لا أريد تناول هذا الموضوع من جانب اصطلاحي ولا تاريخي بقدر تسليط الضوء على احد المفارقات التي استشرت في عصرنا الحالي، وهي تدني قيمة "حياة البشر"، رغم إقرار كل القوانين الوضعية على أن الناس وفقا لمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ولدتهم أمهاتهم أحرار"، غير أن هذه القوانين الوضعية يتلاعب بخيوطها في الخفاء حتى تحولت دماء البشر التي كست وجه الأرض شبيهة بالماء الذي يتدفق من منابع شتى.

وهو ما يجعل الناس اليوم وأكثر من أي وقت مضى متخوفون على حياتهم التي تضيع أمام أعينهم سدا، الخوف من الاغتيال، الخوف من الاعتداءات الجسدية، الخوف من السطو وفي وضح النهار، أشكال عدة تصب كلها في خانة الرعب والهلع المسلط على بني البشر في أرواحهم، حتى أصبح الناس يخشون النوم كونهم متربص بهم، وهنا نبحث عن "الحق في الحياة الكريمة" ونضع خطوطا كثيرة أسفل "الكريمة"، لان في عالمنا العربي حياة الإنسان ورغم ما يشوبها من الجرائم المختلفة، ما تزال لها قيمة تذكر وهي ليست بذات التدني كحال نظيره الغربي، ولذلك نريد أن نبدأ من هذه القلة المتبقية للعودة إلى الإنسان الأول "الطيب"، ذاك الإنسان رغم سذاجته غير أن سجيته الطيبة كانت تحول بينه وبين أن يهدر دم الأخر الذي هو في الأصل "أخاه".

نفتش اليوم في عالمنا الموسوم بالسرعة والفظاعة عن ذاتنا التي فقدناها في زحمة انشغالنا بالمادة وبالمستقبل الذي يظل مبهما رغم ما سبق وان خططنا له، نتوق للعودة إلى الطهر والنقاء بأقل الخسائر المحتملة، وهذا لن يتأتى في اعتقادي إلا من إصلاح محيطنا الداخلي قبل الإلقاء باللائمة على الآخرين، نبدأ بغرس هذه الأفكار في أبنائنا وإخوتنا ثم نمتد إلى المحيط، نحاول وضع مخططات خماسية أو حتى عشرية على غرار ما تفعله الدولة في تسيير شؤون بيتها، قد تكون العملية صعبة في بادئ الأمر لكنها حتما ليست مستحيلة، لأنها في نهاية الأمر تستحق المجازفة، ويكفي أن النفع سيعود لنا في نهاية المطاف.

"الحق في الحياة" أو بعبارتنا الشائعة "الحق في العيش" هو في الحقيقة واجب نلزم به الآخرين حتى لا يتعدوا على نطاقات ذاتنا، وان يحترموا هذا المخلوق ومن أوجده وهو الله تعالى، فحتى في القوانين الدولية ما يسمى بالمياه الإقليمية وهي محمية بقوة القانون ولا يجب أن يخترقها شخص أو جهة، وفي حال حدث ذلك ثمة ترسانة من القوانين تسلط اشد العقوبات عل المعتدي "ين".

 غير أن هذه المحميات المتحفظ عليها عندما يصل الأمر إلى البشر تتقلص، ويصبح دمه مستباحا على مذابح الحرية أو غيرها، بحق أو بدونه، وحتى ما يسلط من عقوبات لا يتماشى و"القصاص" الذي اقره القران الكريم، في ابسط صوره الجلية "العين بالعين" وما للقصاص من عبرة لأولي الألباب، كل هذا يتم تجاوزه، وهذه في نظري إحدى المسببات الرئيسة التي أدت إلى استشراء ظاهرة التعدي على حق الآخرين في الحياة، قلة الردع الجزائي هو السبب فيما وصلت إليه الإنسانية في هذا الوقت.

 فدعوا الناس تحيا بسلام، بلا خوف ولا رعب، دعوا الناس في هذا العالم الذي يبهر بريقه الظاهر ويتشدق سكانه بوصولهم لأعلى درجات التقدم على أصعدة الحياة الأخرى دون الجانب الإنساني الذي تلاشى وداسته عجلة التطور التكنولوجي، حيث فقدت العلاقات الحميمة معناها، دعوا البشر يعيشون حياة كريمة كالتي عاشها أجدادهم الأوائل حتى يمكنهم أن يورثوا لأبنائهم على الأقل بقايا الإنسانية الضائعة.

بقلم

أم السعد مكى عبد الرحمن

 

المصدر: بقلم : أم السعد مكى محررة إلكترونية
caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 330 مشاهدة
نشرت فى 12 يوليو 2011 بواسطة caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

caheft
صحيفة الأدب العربى الإلكترونية - على كنانة أون لاين »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

168,227