موقع الخبيرالدكتور / حمادة صلاح صالح صاحب بيت الخبرة الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييمالمعتمد للتقييم بالبنك المركزي

موقع متميز لفرادة التخصص فى التقييم وكافة الخدمات اﻻستشارية للبنوك والشركات والبيع بالمزاد العلنى

 

<!-- MSTableType="layout" -->
<!-- MSCellType="ContentHead" -->
<!-- MSCellType="NavBody" -->  

    اشتهر قاسم مسعد عليوة مبدعا للقصة القصيرة على مدى ما يقرب من أربعين عاما ، قدم فيها منجزه ، إلا أن جانبا آخر من تاريخ إبداعه ظل متواريا هو الكتابة الروائية التي بدأت مع اشتغاله بالعمل السياسي واعتقاله عام 1974م ، وبين الحين والحين كانت تطالعنا بعض الفصول من رواياته عبر المجلات الأدبية والصحف ، ومنها فصل من رواية سياسية بعنوان "تحت التمرين " نشر في مجلة أدب ونقد ، فهل كانت هذه الروايات مكتملة الفصول ؟ أم لم تزل بعد قيد الاكتمال ؟

<!-- MSCellType="NavBody" --> <!-- MSCellFormattingTableID="1" -->
<!-- MSCellFormattingType="content" -->
<!-- MSCellType="NavBody" -->  
<!-- MSCellType="NavBody" -->

رواية الغزالة الوعي والرمزوالبناء الفني:

استطاعت رواية الغزالة أن تحقق لها تفردا على مستوى الوعي والرمز والبناء بما يجعلها إحدى العلامات المهمة في تاريخ الرواية المصرية ، مع مرحلة تشهد تحولا في طرائق وتقنيات الكتابة ، ومنها الاتجاه إلى الرواية الجديدة منذ نهايات الألفية الثانية وعبر العقد الأول من الألفية الثالثة .

البناء الفني:

تعددت مستويات البناء الفني في الرواية المعاصرة بشكل عام ، وتجاوزت الطرائق التقليدية التي استقر عليها الوعي في علوم السرد ، فلا الوصف ولا الحوار ولا تيار الوعي ، ولا الحكي من خلف ، أو الحكي مع ، أو من خلال ، هي الطرائق الوحيدة التي يخلص لها البناء السردي في الرواية ، وإنما يأتي بعضها في شكل مشاهد سردية متجاورة ، تكاد تمثل قصصا قصيرة على نحو ما ، لكنها تتجاوز مجرد ذلك ، وهو ما تعتمده رواية الغزالة ، حيث تتأسس على فصول معنونة تبلغ واحدا وعشرين فصلا ، يعتمد كل فصل على بعض المشاهد السردية القصيرة والمتعددة ، وهو ما يمنحها التكثيف الدلالي ، ويقترب بها إلى مستويات الشعرية و آليات بنائها في اعتمادها التكثيف والاختزال والرمز والاستعارة والمجاز والتلميح دون التصريح ، وغيرها من السمات الشعرية النوعية ، وهو ما تؤكده بعض المقاطع التالية :

قلت لمعلمي أتبعك ، قال حاول ص 7.

..........................

احتوى معلمي كتفي الاثنين بذراع واحدة وقال :

مثلك أجهدت نفسي بحثا عن النقاء الخالص فلم أجد أفضل من الصمت الذي لا يخامره أي صوت .. أتوافقني ؟

قلت : أوافق.

قال: إذن أنت لم تعرف النقاء بعد . ص 23.

.........................

سأل أحدهم معلمي : من أصادق ؟

أجاب : من يغفر زلتك ويقبل علتك . ص 27

..........................

أدخلني معلمي كهفا تستدعي ظلمته نزع الرموش والأجفان .

سألني : هل ترى ؟

أجبته : لا يا معلم .

قال: فاخرج إلى الشمس إذن وانعم بعماك .ص32.

..............................

سألت معلمي : من أنت ؟

أجاب : أنا حصيلة اضطراب هذا الكون .

وأشار إلى السماء والأرض ، وأظنه أشار أيضا إلى ما خفي وراءهما .ص 72.

وهي مقاطع تشتبك مع الشعرية الصوفية ، وحكم ابن عطاء الله السكندري ، وطواسين الحلاج ، ونثر أبي حيان التوحيدي ، وابن عربي وجلال الدين الرومي والسهرودي ، والعز بن عبدالسلام ، ولكنها في سياق الموضوع الروائي وتعدد تأويلاته تنتمي أيضا إلى معاصرة الوعي والانشغال بقضاياه .

الموضوع والحكي :

تتأسس الرواية على شخصيتين رئيستين هما الرواي ومعلمه ، وتتقاطع معهما بعض الشخصيات الفرعية الإنسانية والحيوانية ، ومنها الغزالة في حضورها الفاعل عبر مسار النص .

وتحكي الرواية إجمالا مسيرة الرواي ومعلمه في مشاهداتهما بين الصحراء ، ومدينة اللذة والانبساط ، وحتى يهجره معلمه ، وترصد عبر ذلك قصة هذه المسيرة التي تكشف عن معالجتها لكثير من قضايا الواقع السياسية والاقتصادية والفكرية ، وعن مسيرة حياة الكاتب نفسه في علاقته بالسياسة والواقع المصري والعربي عموما . 

