قد يستغرب الانسان عندما يقرأ ان السلف كانوا يكرهون السؤال عن حوادث لم تقع
وفي شرح حديث (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) المتفق عليه أورد ابن رجب الحنبلي كثيرا من أقوال الصحابة و الأئمة التي توهم بكراهية الفقه الاسلامي لتوقع ما سيحدث والاستعداد له أو مايسمى التخطيط للمستقبل سواء البعيد أو القريب
من ذلك مثلا
أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن استلام الحجرالأسود في الحج وتقبيله ، فقال له : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله،
فقال له الرجل : أرأيتَ إن غُلبتُ عليه ؟ أرأيتَ إن زُوحمتُ ؟
فقال له ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله يستلمه ويقبله
لكن ابن رجب يفسر سر كراهة ابن عمر لهذا التوقع لما سيحدث فيقول ومراد ابن عمر أن لا يكون لك هم إلا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه ؛ فإنه قد يفتر العزم على التصميم عن المتابعة ، فإن التفقه في الدين ، والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل ، لا للمراء والجدال .
ومن هذه الأقوال أيضا قال عمرو بن مرة : خرج عمر على الناس ، فقال : أحرج عليكم أن تسألونا عن ما لم يكن ، فإن لنا فيما كان شغلا .
وعن ابن عمر ، قال : لا تسألوا عما لم يكن ، فإني سمعت عمر لعن السائل عما لم يكن .
وكان زيد بن ثابت إذا سئل ، عن الشيء يقول : كان هذا ؟ فإن قالوا : لا ، قال : دعوه حتى يكون .
وقال مسروق : سألت أبي بن كعب عن شيء ، فقال : أكان بعد ؟
فقلت : لا ،
فقال أجمنا - يعني : أرحنا حتى يكون - ، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا .
وقال الشعبي : سئل عمار عن مسألة فقال : هل كان هذا بعد ؟
قالوا : لا ، قال :
فدعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناه لكم .
وعن الصلت بن راشد ، قال سألت طاوسا عن شيء ، فانتهرني فقال : أكان هذا ؟
قلت : نعم ، قال : آلله ؟
قلت : آلله .
قال : إن أصحابنا أخبرونا ، عن معاذ بن جبل أنه قال : أيها الناس ، لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله ، فيذهب بكم هاهنا وهاهنا ، فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله ، لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد ، أو قال وفق أ هـ من شرح الحديث بجامع العلوم والحكم
وهذا القول الأخير يوهم أن الأئمة كرهوا حتى إعداد الكوادر العلمية المؤهلة للفتوى بعدهم لكن ابن رجب يقول:وقد قيل للإمام أحمد : من نسأل بعدك ؟ قال : عبد الوهاب الوراق . ) فهاهم سألوا عما لم لم يقع بعد فأجابهم ودلهم على ما يفعلون
كما أن ابن رجب رحمه الله قال:وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يسألونه عن حكم حوادث قبل وقوعها ، لكن للعمل بها عند وقوعها ، كما قالوا له : إنا لاقوا العدو غدا ، وليس معنا مُدىٌ (سكاكين) ، أفنذبح بالقصب ؟ وسألوه عن الأمراء الذين أخبر عنهم بعده ، وعن طاعتهم وقتالهم ، وسأله حذيفة عن الفتن ، وما يصنع فيها ) وسؤال حذيفة رضي الله عنه طويل في سؤاله عن أمور لم تقع الا بعد زمن طويل من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن هنا نفهم أن النهي عن الأسلة فيما لم يقع يقصد به الأسئلة من نوع ماليس للعمل وانما للجدل وكذا اذا كان لايقع غالبا أو قد يقع ولاحاجة للاستعداد له فالاستعداد موجود والسؤال يفتر العزم والله أعلم
ساحة النقاش