<!--<!--

يشعر الناس في نقاط شتى من المعمورة وفي هذا الوقت العصيب بالكثير من الألم، ويتعاظم الألم أكثر مع تنامي عدد القتلى والأجزاء المبتورة المبعثرة، صورة تعيد تشكيل زمن حروب العصور الوسطي، ومراحل متقطعة من الحروب الكونية التي عصفت بحياة الناس وحولتهم إلى مجرد أداة يبطش بها الأقوياء.

شرارة الحروب التي امتدت في هشيم حياة "العرب"، فحولتها إلى ساحات واسعة غصت بالجماهير التي نادت منذ أشهر بإحداث تغييرات جذرية في هيكل السلطة، لم يتمكنوا معها من تحقيق آمالهم إلا على وقع ألام لا احد يقوى على تحملها، فالديمقراطية التي طالما تغنت بها الشعوب وحكامها تظل قيمة مثالية لا يمكن بأي حال إسقاطها أو جعلها ناموسا للنظم العربية رغم ما يتباهى به البعض ويدعون أنهم بلغوا مراتب متقدمة في الحرية السياسية والإعلامية وغيرها.

وبذلك تكون هذه النظم قد فشلت في ضمان الأمن وكذلك بلوغ الحرية المنشودة، بل على النقيض من ذلك تماما زادت من حدة نظمها الدكتاتورية المتسلطة، وكشفت عن وجهها المقيت، وكذلك عن قدرتها على التلون، وجعلت هذا المواطن الذي طالب بحقه في تمكينه من مساحة للتعبير عن رأيه مجرد "نكرة"، وأطلقت عليه صفات شتى واعتبر مواطن من درجة متدنية للغاية.

غير أن ميزان القوى الذي يبدو في ظاهر الأمر منحرف باتجاه من يملكون زمام السلطة، يحمل ضمنيا الكثير من عوامل القوة للشعوب المضطهدة، والتي لا محالة ستنتصر في نهاية المطاف، فالشعوب عبر مساراتها الطويلة والمضنية دائما تكون الغلبة لها، منذ إطلاق أولى العبارات المنادية بالحرية، الأخوة والمساواة ولحد الساعة ما تزال الشعوب تنحى باتجاه خطها الصحيح، ولذلك فما يحصل في الوطن العربي رغم ما يحمل من بذور الشر، لن يستبد بالنفوس ويزرع فيها المخاوف، وهو ما يعبر عنه العشرات منهم بحالة الانتحار الجماعية والمرابطة في الساحات العامة لشهور متوالية.

نتحدث عن شعوب غطت في سبات دام قرابة النصف قرن من الزمن، قضتها تدور وهي تنام فاقدة الوعي ومخدرة الحواس والإحساس، شعوب رضخت لسلطة محكوميها دون أن يكون لها الخيار و لا حتى القدرة على قول كلمة ما، وهو ما يجعل حالة من الاستغراب تطبع مخيلتنا فنقول بذهول كبير "كيف استطاعوا الصمت وغض الطرف عن كل ما جرى وطوال هذه المدة؟"، والمفارقة في الأمر أن الشعوب خرجت من مرحلة استعمار وناضلت باستماتة لاستعادة كرامتها وحريتها وسرعان ما تناست كل ذلك الاستشهاد المتواصل وخلدت إلى نوم عميق، فتحولت حياتها التي طبعتها الثورات إلى حياة باهتة لا شيء يميزها عن حياة الأموات.

ولكن بارقة الأمل التي أومأت في فضاء العالم العربي جعلت الأمل يحلُ محل الألم، وجعلت من الحلم الذي قال عنه ذات يوم أبو العلاء المعري "إذا لم نستطع أن نجعل الحلم حقيقة فلنجعل الحقيقة حلما"، جعلت من المقولة تأتي على وجهها الصحيح ودون يأس مرافق لها، بحيث يمكن جعل هذه المرة "الحلم حقيقة"، حقيقة تظهر في مناحي حياتنا كلها، الجميع يطمح اليوم إلى أن يدرس ويأكل وينام ويعمل ويختار من ينوب عنه في تسيير دواليب حياته ويضمن له العيش الكريم، وان يشعره بأنه كائن حي يتنفس ويمشي، وله قيمة يمكن ملامستها لا مجرد خيال شارد في الساحات ومواقف الحافلات التي تقود إلى وجهات مجهولة.

بقلم

وسيلة مكى

المصدر: بقلم : وسيلة مكى
caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 387 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2011 بواسطة caheft

صحيفة الأدب العربى الإلكترونية

caheft
صحيفة الأدب العربى الإلكترونية - على كنانة أون لاين »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

173,332