الرمز وتعدد التأويلات :

 ولكم في المجاز حياة

على هذا النحو تبدأ رواية الغزالة في إحالة إلى موروث لغوي وجمالي ، فالعنوان ذاته يحيل إلى تراث عريض ويحتمل العديد من التأويلات في إطار ما هو تاريخي وما هو صوفي وما هو إنساني .

فالغزالة في الأصل نوع من الظباء ، وهو مؤنث الغزال تمتاز برشاقتها وجمالها وسرعة حركتها التي تصل إلى 90 كم في الساعة .

والغزالة في اللغة : الشمس ، وقيل: هي الشمس عند طلوعها "غزالة الوقت " ، يقال: طلعت الغَزالةُ ولا يقال غابت .

والغزالة موروث شعري ارتبط بالجمال وتنوعت ألقابه : الرشأ – الريم – الظبي ، ومنه ما قاله الشريف الرضي :

يا ظبية البان ترعى في خمائله   ليهنك اليوم أن القلب مرعاك

الماء عندك مبذول لشاربــــــه   وليس يرويك إلا مدمعي الباكي

وما قاله ابن رشيق القيرواني:

إِنِّي وإِن أَصبحت منهم إِنهم       ليَرَوْن لي خُلُقاً أَرقَّ وأَلينا

أَهوى الغزالَة والغزالَ وربَّما       نَهْنَهْتُ نفسي عِفَّةً وتَدَيُّنا

وما قاله بهاء الدين زهير :

وَعَلِقتُهُ كَالغُصنِ أَسمَرَ أَهيَفاً       وَعَشِقتُــهُ كَالظَبِــــيِ أَحوَرَ أَكحَـــــــلا

فَضَحَ الغَزالَةَ وَالغَزالَ فَتِلكَ في       وَسَطِ السَماءِ وَذاكَ في وَسَطِ الفَلا

وما قاله إبراهيم الطباطبائي:

ومتيم الحربــــــاء في دورانهــــــا      ومهيم الرشأ الاغن رخيمــــا

جئني بمثلك في الغزالة طلعـــــــة      أو في الغزال شمائلاً ورسوما

في الظبي منك لواحظ شهدت بها       حدق جرحن برامتين الريّمــا

والغزالة تحيل إلى الإمام الغزالي (محمد عبدالحي الصوفي ) نسبة إلى رضاعة جده من الغزالة.

والغزالة لها ارتباط وثيق بالتصوف فيما تحمله من دلالات مرتبطة بالكشف الإلهي والوصول إلى الحقيقة ، والخلاص  ، وهي أيضا صورة من صور تجلي المحبوبة .

هذا على مستوى العنوان ، أما على مستوى الرمز عبر البناء السردي ، فتكشف عنه المقاطع السردية في حكيها ، ومنه :

رصد الواقع الاجتماعي وتبدل القيم والعادات وتصوير ما آلت إليه الأوضاع من تردي ، ومخالفتها للشرع والدين والقيم والأخلاق ، مثل مشهد قتل العطار ، واقتسام ممتلكاته بين الشرطي والقاتل والسائق:

فزفر القاتل وهو يمسح النصل في ثياب القتيل : زمن ماعت فيه المعايير .

جاءت عربة دفن الموتى ، نزل سائقها وفوق الجثة قال : لن أحملها حتى آخذ عطارة المحل أجرا.

فاحتج القاتل والشرطي وقالا : أليس لكلينا من طيب هذه العطارة نصيب ؟

عند هذا الحد هتف بي معلمي : هيا بنا .

فانصرفنا ومن جوف المحل عاد الضجيج والصياح . ص 13.

ومنه الرمز إلى الحلم السياسي بالتحرر عبر تصوير مشهد ثورة أهل المدينة ضد الحاكم :

بوركت من شعب لا يفرط في حقه ، ويحرص على محاسبة حكامه . ص 16.

ومنه الرموز التي تحيل إلى انتقاد الصوفية ذاتها :

وإذا أريض أنفاسي عجبت لماذا لم تشل اليد التي ضربت معلمي ، لكنني ما لبثت أن اطمأننت إلى أن نجاتنا من هذه المقتلة هو إعجاز يهون أمامه أي إعجاز . ص17.

وغيرها من الرموز التي تشتبك مع التراثي والمعاصر من قضايا الوعي العربي والمصري عبر التاريخ الحضاري والسياسي .

