Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

authentication required

 

تعديل المادة 197 والمادة 190 من الدستور والفعالية الإدارية والحد من الفساد الإداري      ا.د. ماهر الصواف 

تشارك النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية بمجلس الدولة الرؤساء الإداريين بالجهاز الإداري للدولة في تأديب الموظف العام والعاملين بقطاع الأعمال العامة وذلك وفقا لنص المادة 197 من دستور مصر 2014 حيث تنص علي ان تتولي النيابة الإدارية التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة لجهة الإدارة في توقيع الجزاءات التأديبية. كما نصت المادة 190 باختصاص المحاكم التأديبية بمجلس الدولة بالفصل قي الدعاوي والطعون التأديبية .  

من المسلم به إداريا أن مسئولية انجاز الأعمال وتحقيق الأهداف تقع علي كاهل الرئيس الإداري، وحيث توجد المسئولية يجب أن تكون هناك سلطة، وذلك إتفاقا مع مبدأ  "تلازم السلطة والمسئولية". وإلا استحال على الرئيس الإداري القيام بأعباء وظيفته بالفاعلية المرغوبه.

ولكن ما هو المبرر إذن من  تدخل  النيابة الإدارية ومجلس الدولة في تأديب الموظف العام ؟  فقد تم إنشاء  هيئة النيابة الإدارية كهيئة قضائية مستقلة بموجب القانون رقم 480 لسنة 1954 بحجة توفير بعض الضمانات للموظف، ثم تم إنشاء المحاكم التأديبية بالقانون رقم 117 لسنة 1958. وقيد بذلك حق الجهات الإدارية في توقيع عقوبات شديدة علي الموظف أو فصله  إذا ثبت عدم صلاحيته للعمل وإهماله الجسيم في الأداء أو ثبت فساده .

ولا شك أن إنفراد السلطة الإدارية بتأديب المرؤوسين  ومنحهم الحق في توقيع اشد العقوبات يضمن الفعالية لنظام التأديب. ومن المعلوم أن مبدأ تساوي السلطة مع المسئولية يطبق بشكل ناجح في المنظمات الخاصة مثل البنوك والمؤسسات الصناعية الكبري، كما انه معمول به بشكل واضح في المنظمات العسكرية في مصر. بل وكان معمول به بالجهاز الإداري للدولة حتي عام 1954 حيث كان القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة يمنح رئيس المصلحة سلطة توقيع بعض العقوبات البسيطة ولم يجيز القانون توقيع العقوبات الشديدة إلا بقرار من مجلس التأديب ، والذي يشكل من اثنين من الموظفين في درجة مدير عام أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف المحال على المحاكمة التأديبية و نائب من إدارة الفتوي والتشريع بمجلس الدولة وتكون الرئاسة للمدير العام الأقدم في الدرجة .

وقد وضع هذا القانون عدد من الضمانات للموظف العام أهمها : ضرورة إجراء تحقيق إداري بمعرفة إدارة الشئون القانونية بالوحدة الإدارية لسماع أقواله ، وتحقيق دفاعه ، واشترط أن يكون القرار في ذلك مسبباً . كما قضي هذا القانون بتشكيل مجلس التأديب العالي  لمحاكمة موظفي الدرجات العليا عند ارتكابهم المخالفات المالية الإدارية، كما  يختص هذا المجلس أيضاً بالفصل في الطعون المقدمة إليه عن القرارات الصادرة من مجلس التأديب العادي. ويشكل هذا المجلس العالي من وكيل مجلس الدولة أو أحد الوكلاء المساعدين أو أحد المستشارين رئيساً، ووكيل ديوان المحاسبة أو ديوان الموظفين، وموظف من الوزارة أو الهيئة المختصة في الدرجة الأولى أو ما يعادلها, وبهذا قد وازن هذا القانون بين إعتبارات الفاعلية الإدارية  وإعتبارات الضمان .

ويلاحظ انه قد أثبتت التجربة التي استمرت أكثر من خمسون عاما أن نظام التأديب في مصر الذى بنىُ على تغليب الطابع شبه القضائي للتأديب، وإنشاء هيئة النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية بمجلس الدولة.  لم يساهم في الحد من فرص الفساد والتسيب والإهمال رغم التكلفة المالية والبشرية العالية لهذا النظام ، بل للأسف  قد اتسعت دائرة الفساد والإهمال في الجهاز الإداري للدولة .فبدون شك أن إحاطة نظام التأديب بالضمانات القانونية المبالغ فيها يطيل من إجراءات توقيع العقوبات ويطيل الفاصل الزمنى بين ارتكاب الفعل وتوقيع العقاب، ولا يدرك العاملون الأثر السلبى للسلوك المخالف . فضلاً عن ذلك فإنه  كثيراً ما ترفض المحاكم التأديبية بمجلس الدولة الحكم بفصل الموظف المنحرف إما لاعتبارات إنسانية أو لعدم كفاية الأدلة رغم علم وإقتناع الرؤساء الإداريين وزملائه في العمل  بما أرتكبة من مخالفات إدارية ومالية . كل ذلك أفقد نظام التأديب في مصر فعاليته.

ومن هنا نأمل دراسة الجدوي المالية والبشرية من التدخل القضائي في تأديب العاملين في الدولة إعمالاً للقاعدة المالية المتفق عليها وهي ( أن تحقق النفقات العامة أكبر قدر ممكن من المنفعة العامة

 ونعتقد أنه من الأهمية ونحن بصدد تعديل الدستور المصري النظر في إختصاص النيابة الإدارية ( مادة 197)  و (مادة 190) الخاصة بإختصاص مجلس الدولة في تأديب العاملين بالدولة، والعودة لنظام التأديب الذي حدده قانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي يغلب إعتبارات الفعالية الإدارية وفي نفس الوقت يراعي حقوق الموظف ويقرر عدد من الضمانات للموظف، وحتي يمكن المحافظة علي المال العام وتحقيق أكبر منفعة ممكنة من النفقات العامة من جانب ، ورفع فعالية نظام التأديب بالجهاز الإداري للدولة والحد من الفساد والإهمال والتسيب الذي استشري به من جانب أخر.

وقد يكون من الفائدة الاستفادة من أعضاء الهيئات القضائية المنشغلين بتأديب الموظفين قي تعزيز النيابة العامة و القضاء الإداري لتحريك القضايا الراكدة لسنوات طويلة والذي أدي إلي افتقاد المواطن المصري الإحساس بالعدالة والثقة في استعادة حقوقه.  والله ولي التوفيق.

 

 

 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

326,070

ابحث