تولى النيابة التحقيق بنفسها. عدم جواز قيام مأمور الضبط القضائى باجراء أى عمل من أعمال التحقيق إلا بأمر منها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 345
جلسة 2 من أبريل سنة 1957
برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة محمود ابراهيم اسماعيل ومصطفى كامل ومحمود محمد مجاهد والسيد أحمد عفيفى المستشارين.
(91)
القضية رقم 90 سنة 27 القضائية
تحقيق. تفتيش. نيابة عامة. ضبطية قضائية. تولى النيابة التحقيق بنفسها. عدم جواز قيام مأمور الضبط القضائى باجراء أى عمل من أعمال التحقيق إلا بأمر منها.
متى كانت النيابة العامة قد تولت أمر تحقيق القضية بنفسها، فلا يجوز لأحد من رجال الضبط القضائى أن يجرى فيها عملا من أعمال التحقيق إلا بأمر منها وإلا كان عمله باطلا. ومن ثم فإذا أجرى الضابط التفتيش بدون أمر من النيابة العامة وفى الوقت الذى كانت تباشر التحقيق فى الحادث فإن التفتيش يكون باطلا.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 – أحمد عبد الحميد شعيب (الطاعن) و2 – مصطفى عبد الحميد شعيب، بأنهما: المتهم الأول أولا – قتل عمدا " محمد خليل شعيب" مع سبق الإصرار والترصد بأن عقد العزم على قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا معمرا " فردا" وتربص له فى طريق عودته لمنزله وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته وثانيا – حاز سلاحا ناريا " فردة خرطوش" عيار 16 بغير ترخيص وثالثا – أحرز ذخيرة مما تستعمل فى السلاح سالف الذكر ولم يرخص له بحمله، والمتهم الثانى: - اشترك مع المتهم الأول بطريقى الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفق معه على ارتكابها وصاحبه إلى محل الحادث لشد أزره فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما على هذه المحكمة لمحاكمتهما بالمواد 230 و231 و232 و40/ 2 – و41 من قانون العقوبات والمواد 1 و6 و26/ 1 – 4 و30 من القانون رقم 394 المعدل بالقانون رقم 546 سنة 1954 والجدول رقم 2 المرافق، فصدر الأمر بذلك. وقد ادعت فايزه سيد أحمد النمر عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها القاصرين وهما فتوح وملكه بحق مدنى قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ستمائة جنيه تعويضا. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضوريا عملا بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات و1 و6 و26/ 1 – 4 و30 من القانون رقم 394 المعدل بقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 2 المرفق مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات وذلك بالنسبة إلى المتهم الأول (الطاعن) أولا – بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاح المضبوط وبإلزامه بأن يدفع إلى المدعية بالحق المدنى " فايزة سيد أحمد النمر" بصفتها مبلغ ستمائة جنيه والمصاريف المدنية ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماه وثانيا – براءة " مصطفى عبد الحميد شعيب" مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله.
فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.