الوعي والتأسيس الجمالي :

تحتفي الرواية المعاصرة  بالوعي أكثر من احتفائها بمركزية الحدث وتنامي الأحداث ، فلم تعد الأحداث في الرواية هي التي تجتذب المتلقي ليتقدم معها ، وإنما غدا الوعي هو المركز الذي تمد الرواية جسورها معه ، وهو ما يمكن تسميته حساسية الوعي الجديد ، هذه الحساسية التي ترى الفن لعبا مقصودا وانتهاكا لقدسية الممنوع ، ووسيلة من وسائل فهم غموض هذا الممنوع واستكشاف أسراره ، ومن ثم تحيل هذه الحساسية في كثير من الأحيان إلى المحرم أو الممنوع بالتماس مع المقدسات الثلاث : الدين والجنس والسياسة ، على اختلاف طبيعة الوعي بكل منها ، فالوعي البشري لم يزل يتعامل مع هذه المقدسات بلغة رمزية لا تصريحية ، ويرفض الانطلاق والتحرر في مناقشتها حتى مع أقرب المقربين ، وإن كانت المجتمعات المتحضرة قد حققت تحررا في الأخير "السياسة " الذي لم يعد يمتلك قدسيته كما كان في العصور الفائتة ، أو لدى بعض الشعوب الآن . أما الديني والجنسي فما زالا يحاطان بكثير من التكتم والسرية ، ويلقيان الكثير من حواجز الوعي الفردي والجمعي على السواء .

من هنا عمدت كثير من الروايات الجديدة إلى الاشتباك مع وعي المتلقي في الثالوث المحرم والممنوع (الدين والجنس والسياسة ) واتخذ ذلك مستويات عدة على مستوى الجدل وأهدافه :

فبعضها يعتمد السخرية والتهكم ، وبخاصة مع الممارسات البشرية التي لاتحتكم إلى المنطقي والعقلي بقدر ما تحتكم إلى الخرافات التي تم تكريسها – بفعل البشر أنفسهم – عبر التاريخ ، مثل تقديس النصب والأضرحة ، وتقديس الحاكم ، وتقديس الجسد .

وبعضها يعتمد التشكيك في بعض أفكار هذا الثالوث من منطلق فكر الحداثة ، أو احتكاما إلى معطيات العلم ، أو تغليب العقلي على العاطفي ، أو احتكاما إلى منطق الواقع العالمي الذي أصبح مفتوحا الآن يسمح بإمكانية المقارنة مع أوضاع الشعوب الأخرى خاصة في الفكر السياسي .

وبعضها يعتمد تفكيك خطاب هذه التابوهات بالاعتماد على الفكري والفلسفي  .

وبعضها يعتمد منطق الكشف عن موجودات في حياتنا بالفعل ، غير أننا لم نفكر فيها ، مثل الأعمال التي تحتفي بالتناقض بوصفه الأكثر حضورا من الاتساق في حياتنا ، وبالجنس بوصفه المهيمن على حركة الإنسان وتحركاته استجابة لمقولة ألبير كامو "ثمة جرائم ترتكب بدافع الهوى".

وغير ذلك من أشكال الجدل التي تمارسها الرواية على مستوى الوعي، وتأتي في هذا السياق رواية الغزالة في اشتغالها على الوعي بوصفه الغاية والهدف ، حيث يتجلى الوعي بالقضايا السياسية على نحو واضح عبر الرواية ، في إحالة إلى القضايا المعاصرة ، مثل ندرة الغذاء ، ومشكلات الطاقة ، ، والخداع السياسي في خطاب الحكام ، والتضليل ، وفانتازيا الموقف التي يصنعها الواقع ، ومنه تعليق المعلم على مشهدية الثورة في مدينة اللذة والانبساط:

ربما تكون قد اكتشفت سر التذاذ هذه المدينة وانبساطها . ص 18.

فسر اللذة في المدينة هو الثورة ، والوقوف أمام خداع الحاكم ، وهو ما يتوج بالنجاح على مستوى البناء السردي ، حيث تستطيع الثورة تحقيق هدفها بإسقاط الحاكم ، وتحرير المسجونين ظلما ، ومنهم الراوي ومعلمه .

ومنه كذلك مشهد خطاب الحاكم في الفصل ذاته :

لذا فإنني أقول لكم إن الآفات قد التهمت بالفعل مزروعاتنا ، والآخرون باتوا يصنعون من حبوبهم التي كانوا يبيعوننا إياها ، وقودا يسمونه الوقود الحيوي ، ونحن لا ننتج ما نأكل وما نلبس.

كان هذا خطاب الحاكم إلى شعبه ، والذي شاهده الراوي ومعلمه عبر شاشات التليفزيون ، وهو خطاب ينتمي إلى الزمن المعاصر ومشكلاته ، من اتجاه الغرب إلى إنتاج الطاقة من المحاصيل الزراعية ، وهو ما أدى إلى ندرة الغذاء وارتفاع أسعاره ، هكذا يمكن اقتناص الزمن في الرواية ، ليس بالإحالة إلى زمن نوعي ، ولكن بالإحالة إلى زمن واقعي ، هو زمن مشكلات بعينها ظهرت في عصور بعينها ، وهي العصر الذي نعيش فيه ، في العقد الأول من الألفية الثالثة على وجه الخصوص .

وتأتي الثنائيات الضدية ، وبنية السؤال مؤكدة لهذا الوعي ، إذ السؤال هو بداية الوعي ، وسبيله ، ومنتهاه ، وهو ما يمكن رصده عبر المشاهد السردية في بنية الخطاب بين الراوي ومعلمه.

على هذا النحو يمكن قراءة الرواية في علاقتها بالوعي بمستوياته المختلفة ، سواء وعي الكاتب في رؤيته للأحداث والقضايا التاريخية والمعاصرة ، أو الوعي الذي يتم تمريره عبر السرد الروائي ، ومسيرة الأحداث للراوي ومعلمه والغزالة وما يداخلهم من أحداث .

