من العمل الروائى( استراحة مقاتل)
ارتفعت الطائرة الحربية إلى عنان السماء ،نظر إليه ضابط المخابرات رؤوف شامخ الجالس فى قبالته نظرة المنتصر ثم قال :
- كلها ساعتين و نوصل مطار ألماظة يا بطل!
أغمض عينيه و أسند رأسه على ظهر المقعد ،مر شريط الأحداث الذى ما زال يحتفظ به عميقاً فى ذاكرته المكدسة أمام ناظريه،لا يصدق أنه سيعود أخيرا إلى أرض الوطن بعد أن أمضى من العشرين عاماً معتقلاً فى السجون الاسرائيلية بعد أن خاض فريق من ضباط المخابرات الحربية معركة طويلة من أجل إطلاق سراحه ، وما وافق الجانب الاسرائيلى على طلب السلطات المصرية إلا بعد أن عرضت تسليم إلىّ عازر و خمسة جواسيس أخرىن فى عملية تبادل معقدة شهدت الكثير من التعقيدات و المساوات و الأخذ و الرد...
******
- أراك تنوى تفجير المبنى؟ سأل رئيس مركز السيطرة و التحكم
- نعم سأفعل .
- هكذا هى عقلية العربى، يدمر نفسه فى سبيل تدمير أى شىء أمامه،أريد فقط أن أخبرك أننا نفهم هذه العقلية جيداً و أكثر من أى أحد على ظهر الأرض، وإن قمت بتفجير المبنى فلن تفجر إلا ما تراه عيناك.
- هل تقصد...؟
- نعم! قالها الرجل مقاطعاً ثم واصل الحديث: إنّ ما تراه بعينيك أكبر و أعظم مما يبدو لك أو ما يمكنك تخليه،و لن تستطيع و لن يستطيع أى مخلوق مهما بلغ به من شأن أن يمسسه بسوء، لسبب واحد أنه لن يستطيع الوصول إليه ،خذ عندك هذا المبنى على ما يضمه من أجهزة تصنت و تجسس تراقب كل ما يحدث على ظهر الأرض كمثال فتحته يقبع عميقأ تحت باطن الأرض مبنى بديل محمى حماية فائقة،إن توقف هذا المبنى عن العمل لأى طارىء أو تم تدميره تماماً تتحول كافة العمليات تلقائياً إلى المركز البديل تحت الأرض.
- هذا يعنى أنكم تملكون البديل لكل شىء؟
- أجل حتى أننا لدينا خطة بديلة لكل خطة يتم تنفيذيها حالياً فى بلدانكم !
- و يبقى الهدف واحد ،ألا وهو تدمير البلاد العربية ؟
- الهدف هو إقامة مملكة الرب التى وعدنا بها ، ولن يتم هذا الهدف الأسمى إلا بتدمير بلدان هذا العالم الذى تنتمى إليه و جعلها خاضعة أو تابعة لنا ،و لكن براعة هذه الخطة تكمن فى أننا سندمر هذا العالم بأيدى أبنائه.
- تقصد من خلال الجماعات الارهابية التى تجندونها وتدعمونها و تمدونها بالأموال و السلاح و تعملون على تدريب قاداتها كما حدث مع هذه المجموعة التى رأتها؟
- الارهاب مجرد كارت بسيط و أحياناً نقوم بحرق هذا الكارت من خلال الكشف عن بعض المجموعات التى ينتهى الغرض من استخدامها.
- و ما هى الكروت الكبيرة التى تعولون عليها لتحقيق هدفكم؟
- نحن نستخدم كل ما تحسبونه مصدر قوتكم ضدكم ، فالبترول مصدر الثروة لديكم حولناه ليكون نقمة عليكم، و الأرض الممتدة من الخليج إلى المحيط سنفتتها إلى كانونات صغيرة متصارعة فيما بينها و سنخنقكم فى داخلها حتى لتضيق الأرض بما رحبت عليكم ، اما الأهم فهو شبابكم الذى تفاخرون بأنه عماد مستقبلكم فسوف نفرغه داخلياً من كل المبادىء و القيم حتى يصيروا كغثاء السيل ،و سوف نملئهم بالحقد و النقمة و الغضب حتى يثيروا على كل شىء و يحطموه فى طريقهم.
- ستفشلون فى نهاية الأمر . قالها ابراهيم مبتسماً
- تتحدث فى قة أحسدك عليها.
- إنى اتحدث بثقة المقاتل المصرى ، ولو فكرت قليلاً فى كيفية وصولى إلى هذا الموقع و تمكنى من اختراق كل التحصينات الأمنية و التقنية المزود بها هذا المركز لأدركت سبب ثقتى التى تراها
مبالغاً فيها.
