجتمعية تقليدية لا تعضد الاستقلال الفكري للفرد وتطوير الذات ولا تعمل علي تنمية مهارة النقد البناء لدي الطلاب، كما ان الأعراف والتقاليد القبلية لا تساعد علي نشر ثقافة التسامح وقبول الانتقادات إذ أن احترام وطاعة ولاة الأمور والقيادات الطبيعية والدينية من الأمور الأخلاقية الواجبة التي لا يمكن التنازل عنها. ومن هنا تساعد هذه الثقافة علي توليد عقليات غير ناقدة ومغلقة لا يسمح لها تفنيد وتقييم العادات والأفكار والتعاليم المجتمعية الراسخة ومدي دعمها للتنمية والتقدم ، وانه علي العكس من ذلك تميل هذه المجتمعات الي تقديم التقدير والاحترام للإنسان ذو العقلية الناقلة المطيعة التي تحترم التقاليد والعادات.
ويقصد بالعقلية الناقلة هي عقلية تتدرب على حفظ البيانات والمعلومات وأقوال وأفكار الآباء والأجداد، والعمل على نقلها وتمريرها للغير على انها تتضمن حقائق مطلقة وأفكار لا تقبل التمحيص او إعادة النظر فيها رغم أنها موروث ثقافي إنساني. وعادة ما يتحول هذا الفرد الي إنسان ذو عقلية منغلقة يرفض التعرف على أفكار كل من هم لا ينتمون الي جماعته انطلاقا من ان أفكارهم هدامة وباطلة.
وهناك درجات مختلفة للعقلية المنغلقة حيث قد يكون هذا الانغلاق اختياريا او إجباريا. علي اية حال يعد من أخطر أنواع هذا النوع من العقليات المنغلقة هي التي تستند في انغلاقها على أساس عقائدي ديني تلزمهم بطاعة واحترام آراء علماء الدين وما يجمعون عليه من احكام وأراء. وفي الغالب يصعب علي العقلية المنغلقة إدراك المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومشكلات المجتمع الحالي والتعامل معها، أيضا تميل هذه العقلية الي عدم قبول الثقافات الأخرى وما تقدمة من أفكار جديدة، والعمل علي الاستفادة منها ، وبالتالي تعجز عن تقديم أفكار مبتكرة جديدة تخرج عن المألوف تساعد علي تحقيق مصالح الناس . ومن هنا نأمل ان تولي المؤسسات التعليمية بمصر الاهتمام بتنمية مهارة النقد البناء لدي الطلاب وإرساء ثقافه التسامح بينهم ، وتشجيعهم على المبادرة بتقديم الأفكار والآراء الهادفة للتطوير والتحسين. والله ولي التوفيق.