المحكمة
.... وحيث إن مبنى الأوجه الأول والثالث والرابع هو أن الحكم بنى على إجراء باطل وأخطأ فى تطبيق القانون ذلك بأن محامى الطاعن دفع أمام محكمة الجنايات ببطلان التفتيش الذى أجراه ضابط المباحث وأسفر عن ضبط البندقية التى قيل بأنها استعملت فى الجريمة وضبط الجلباب الكحلى الذى قيل بأن الطاعن كان يرتديه وقت فراره وعقب ارتكاب الجريمة. وأسس هذا المحامى هذا الدفع على أن الضابط أجرى التفتيش بدون أمر من النيابة العامة وفى الوقت الذى كانت تباشر فيه التحقيق فى الحادث ورد الحكم على ذلك بأن المتهم كان فى حالة تلبس تبيح تفتيشه وتفتيش منزله، لأنه شوهد يجرى وبيده البندقية عقب ارتكاب الجريمة وهو رد مخالف للقانون لأن حالة التلبس كانت قد زالت بالقبض على الطاعن وتفتيش منزله قبل ذلك بواسطة ضابط آخر وتسليم المحضر المشتمل على هذه الإجراءات للنيابة العامة التى تولت التحقيق بعد ذلك ولم يحصل التفتيش الثانى المطعون فى صحته إلا بعد عدة ساعات من حصول تلك الإجراءات ومتى كان هذا التفتيش باطلا فانه لا يكون ثمة دليل على تهمتى إحراز السلاح وإحراز الذخيرة بغير ترخيص، هذا إلى أن المحكمة لم تتحدث فى حكمها عن بطلان التفتيش بالنسبة إلى هاتين التهمتين. وينبنى على ذلك كله نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للدعويين الجنائية والمدنية على السواء.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين الواقعة وأورد الأدلة على ثبوتها فى حق الطاعن عرض للدفع ببطلان تفتيش منزله ورد عليه بقوله " إن الدفاع عن المتهم (الطاعن) دفع ببطلان التفتيش الذى أجراه ضابط المباحث وانتج ضبط البندقية المعروضة والجلباب الكحلى تأسيسا على أن النيابة قد تولت التحقيق فهى التى يكون لها وحدها القيام به، أو ندب أحد لذلك ولما لم تكن قد ندبت ضابط المباحث فيكون هذا التفتيش باطلا سيما وأنه سبق لرجال البوليس عند ضبط المتهمين بمنزلهما أن فتشوا هذا المنزل ولم يعثر به على شئ فلا يصح قانونا أن يعاد تفتيشه بدون إذن من النيابة، وهذا الدفع مردود بما هو ثابت من التحقيقات من أن الجريمة فى حالة تلبس تبيح لرجال الضبطية القضائية إجراء هذا التفتيش بحثا عن أسلحة استعملت فى ارتكابها أو عما يفيد فى كشف الحقيقة، إذا اتضح لهم من أمارات قوية أنها موجودة فيه، ولا شك أن فيما شهد به محمد السيد هبوله وبعض من حضر عقب إطلاق النار من رؤيتهم المتهم يجرى بعد إطلاقه العيار إلى منزله وبيده البندقية، مما يجعل الجريمة فى حالة تلبس وأنها أمارات قوية على أن السلاح قد أخفى من منزل المتهم فتفتيش ضابط المباحث منزل المتهم بحثا عن السلاح فى هذه الحالة لا غبار عليه من الناحية القانونية عملا بالمادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية، وليس فى القانون ما يمنعه من إجراء تفتيش دقيق لمنزل المتهم بعد أن فتشه بعض زملائه تفتيشا سطحيا عند قيامهم بالمهمة الأصلية التى ذهبوا إليها وهى ضبط المتهمين عقب ارتكاب الحادث...." ثم استطراد الحكم من ذلك إلى القول " إنه لو فرض جدلا وكان ضبط هذه البندقية نتج عن تفتيش باطل كمل يذهب الدفاع فإن الأدلة الكثيرة الأخرى الباقية فى الدعوى عدا الدليل العاشر الخاص بضبط هذه البندقية كافية لإقناع المحكمة بارتكاب هذا المتهم للجريمة على أن المتهم قد اعترف بملكيته للجلباب الصوف الكحلى الذى ضبط نتيجة هذا التفتيش فلا يسرى عليه هذا الفرض الجدلى". ولما كان ما قاله الحكم فيما تقدم فى شأن تفتيش منزل الطاعن وصحة الدليل المستمد من هذا التفتيش وهو دليل ضبط البندقية، وإن كان تقريرا قانونيا خاطئا لا يتفق وفقه قانون الإجراءات الجنائية إذ ما دامت النيابة العامة وقد تولت أمر تحقيق القضية بنفسها فلا يجوز لأحد من رجال الضبط القضائى أن يجرى فيها عملا من أعمال التحقيق إلا بأمر منها وإلا كان عمله باطلا، غير أنه لا جدوى مما ينعاه الطاعن على هذا الإجراء الباطل الذى أسفر عن ضبط البندقية متى كانت المحكمة قد افترضت بطلان هذا الإجراء واستبعدت الدليل المستمد منه من عداد أدلة الدعوى مفصحة عن كفاية ما بقى منها – بعد استبعاد هذا الدليل للقضاء بإدانة الطاعن، لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه فى شأن تهمتى إحراز السلاح والذخيرة لا جدوى منه ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وأنزلت بالطاعن العقوبة المقررة لأشد الجرائم المسندة إليه وهى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن فى الأوجه المتقدمة لا يكون له أساس.