 

<!-- MSTableType="layout" -->
<!-- MSCellType="ContentHead" -->
<!-- MSCellType="NavBody" -->  

    لفت نظري منذ الوهلة الأولى سيطرة تقنية المفارقة على رواية “ الغزالة ” لقاسم مسعد عليوة ، فحاولت في هذه الدراسة تتبع تشكيلاتها في بناء الرواية ، وسبر آلياتها في لعمل ، وتبصر وظيفتها في الأداء . ولا شك أن منهجا يعتمد على الاستقصاء والوصف لا بد له أن يعقد جدلية مع مناهج وعلوم أخرى ، يطلبها عند الحاجة إليها ، من هذه المناهج: المنهج البنائي ، ومن العلوم : علم اللغة وعلم الدلالة وعلم الأسلوب / البلاغة .

<!-- MSCellType="NavBody" --> <!-- MSCellFormattingTableID="2" -->
<!-- MSCellFormattingType="content" -->  
<!-- MSCellType="NavBody" -->

وقد حددت نبيلة إبراهيم المفارقة في ثلاثة محاور هي : الخلط بين القبح والجمال في شيء واحد ، والجمع بين الخير والشر فيء واحد ، والمقابلة بين المحدود واللامحدود([1]) . وحددها خالد سليمان في عدة محاور هي : المفارقة اللفظية ( خفية وصريحة ) ، ومفارقة الحدث ، ومفارقة الموقف ، ومفارقة القدر ، والمفارقة الرومانسية([2]) .

والمفارقة في الرواية تعتمد في بنائها على ثلاثة محاور: الأول : محور فكري مجرد، من خلال الموقف القصصي عبر بناء الأحداث والشخصيات والزمكانية . والثاني : محور لغوي مجرد ، من خلال بناء اللغة عبر مستوياتها الصوتية والمعجمية والتركيبية والدلالية . والثالث : محور شكلي ، من خلال بناء الشكل الفصصي عبر البنية السردية المتعارف عليها. هذا على الرغم من أن كل هذه المحاور يقوم بناؤها على أساس من اللغة .

وتحاول هذه الدراسة تحديد الأبنية التي تولد مفارقة داخل النص القصصي ، من أجل تبيان أثر بناء هذه الأشكال وهي تعمل في نص الرواية من خلال ثلاثة مستويات : الأول ، يمثله سياق العمل الخارجي ، ، أو السياق الخارج عن النص الذي كتبت فيه الرواية ، طلبا للفهم والتحليل . والثاني ، يمثله سياق العمل الداخلي ، سياق النص الذي تبنيه الرواية ، أحداثا وشخوصا وزمكانية ولغة وشكلا . والثالث ، يمثله سياق النوع الأدبي الذي يندرج تحته موضوع الدراسة وهو الرواية ، إذ له مجموعة من السمات التي تعارف عليها النقد في بناءاتها ، والتي ستشكل مرتكزا مهما في بناء المفارقة ، وذلك لأن “ المفارقة ظاهرة سياقية في أوليتها”([3]).

وتحاول هذه الدراسة التعرف على المحركات الأساسية لبناء المفارقة : كالمحرك الفني ، والمحرك الثقافي ، والمحرك النفسي ، والمحرك الفلسفي ، والمحرك التاريخي ، والمحرك السياسي ، والاجتماعي . وتحاول تتبع أشكال المفارقة ، وطريقة تكوينها وتأثير دلالتها ، وتحاول تمثل مفهوم المفارقة عبر أشكال تبَدِّيها في نص الرواية من خلال :

مفارقات اللغة : من خلال مفارقات المستوى الصوتي ، ومفارقات المستوى اللفظي، ومفارقات المستوى التركيبي .

ومفارقات الموقف : الموقف القصصي الذي تتبدى فيه المفارقات القصصية أقرب إلى مفهومه في الفلسفة ، إذ هو “علاقة الكائن الحي ببيئته بالآخرين في وقت ومكان محددين ”([4]). وييتبدى ذلك من خلال مفارقات الأحداث ، ومفارقات الشخصيات ، ومفارقات الزمكانية.

وبداية أحب أن أوضح أن الأحداث لا تتحرك بنفسها ، ولكن تحركها يكون من خلال الشخصيات والزمكانية . والشخصيات لا تبدي مكنونها ولا سماتها وهي ساكنة وإنما من خلال الأحداث والزمكانية ، وكذلك الزمكانية لا تتبدي معلقة في الهواء ولكن من خلال الشخصيات والأحداث ، فحقيقة الأمر أنه لا فاصل بين الثلاثة ، وإنما الفصل بينها يتم بغرض الدراسة ، والفيصل بين الأنواع الثلاثة السابقة في تصدر النوع الغالب لكلا النوعين الآخرين.

المفارقة في اللغة :

حين استحقر العامة خرقتَي المعلم وتابعه وأغروا بهما الصبيان ، قال التابع : الجهل غباء .

فطوَّقه معلمه بذراعه وقال : والعلم بلاء .