- هو جيش مصر العقبة الأكبر فى طريقنا.
- و ماذا أعددتم من خطط للتخلص من هذه العقبة الكبرى؟
- الخطة معدة منذ عقود و جارى تنفيذها بدقة وحسب جدول زمنى موضوع بإحكام ؟
- كيف ؟
- جماعة الاخوان المسلمين التى أنشناها إبان الاحتلال البريطانى ستتكفل بالقضاء على الجيش المصرى، و لكن فى اللحظة المناسبة.
- هذا يعنى أنكم كصهاينة تقفون خلف هذه الجماعة ؟
- يكفى أن تعرف أن البنا مؤسس الجماعة من أصول يهودية ،واليهودى لا يحمل إلا ولاءاً واحداً فى قلبه ، هو ولائه لمملكة الرب.
- عندما أعود إلى أرض الوطن سأجعل من هذه الجماعة هدفى الأول.
- تعود ؟! لقد وقعت فى أيدينا ولا عودة لك بعد اليوم ، أتحسب أننى كنت سأطلعك على كل هذه المعلومات الخطيرة لو أن هناك احتمالاً واحداً فى المائة أن تعود؟
- ما دمت أملك سلاحى فى يدى فسيبقى كل ما تقوله مجرد أوهام. قالها ابراهيم و هو يرفع سلاحه عالياً بيمينه بينما يضع يساره على زر التفجير ،استدار الرجل و علامات الحنق تجتاح وجهه و تعصف به ، وواصل ابراهيم حديثه بالقول :
- كلمة أخيرة أود أن أبلغها قيادتك التى لا أشك أنها تستمع إلينا الآن : أنا مقاتل مصرى جتئكم وحدى فما بالكم بلآف ،بل بمئات الآلاف من المقاتلين ممن هم على شاكلتى ؟
رفع الرجل يده اليمنى آمراً القوات المصاحبة له :
- أقبضوا عليه ! لا أريد أن أسمع هذا الهراء !
عندها أصلق ابراهيم رصاصة من مسدسه استقرت فى مؤخرة رأس الصهيونى ، ثم طار من مكانه متجنياً سيل الطلقات النارية التى انهمرت صوبه ، ضغط على زر التفجير فتوالت الانفجارات التى اهتز لها المبنى من أساسه ، وتبادل إطلاق النيران مع القوات المهاجمة داخل الغرفة الممتلئة بأجهزة الحاسوب الآلى ، يتنقل من صف إلى صف متأخذاً من الأجهزة و حواملها ساتراً له و هو لا يكف عن مبادلة مهاجميه إطلاق النيران فيما يردون علبه بكثافة حتى أسقط أغلبهم بين قتيل و جريح ، ولا ح له باب القاعة على الجهة اليمنى و انطلق نحوه إلا أن طلقة أصابته فى ظهره ، لحقتها طلقة أخرى أصابته فى فخذه و هو يسقط على الآرض ، وقام العسكرى الذى أطلق على ابراهيم الطلقة الأخرى من مخبأه و الدماء تغطى وجهه و صوب سلاحه الآلى إلى رأس ابراهيم منتوياً أن يطلق عليه طلقة مميتة لولا أن صوتا جائه صارخاً عبر السماعات فى أذنه :
- لا تقتله ! نريده حياً !
- و لكن التفجيرات تجتاح المبنى و قد لا نخرج من هنا أحياء .
- أفعل كل ما يمكنك أنت و زملائك لإنقاذه !
عندها ألقى العسكرى سلاحه جانباً ، و أعطى إشارة إلى زملائه ممن بقوا على قيد الحياة فحملوا ابراهيم و اتجهوا عبر ممر الطوارىء إلى سطح المبنى حيث حطت طائرة هليكوبتر و نقلتهم بعيداً عن المبنى الذى أتت عليه التفجيرات و الحرائق الناجمة عنه و جعلته أثراً بعد عين..
******
نشرت فى 24 مارس 2016
بواسطة chichkhane1947
أقلام مبدعة
تهتم مجلة أقلام مبدعة بنشر ما تراه صالحا من انتاج أعضاء مجموعة ملتقى الأقلام و الإبداع بقابس و ما يتبعها من مواقع أدبية ولك تشجيعا لهم و تحفيزهم لمواصلة الكتابة و الإبداع خدمة للأدب العربي و لغة الضاد كما نعمل على تشجيع الأقلام الناشئة و اكسابها الثقة في النفس. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
42,575
ساحة النقاش