وحيث إن حاصل الوجه الثانى هو أن الحكم شابه الفساد فى الاستدلال ذلك بأن ما قاله الحكم من أن ما تبقى من أدلة الثبوت بعد استبعاد واقعة ضبط للبندقية كاف للإدانة مردود بأن المحكمة لم تستظهر ما إذا كان الإتهام الموجه إلى الطاعن من المجنى عليه قبل وفاته بنحو ساعة أو يزيد وهو يعالج سكرات الموت مبنيا على مشاهدته وهو يرتكب الجريمة أو على مجرد النطق بسبب الضغينة القائمة بينهما لسبق اتهام المجنى عليه بالشروع فى قتل أخى الطاعن سيما وأن الإصابة حدثت من الخلف ولم تكن حالة الضوء كضوء النهار. أما الشهود الذين عول الحكم على أقوالهم عدا الشاهد محمد السيد هبوله – فإنهم لم يروا شيئا، وشهادتهم سماعية نقولها عن المجنى عليه، وأما شهادة هبولة فلا يعتد بها لأنه قال إنه كان يسير مع المجنى عليه فأطلق على هذا الأخير عيار نارى من الخلف أصابه فى ظهره فالتفت الشاهد ليتبين مطلق العيار فرأى الطاعن على مسافة متر واحد وبيده فردة يعلوها الصدأ ويرتدى جلبابا من الصوف الكحلى مع أن أحد الشهود الآخرين قرر بأن هذا الشاهد الذى ذكر تلك الأوصاف الدقيقة، كان عقب وقوع الحادث يرتعد رعبا وفزعا، فالحكم إذ قضى مع ذلك بإدانة الطاعن يكون مخطئا فى الاستدلال.
وحيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية المكونة للجريمة التى دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مؤدية إلى النتيجة التى رتبها عليها. ومن بين تلك الأدلة التى أوردها الحكم واستند إليها ما أثبته نقلا عن أقوال المجنى عليه التى أدلى بها فى محضر البوليس وفى تحقيق النيابة العامة من أنه كان مع الشاهد محمد السيد هبوله عندما أطلق عليه الطاعن مقذوفا ناريا من فرد كان يحمله فأصابه، مما يدل دلالة واضحة على أن اتهامه الموجه إلى الطاعن مبنى على الرؤية والمشاهدة ليس على مجرد الظن والاستنتاج، وكذلك استند الحكم فيما استند إلى الدليل المستمد من شهادة شاهد الرؤية محمد السيد هبوله من أنه عند إطلاق العيار النارى على المجنى عليه التفت فوجد مطلقه هو الطاعن وكان على قيد متر واحد منه وأنه رآه وتحقق من شخصه على ضوء المصباح الكهربائى المركب فى عامود النور الذى وقع الحادث بجواره، ولما كان تقدير شهادة الشهود أمرا موكولا إلى سلطة محكمة الموضوع، فمتى اطمأنت إليها وصدقتها فلا معقب عليها فى الأخذ بها، وكان ما يرمى إليه الطاعن فى طعنه فى التهوين من قيمة شهادة هذين الشاهدين والتشكيك فى صحتها، لا يقبل منه لتعلقه بموضوع الدعوى وتقدير أدلة الثبوت فيها، والمجادلة فى مبلغ كفايتها للادانة، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه يكون على غير أساس هو الآخر.
وحيث انه لما تقدم يكون الطعن متعين الرفض موضوعا.
ساحة النقاش