وفي سياق تعريف المؤلف بروايته قبل عنوانها " الغزالة " جاءت جملتان متناقضتان جمعهما تنصيص واحد هكذا : " رواية غير مألوف الروايات .. رواية ككل الروايات " . وفي ذلك تناقض يثير في ذهن القارئ من البداية حيرة وتساؤلات .

وتتابعت المفارقات بعد ذلك ؛ فالإهداء يقول : " إلى من يبحثون عما لا يجدون " .

هذه الجملة بما تحمله من تناقضات بين البحث وانعدام النتيجة تثير في ذهن القارئ تساؤلات: هل يريد المؤلف من البحثين أن يكفوا عن بحثهم ؟ ، أو أن يغيروا طريقة بحثهم ؟، أو أن يغيروا هدفهم ؟ .

وبعد صفحة الإهداء تأتي جملة أخرى تقول: ” ولكم في المجاز حياة “ . هذه الجملة ، بالإضافة إلى أنها تستدعي إلى ذهن القارئ قوله تعالى: ”ولكم في القصاص حياة“، في علاج جريمة القتل بطريقة عادلة حكيمة ، فإنها توحي بأن المؤلف يريد أن يهرب من الحقيقة إلى المجاز . والمؤلف استغل ما للجملة من إيحاءات ودلالات بسبب استدعائها للجملة القرآنية .

وتأتي في الصفحة المقابلة جملتان أخريتان ، كلتاهما في صيغة النهي :

” لا تخف من العويص .. ولا تفر من الرمز “ ؛ الأولى منهما تناقض ما توحي به الجملة التي سبقتها ، والثانية تؤكده .

مفارقة الحدث:

يقول الراوي ( التابع ) " وعند التقاء احد الشوارع الجانبية بالجادة ، رأينا في ركن يكفل الظهور ويحمي من أعين الحراس رجلا يجلس تحت صورة الرجل الجليل متربعا فوق بلاط الرصيف وقد خاط شفتيه وعلق في رقبته لوحة مكتوب عليها " أحتج " . الخيوط المدماة دكن لونها فبانت غرزها وعقدها فوق الشفتين خفيفتي الزرقة من طول انطباقهما ، ورسمت لوحة تضج بالمعاني الواضحة .

فوق رأس الرجل قال معلمي :

- صوت هذا الرجل يصم الآذان .

ثم نظر إلي المؤسسات المتراصة بطول الجادة وأكمل :

-       لكن المؤسسات التي اعتادت سماع دبيب النمل صُمَّت عن صراخ هاتين الشفتين المُطبقتين .

وهنا تتضافر المفارقة في اللغة مع المفارقة في المشهد مع المفارقة في الحدث ؛ فمفارقة اللغة في جملة : صراخ الشفتين المنطبقتين " ، وفي جملة : المؤسسات التي اعتادت سماع دبيب النمل صُمت " . والمفارقة في المشهد بين الشفاه المخيطة واللوحة المكتوب عليها " أحتج " والتناقض بين الصمت والضجيج .

والمفارقة في الحدث في التضاد بين رد الفعل عند التابع ومعلمه اللذين أحسا أن صوت الرجل ذي الشفتين المخيطتين يصم الأذان وبين والمؤسسات التي صمت عن صراخه.

وتتضافر كذلك مفارقة الحدث مع مفارقة الشخصية ومفارقة اللغة في مشهد ذلك الرجل الذي يتحدث إلي رهط من الناس عن نملة رآها تمشي فوق كتفه باتجاه رقبته ، وكيما لا تتنكر قصة النحلة وأذن الفيل نترها بضربة إصبع ، وبحث عنها فوق بلاط الرصيف ، وسحقها بحذائه الذي هو بالمناسبة مصنوع من جلد تمساح متين .

وهنا تتبدى المفارقة واضحة بين الحدث ورد فعل الرجل تجاهه . ومفارقة في اللغة بين النملة والتمساح . والرجل المتحدث يتحدث عن نفسه وعن أخص خصائصه ، ثم يزعم أنه فعل كل شيء وخبر كل شيء وفاز في كل محجة وفكر في كل ما ينبغي أن ينشغل الفكر به . وعندما قال واحد من الرهط :

-       آه من حظنا العكر . . صرنا هدفا لمادحي أنفسهم .

إذا بالمتحدث يقول :

- وكلامك صحيح كل الصحة لقد صار ما دحو أنفسهم مثار كل شكوى مع أنهم لو نظروا إلي واقتدوا بي وفعلوا مثلما أفعل لما وصلوا إلي هذا الحد فأنا لا أمدح نفسي أبدا .

واستمر في مدح نفسه وهو يدعي أنه لا يمدحها .

 

مفارقات الشخصية :

وهي تلك المفارقات الناتجة من التنافر في بناء الشخصيات مع بعضها بعض ، أو عدم اتساق الشخصية الواحدة مع نفسها .

فعندما كان التابع ومعلمه في الصحراء جائعين ركضت نحوهم غزالة ، ولما دنت أقعت أمام معلمه فأشهر التابع حديدة كانت معه وقال :

-       أذبحها ونأكلها .

فنظر إليه معلمه نظرة فيها من الحزم ما يوازي ألم الجوع عند تلميذه وقال :

-       إن أكلناها فماذا عساه أن يبقى لنا ، وبأي شيء نمني أنفسنا ؟ .

ثم داعب رأس الغزالة وقال مخاطبا إياها :

-       غرير هو ما يزال ، فلا تأبهي له .

يروي التابع ما حدث بعد ذلك ، وهو مفارقة مع ما سبق ، يقول : " رافقتنا الغزالة ونفعتنا نفعا كثيرا . صعدت بنا كثبان وهبطت بنا كثبان . دلتنا على مفازات ما كنا لنكتشفها لولاها . أنقذتنا من ثعابين ، وداست على عقارب ، وأوردتنا مناهل لم نرتشف ماء أعذب مما فيها " . وذلك ما دفع معلمه ليسأله متهكما :

-       ما رأيك في غزالتنا ؟ .. نذبحها ..؟ .

يقول التابع : " فتمنيت لو أنه حشى فمي رملا ولم يسألني هذا السؤال "([5]).  

وفي موقف آخر يسأله معلمه ساخرا كذلك : " أما زالت حديدتك معك" ؟ .

وتغير موقف التابع؛ فعندما دفع معلمه الغزالة باتجاه الصحراء وهتف بها أن تنصرف عائدة لحال سبيلها ، وانفتحت ضلفتا بوابة مدينة اللذة والانبساط ليدخلا ؛ يقول التابع: " تطلعتُ إلى الغزالة فإذا بها واقفة على مقربة تزنو إلينا رنو المتحسر ، ففكرتُ ألا أعتِّب بوابة المدينة ، وهممتُ بالهرولة إليها ، إلا أنَّ معلمي نظر إليَّ بوجه قاسٍ لم أعتده منه ، وقال : اتبعني" ([6]) .

وعندما دخل التابع ومعلمه حديقة المدينة "مدينة اللذة والانبساط" وكانت مكتظة بالمتكلمين، وكانت الحشود تشرئب وتستمع ، فيما تناثر فوق رأسيهما كلام في شئمون الحرب والسياسة والاقتصاد .. استهوت التابع هذه الأمور ، وبدت له سهلة ميسورة ، فارتقى حجرا وطفق يتكلم مثلهم ، إلا أن الناس رموه بمعطوب الثمر ودقيق الحجارة ، فقثال له معلمه: " أما علمتك ألا تأكل إلا عن جوع ، ولا تتكلم إلا عن ضرورة"([7]) ؟! .

وعلى الرغم من ذلك لم يلتزم هذا المعلم بما طالب به تابعه ؛ فعندما قادتهم الضوضاء وزرافات المهرولين إلى ميدان فسيح مكتظ بالناس والجنود ، وكان الناس يجارون بهتافات تندد بالحاكم وأسليب الحكم ارتقى هذا المعلم بعض أشياء وخطب في الجموع المحتشدة بما لم يتمكن تابعه من سماعه لانشغاله بدفع المحتشدين عن معلمه حتى لا يسقط أو يصيبه أذى .

وهنا نلحظ مفارقة أخرى بين مبادئ أصحاب الخرقة وبين ما قاله معلمه في الجموع المحتشدة : " بروكت من شعب لا يفرط في حقه ، ويحرص على محاسبة حكامه "([8]) .

وتبدو المفارقة واضحة بين نظرة قاطع الطريق لخرقتي التابع ومعلمه وإدراك المعلم لقيمتهما ؛ فعندما اعترضهما قاطع طريق ، تملاهما مستصغرا إياهما ، ثم قال :

-       أما من شيء معكما يستحق السلب ؟ . أجاب المعلم: خرقتانا . فمط قاطع الطريق شفتيه وقلبهما احتقارا .

وعندما قال قاطع الطريق :

-       آخذ الغزالة . رد المعلم عليه بقوله : إن استطعت .

وهنا أصاب المعلم دهش كبير ؛ كيف يمنعه عن الغزالة ويمنحها لقاطع الطريق . ولكن قاطع الطريق عندما هم بالإمساك بها جفلت ثم أفلتت منه ، ورماها بسكين فانحرفت ، بخشبة فقصرت ، بحجر فطاش ، قفز فوقها فمادت ، جرى خلفها فركضت ، حتى تقطعت في قاطع الطريق أنفاسه ، فقال :

-       الفرار منكما غنيمة .

وغادرهما ، فيما عادت الغزالة تتمسح بخرقة معلمه .

وعندما مرا باثنين يتعاركان ؛ أحدهما يقول بأزلية الفناء ، والآخر يقول بأزلية البقاء ، سألاهما أي القولين أصدق ؟ ، فقال معلمه وبحة الاستنكار في صوته :

-       لم تشقان على نفسيكما وتضيعان أوقات هذا الجمع الحاشد ؟ .

وبدون جهد في التفكير أعقب:

-       هما أمر واحد .

مفارقة المشهد :

حين جد التابع في وصف مبنيين متقابلين في مدينة اللذة والانبساط ، مبنى مجلس النواب ومبنى المجلس الحكومي بناء على طلب معلمه ، يقول: ” مبنى مجلس النواب قصير ، مقبب، وبه شيء من ملوسة ، وبابه كالشق .. ، أما مبنى المجلس الحكومي فخشن ، طويل ، منتصب “ .

