الإيمان الحق هو التمسك بالأخلاق الحميدة
د. محمد ماهر الصواف
التدين نزعة فطرية في الإنسان ويتطور معه من خلال ما يتعلمه أو يكتسبه من قيم وسلوك وعادات مجتمعية طيلة حياته ، والتي تصبح جزء هام من ثقافته بل وتحدد له المفاهيم الدينية وما هو الحرام والحلال . وفي المجتمعات النامية حيث ينتشر الفقر والجهل ويتغيب فيها اعتبارات العدالة والمساواة والتعدي علي حقوق الغير يشكل التدين عاطفة جارفة لا يمكن تخيل العيش بدونها ، فالدين في هذه المجتمعات يوفر للإنسان الاستقرار ألنفسي، وتحقيق الطمأنينة، والأمل في إشباع حاجاته المحروم منها ، واسترجاع حقوقه المسلوبة ، والبعد عن هواجس القلق والخوف من المستقبل ويجعله يشعر بالرضا بواقعه رغم ما قد يتعرض له الإنسان من أمراض وصعوبات في الحياة .
ولأهمية هذا الاستقرار النفسي والعجز في توفير الاحتياجات الضرورية في الحياة يلعب رجال الدين في هذه المجتمعات دورا هاما في تقوية الأمل لدي الإنسان في إمكانية رفع الظلم ونشر العدل والشفاء من الأمراض وقضاء غيرها من الاحتياجات من خلال تقديم افضل الدعوات والعبارات الواجب ذكرها وعرض الطقوس الواجب اتباعها في مثل هذه الحالات . ونظرا لأهمية هذا الدور في حياة الناس بالمجتمعات النامية تسعي العديد من أجهزة الإعلام من البرامج التلفزيونية والإذاعية وأيضا الصحافة وكافة وسائل الإعلام إلي تخصيص برامج خاصة يشارك فيها رجال الدين تمكنهم من أداء هذا الدور والرد علي تساؤلات الناس وتقديم النصح والحلول للمشكلات المجتمعية والأسرية، ومثل هذه البرامج عادة تعلي من المكانة الاجتماعية لرجل الدين في المجتمع أدبيا وماديا من جانب ، وتجذب المزيد من المشاهدين من جانب أخر مما يعود علي القناة التلفزيونية بالفائدة ومزيد من الترويج والتربح.
ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل انه من اللافت للنظر كثرة الرسائل الدينية في وسائل التواصل الاجتماعي . حيث قد أستغل بعض أصحاب الفكر المتطرف النزعة العاطفية للتدين لدي المجتمع المصري في نشر اقوال وفتاوي دينية وقصص غالبيتها تحض علي الرضا بالواقع المعيشي المنخفض وتمنح الأمل في قضاء الحاجات والتواكل والسلبية وعدم إعمال العقل والتفكير العلمي في حل المشكلات ، وتحث القارئ علي التمسك بالمظاهر الدينية الشكلية ، دون الإشارة إلى أهمية الإخلاص في العمل وإتقانه، وإعمال العقل في التصرفات ، ومراعاة الله في كافة تعاملاتنا الإنسانية .
وللأسف نادرا ما نجد من يبذل الجهد في التفكير فيما يقرأ ويسمع ومحاولة تفهم فحواها ومدي منطقيتها وجدواها وأثرها علي السلوك الإنساني، بل ومن النادر أن يحاول البعض منا التأكد من صحة هذه الأقوال. بل وقد تنشر بعض الفتاوي التي تحض الناس علي كراهية الغير وتكفير المسلمين وغير المسلمين .
ومن الغريب ان نجد العديد من رجال الدين لا يولي الاهتمام المناسب بتصحيح المفاهيم والسعي لتوضيح العلاقة بين الدين والأخلاق وأهمية التمسك بالقيم الأخلاقية المجتمعية لتحسن الأحوال وإحداث التنمية والتقدم . وذلك رغم إدراكهم الكامل بالانحدار الأخلاقي الواضح فى المجتمع . فلا حاجة للقول أن هناك أزمة اصابت منظومة القيم الاجتماعية في مصر, أزمة يتم توصيفها من قبل رجال الفكر الاجتماعي بأنها محنة أو كارثة اجتماعية تعكس حالة من التدهور الأخلاقي والانحدار الفكري والتردي والضعف .
اننا اليوم نشاهد سلوكيات غير أخلاقية تنتشر في المجتمع المصري مثل: انتشار الغش بالمدارس والتعليم العالي، وسرقة الأبحاث ، وأيضا الغش في البيع وفي الإنتاج ناهيك عن جرائم التحرش والاغتصاب وتعاطى المخدرات...أيضا يلاحظ ارتفاع معدلات السرقة والقتل والرشوة وعقوق الوالدين وانحدار لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة وانحرافات السلوك والذوق العام،وغيرها من المظاهر الأخرى التى من شأنها هدم المجتمع وإفشال جهود التنمية الجادة.
وهنا نتسائل : هل التدين هو التظاهر بالتقوى والاهتمام بالأمور الشكلية كاللباس والهيئة أو بإقامة موائد الرحمن أو تقديم التبرعات، والتردد علي الأضرحة والمساجد المشهورة وغير ذلك من مظاهر، أم ان التدين غايته الأخلاق وحسن التعامل مع الناس والمحافظة على حقوقهم وعدم الإضرار بهم،
إن الإيمان الحق هو ذلك الإيمان الذي يجعلنا نتمسك بالأخلاق الحميدة في كافة معاملاتنا ونحافظ علي حقوق الغير ونكون أكثر رحمة ومحبّة، وأكثر صدقًا وأكثر إنسانية ؛ ونبتعد عن نشر الفساد والنفاق ونحترم كرامة كل انسان ونراعي الله في سلكونا مع كافة البشر بل ومع النبات و الحيوان.. لذا نأمل إعادة النظر في الخطاب الديني والربط الكامل بين التدين والإخلاق والسلوك الإنساني في الحياه، والحد من ظهور بعض رجال الدين في وسائل الإعلام المختلفة إلا إذا كان الهدف هو تصحيح المفاهيم والربط بين التدين والسلوك الإنساني في المجتمع. وكما نأمل مراجعة المواد العلميه الدينية التي يتم تدريسها بالمدارس لتكون موجهه للسلوك الأخلاقي وتحض علي التمسك بالأخلاق الحميدة وأهميتها لتحقيق التقدم وتحسين مستوي المعيشة وتنمية المجتمع ، فسعينا لدخول الجنه في الآخرة يرتبط بشكل كامل بحسن التعامل مع الغير والسعي لتحسين نوعية حياتنا في الدنيا وليس بالتدين الشكلي والتظاهر بالتقوي فإن الله هو العالم بالنفوس ويبغض أن يكون الشخص مؤمنا مزيفا ومنافقا لأنه يظهر ما لا يبطن ويسعي إلي التدمير بأسم التطوير، وإلي الإفساد بأسم الإصلاح ، وقال تعالي ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) و قال عزَّ مِنْ قائل: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾.