Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

ترهل الجهاز الإداري للدولة  في مصر الأسباب والحلول

 

د. ماهر الصواف

 

يعاني الجهاز الإداري للدولة في مصر من مشكلات عديدة تراكمت منذ سنوات طويلة ولعل أخطرها هو ترهل هذا الجهاز  نتيجة السياسيات الاشتراكية التي اضعفت فرص الاستثمار الخاص وفرص العمل ، وأدت  الي التوسع في التعيين بالأجهزة الحكومية بدون دراسة للاحتياجات الفعلية من العاملين كما ونوعا ، ودون الإلتزام بقاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب . وإرتفع نتيجة لهذا السياسات  نسبة العمالة الفائضة (أو البطالة المقنعة)، في غالبية الأجهزة الحكومية . بل و أصبح هذا الوضع المعيب إداريا أكثر حدة وأوسع نطاقـًا بعد ثورة  25 يناير، فقد زاد  عدد موظفى الجهاز الإدارى للدولة مليون موظف ، عبر تعيين الأقارب فى هذه الفترة و الوساطة وهكذا يبلغ عدد العاملين بالجهاز الحكومي ما يزيد عن 6ملايين ونصف، واصبح لكل 13 مواطن موظف، في حين ان المتوسط العالمي هو موظف لكل 75 مواطن وفي فرنسا بلغت النسبة موظف لكل 114 مواطن .

 

ولا حاجة للقول ان هذا الوضع جعل الدولة غير قادرة علي تحسين أجور العاملين بالجهاز الحكومي بما يتواكب مع الظروف الاقتصادية الحالية لما قد يشكلة ذلك من عبء كبير علي الموازنة العامة ، وأدي ذلك بدورة إلي ارتفاع مستوي عدم رضاء الموظف العام وتفشي ظواهر الإهمال والفساد.

 

ولا ننكر ان هناك جهود حكومية عديدة وجادة لمواجهة تضخم الجهاز الإداري للدولة بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، حيث تم تعديل قانون العاملين المدنين رقم  لسنة 47 لسنة 1978 والذي كان يجيز للوحدات الحكومية أن  تعلن عن الوظائف الخالية بها فى صحيفتين يوميتين ، ويعطي الحرية كاملة للوحدات لتحديد الوظائف التى يكون شغلها بامتحان وتلك التى تشغل بدون امتحان طبقا للمادة 17 ،  فضلا عن ترك الباب مفتوحا للتعاقد المباشر مع الأفراد للعمل بالصناديق الخاصة التي تنشئها الوحدات الحكومية - والذين تم تعيينهم بعد ذلك في وظائف دائمة- وقد ساعدت هذه الحرية غير المنضبطة للسلطة المختصة بالوحدات الحكومية إلي تعرضها لضغوط لتعيين ابناء العاملين والأقارب ولضغوط من أعضاء مجلس الشعب  لتعيين أقاربهم دون الالتزام بضوابط وشروط التعيين الموضوعية وإحترام مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين .

 

 لذا جاء قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ليقيد ذلك حيث نص علي انه علي الوحدات الحكومية إعداد جدولا للوظائف ويختص رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة باعتماده ومراجعة حجم الموارد البشرية اللازمة لكل منها في ضوء احتياجاتها الفعلية.

كما انه نص بوضوح تام  بأن  يكون التعيين على أساس الكفاءة والجدارة دون محاباة ، أو وساطة من خلال إعلان مركزى على موقع بوابة الحكومة المصرية، متضمنا البيانات المتعلقة بالوظيفة وشروط شغلها على نحو يكفل تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين . ويكون التعيين فى تلك الوظائف بامتحان ينفذه الجهاز من خلال لجنة للاختبار ويشرف عليه الوزير المختص، على أن يكون التعيين بحسب الأسبقية الواردة فى الترتيب النهائى لنتيجة الامتحان ( مادة 12 )

 

أيضا قيد قانون الخدمة المدنية سياسة التعاقد المباشر مع بعض الأفراد للعمل بالوحدات الحكومية - التي استخدمت كأسلوب ملتوي للتعيين والتهرب من الإعلان عن الوظائف الشاغرة  - حيث اشترط القانون  ان يكون ذلك فى حالات الضرورة، ومن ذوى الخبرات فى التخصصات النادرة ، ووفقا للشروط والضوابط التي حددها القانون .

 

وبالنسبة للتعيين في الوظائف القيادية فقد نص قانون الخدمة المدنية علي أن التعيين فى الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية عن طريق مسابقة يعلن عنها على موقع بوابة الحكومة المصرية ويكون التعيين من خلال لجنة للاختيار لمدة أقصاها ثلاث سنوات.

 
ونعتقد أن قضية اصلاح الجهاز الإداري والحد من ترهله وزيادة قدرته وكفاءته أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المرغوبة. فرغم محاولات الإصلاح وتطوير الجهاز الإداري في مصر، إلا انه  من الأهمية مراجعة الهياكل التنظيمية للوحدات الحكومية وعدد الوظائف بكل منها ، وتحديد الاحتياجات الفعلية من القوي البشرية سواء من حيث الكم أو الكيف وبما يتوافق مع الأهداف المرسومة وحجم الأعمال . والتعرف علي العمالة الزائدة والنظر في حسن استخدامها بشكل افضل في وحدات انتاجية او خدمية او عسكرية بعد إلحاقهم بدورات  للتدريب التحويلي.

 

ولا شك ان ذلك يستلزم البدء بدراسة الوضع الحالي لعدد الوظائف وإعداد تصميم جديد للوظائف ( إعادة الهندسة ) تدريجيا ، بحيث تشمل كل وظيفة عدد واضح من الأنشطة والواجبات والمهام المحددة والكافية للاستغلال الجيد لساعات العمل اليومية، مع مراجعة بيانات بطاقات الوصف المتاحة حاليا بالوحدات الحكومية التي اصبحت لا تتفق مع الواقع العملي. ولا شك ان ذلك سيسهل تقويم آداء شاغلي الوظائف ومحاسبتهم بشكل موضوعي عند التقصير في أداء واجباتهم المحددة ببطاقات الوصف ،

 

ولعل أحد أهم عقبات تطبيق إعادة الهندسة الإدارية للوحدات الحكومية هو أن هناك أعداد كبيرة من الإدارة العليا بالوحدات الحكومية لم يصدر لهم  قرار بالتعيين في الوظائف العليا ومكلفين بالقيام بأعمال هذه الوظائف القيادية لتيسير الأعمال ومن ثم فهم غير محفزين للتحمل مسئولية تطوير الأعمال أو حتى متابعة مرؤوسيهم  وحثهم علي تحسين الأداء .

 

 ونأمل أخيراً إعمال ما جاء بقانون الخدمة المدنية، فيما يتعلق بنظام التعيين للوظائف القيادية وغيرها من الوظائف التنفيذية او الإشرافية، وفق خطة معلنة إعلاميا والكترونيا ، مع حسن اختيار اساليب الامتحانات المركزية بما يضمن تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص و تجنب الضغوط المجتمعية . مع ملاحظة ان نجاح اي خطوات تهدف الي تطوير العمل الحكومي يحتاج  لدعم الإدارة العليا والاقتناع باهمية الحد من ترهل الجهاز الإداري لذا يجب العمل علي شغل الوظائف القيادية الشاغرة منذ سنوات طويلة.

 

 

 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

326,213

ابحث