يقول التابع ( الراوي ) : هكذا وصفت المبنيين لمعلمي بطلب منه . وعلى الرغم من أنني كنت جادا ومكدَّرا بسبب ما نالني من تعب ونال معلمي من ضربات إلا أن معلمي ابتسم وقال :

-       ربما تكون اكتشفت سر التذاذ هذه المدينة وانبساطها .


 

.

 

<!-- MSTableType="layout" -->
<!-- MSCellType="ContentHead" -->
<!-- MSCellType="NavBody" -->  

    الغزالة روايــة جديــدة للقاص البورسعيدي المبدع قاسم مسعد عليوة ،نشرت في سلسلة روايات الهلال التي تصدرها مؤسسة دار الهلال بالقاهرة في عددها رقم 735 مارس سنة 2010في حوالي 150 صفحة من القطع المتوسط بعنوان (الغزالة )

<!-- MSCellType="NavBody2" --> <!-- MSCellFormattingTableID="1" -->
<!-- MSCellFormattingType="content" -->
<!-- MSCellType="NavBody" -->

وهي رواية غير مألوفة وينبع عدم إلفها من مخالفتها للتقاليد المعروفة في فن الرواية ، بل  من تمردها على هذه التقاليد وتحديها  تكسيرها ، فهي تكاد تكون بلا حكاية وبلا حبكة وبلا شخصيات محددة وبلا زمان محدد أو مكان معلوم . ومع ذلك فإنها تغوص في أعماق النفس الإنسانية العامة ، وتلقي الضوء على أعماق الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي  المعيش ،وتحقق الأهداف الفنية للرواية الواقعية دون أن تاتزم بمفهومها للواقعية .

فقاسم عليوة في هذه الرواية يستعير شكلا مألوفا من أشكال القصص الديني في التراث الإسلامي ،ويتناص معه ، وهو شكل الرحلة التعليمية ذات الطابع الروحاني ، هذا الشكل  يعتمد عادة على شخصيتين : الأولى شخصية التلميذ الذي يقوم في الوقت نفسه  بدور الراوي ، وشخصية المعلم أو العارف بظواهر الأمور وببواطنها، حيث يتجول المعلم بصحبة تلميذه في أماكن متنوعة ، ويصادف أحداثا عجيبة  ، وفي كل موقف جديد يسأل التلميذ المعلم ليستوضح مالم يعلمه من أسرار المشاهد  التي يراها، والأستاذ بدوره يجيب ، هكذا كانت أول قصة رروحانية في التراث الإسلامي رحلة الإسراء والمعراج ، حيث يقوم جبريل عليه السلام بدور المرشد والمعلم ، ويقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بدور المتعلم والراوي ، وفي كل مرحلة كان الرسول صلى الله عليه وسلم  يسأل وجبريل  عليه السلام يجيب ، وكذلك كان موسى عليه السلام مع العبد الصالح في سورة الكهف في القرآن الكريم ، وكذلك سارت معظم كتب المناقب التي تحكي سير المتصوفة بألسنة تلاميذهم .

بل إن هذا الشكل كان موجودا في كتب الفلاسفة القدماء ، فمحاورات أفلاطون لأستاذه سقراط تتخذ أيضا  هذا الشكل في كتاب الجمهورية وغيره ، لكن معرفة الأستاذ في محاورات إفلاطون عقلانية فلسفية بخلاف كرامات الأولياء ومناقب العارفين في مناقب العارفين في التراث الإسلامي .

يلبس التلميذ الخرقة في رواية الغزالة (رمز الدخول في أول درجات التصوف) ويتبع أستاذه أينما سار ويخدمه ولا يعصي له امرا ،تبدأ الرواية بقول التلميذ للأستاذ: أتبعك . وهي بداية تشبه مقالة موسى للعبد الصالح  في بداية القصة القرآنية :( هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا "الكهف 66)

لكن المعلم في رواية الغزالة لا يقول لتلميذه ما قاله العبد الصالح لموسى :"إنك لن تستطيع معي صبرا  " بل قال له : حاول .

ويتعلم التلميذ من أستاذه الدروس عن طريق المواقف  وليس عا طريق المواعظ، وفي كل موقف يتخلص التلميذ عن جانب من جوانب جهله بطريقة عملية، والجهل الذي يتخلص التلميذ  منه في الرواية  ليس فقط  ذلك الجهل المقابل للعلم بل ذلك المقابل للمعرفة ،والمعرفة درجات ، بها يرتقي المريد في مدارج الإنسانية الكاملة ،حيث يتخلص من قسوة القلب ومن الظلم والحقد والطمع والأنانية والكذب ، ويتحلى بالرحمة والعطف والصدق والإيثار في عالم مليء بالقسوة والظلم والنفاق والطمع والجهل ..الخ ، فالتعلم هنا يرادف التطهير .

وعندما  يتحقق للمريد هذا الهدف  يصبح إنسانا  حقيقيا ، هذا الهدف يتبلور في جملة واحدة هي : أن يتصالح الإنسان  مع نفسه ، وأن يتصالح مع الآخر ، أما التصالح مع النفس فهو الجنة التي يسعى المريد  للدخول فيها ، ويكون التصالح مع النفس عن طريق التوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد ، يقول التلميذ لمعلمه :" فماذا فعلنا يامعلم لننعم بما نحن فيه؟

بأوجز عبارة أجاب:

-لأننا ألفنا بين الخصمين "

ثم يقول :" فهمت أنه إنما يقصد الروح والجسد"(ص71)

وعندما يوازن الإنسان بين مطالب الروح والجسد فإنه يتصالح  مع العالم المحيط به ،إذ  يصبح الإنسان صديقا لأخيه الإنسان ، بل صديقا للطبيعة ، للحيوان وللنبات  وللجماد.

لكن هذا  العالم الذي يمر به المعلم وتلميذه  في رواية الغزالة عالم غريب ، مليء بالعجائب ،فهما يجدان في أول مدينة يدخلانها ( أي مدينة اللذة والانبساط ، مدينة القوادين والسماسرة )  الشرطي يتعاون مع اللص في قتل صاحب محل العطارة ، لأن المعايير المتبعة في هذه المدينة أن صاحب المحل ينبغي أن  يقتل إذا لم يدفع للشرطي ما يريد ،والشرطي صديق بل شريك للص، وأن من حق الحانوتي أن يأخذ سائر ما في المتجر نظير قيامه بدفن جثة التاجر ، وشعب هذه المدينة كما يقول لا يفرط في حقه وبخاصة حق الرجل الجليل حاكم المدينة ، فصورة هذا  الرجل الجليل حاكم المدينة معلقة في كل مكان ،و تحت صورة من هذه الصور وفي مكان منعزل عن الحراس يجلس رجل على الرصيف تحت الصورة وقد خاط شفتيه بخيط ينز دما ،  ويعلق في رقبته لوحة مكتوب عليها : (أحتج ) قال المعلم لتلميذه عندما رأى هذا المنظر : صوت هذا الرجل يصم الآذان .

وهكذا يتجول المعلم  بصحبة تلميذه من مدينة إلى أخرى ومن مكان لاخر، وفي كل خطوة  يتعلم التلميذ المزيد من المعرفة ويتكشف له المزيد من الأسرار التي كان يجهلها ، وفي الوقت نفسه يتكشف أمام  القارئ المزيد من العالم الروائي ، ويتضح له المزيد من  جوانب الرؤية  ،في طريق طويل يشبه الدائرة يبدا بلقاء الغزالة وينتهي بها .طريق ممتد  يقطعه التلميذ بصحبة معلمه ويسميه قاسم عليوة على لسان المعلم : طريق السالكين ،يقول :"طريق السالكين محكوم بالشهوة والهوى ومحفوف بالمحو والسكر والانبساط"(ص24)

 هذه الرواية تمتاز بأنها تتبع منهجا خاصا في التعبير عن الواقع ، منهج يخالف مألوف الرواية  الواقعية التقليدية  ذات الأصول الأوربية ، وتحاول تبني واقعية جديدة ، فكل الروايات الحديثة بكل اتجاهاتها في الغرب أوفي الشرق  تعمل على تصوير الواقع ، وتتبنى شكلا ما من أشكال الواقعية ،لأن الواقعية أحد محددات النوع الروائي نفسه ،حسب المفهوم الحديث لهذا النوع ، فليس هناك عمل قصصي يستحق لقب رواية لا يستهدف تصوير الواقع  ،فإذا لم تتحقق الواقعية سمي شيئا آخر ،كأن يسمى  قصة خيالية أو ملحمة أو سيرة أو قصة خيال علمي أو غير ذلك ، لكنه لا يسمى " رواية " بحال من الأحوال ، وذلك لافتقاده هذا الشروط المحدد للنوع وهو الواقعية .

لكن المشكلة تكمن في تحديد مفهوم هذه الواقعية نفسه ، وبالأحرى في تعدد الإجابات المتعلقة بالسؤالين التاليين  : ما هو الواقع ؟  كيف يمكن تصويره؟

فهل الواقع هو ما يصدر من الناس  في مجتمع من المجتمعات من أفعال وأقوال وأفكار وسلوكيات وصراع وتطور في الزمان أو تحول في المكان ؟وهو المسمى بالواقع المعيش،

المصدر: المجلس الاعلى للثقافة
consulthamadass

الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييم

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 471 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة consulthamadass

ساحة النقاش

الخبيرالدكتورحمادة صلاح صالح www.iraegypt.com

consulthamadass
خبير التقييم المعنمد للتقييم لدي البنك المركزى المصرى خبير الملكية الفكرية بوزارة العدل للمحاكم الاقتصادية المتخصصة خبير تقييم الأثر البيئى للمشروعات وتقييم دراسات الجدوى خبيرتقييم معتمد لدى وزارة اﻻستثمار رئيس الهيئة الادارية والاقتصادية بالمجلس العربي الافريقي للتكامل والتنمية ونائب الرئيس للشئون الاقتصادية بالمجلس خبير تقييم دراسات الجدوى خبير وعضو المجلس »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

674,830